العدد 24 - اقليمي | ||||||||||||||
القدس - في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل بين واشنطن وتل أبيب حول ما يمكن أن يكشف وما يجب أن يبقى طي الكتمان، في قضية الغارة الإسرائيلية على منشأة دير الزور، جاءت رسالة رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت للرئيس السوري بخصوص الجولان، لتخطف الأضواء عن المسار الفلسطيني المتعثر أصلاً. أولمرت أبدى في رسالته السرية التي نقلها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، استعداده "للانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان مقابل تحقيق السلام مع سورية". وبالمقابل تعمّد السوريون كشف الرسالة، في محاولة "لفرض رؤيتهم في جعل التفاوض علنيا". هكذا فهم المسؤولون الإسرائيليون. المحلل السياسي، هاني المصري، مدير مركز بدائل في رام الله، رأى أن الحديث الإسرائيلي المفاجئ عن الجولان، يخلو من الجدية، ويندرج في اطار المناورات والضغوطات واللعب على المسارات، لدفع الجانب والرئيس الفلسطيني للقبول بما يعرض عليه على طاولة المفاوضات. وكان الرئيس محمود عباس، أكد يوم الأحد من القاهرة التي وصلها قادماً من واشنطن: "إننا مع أي حوار أو أي اتفاق يصل إليه الأخوة السوريون ولا نعتبره إطلاقاً على حساب المصلحة الفلسطينية أو المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه، فإن كل ما تقوم به تركيا حالياً أو غيرها بالنسبة للمسار السوري إنما هو محل تأييد من جانبنا وليس لدينا أي تحفظ عليه". إلى ذلك شكك المصري في قدرة أولمرت على اتخاذ قرار حاسم بالانسحاب من الجولان. وقال:" حتى لو جرت مفاوضات في ظل هذه الحكومة، فإن الانسحاب لن يتحقق ونحن نرى انها لا تستطيع إزالة حواجز او بؤر استيطانية هي في العرف الإسرائيلي غير قانونية. وقال: لهذا فهو يفضل المسار الفلسطيني الذي يتيح له تحقيق إنجاز لنفسه، والوصول الى اتفاق دون دفع ثمن لذلك في القضايا المركزية. اتفاق غامض يسمح باستمرار المفاوضات ويوحي بتحقيق إنجاز ما. وحول الأسباب التي دفعت دمشق لكشف رسالة أولمرت، رأى المصري أن السوريين سعوا الى قطع الطريق أمام أوسلو 2، كما أرادوا التأكيد على أنهم طرف في عملية السلام بما يساعدهم على اختراق الحصار المفروض عليهم. ويواجه المسار التفاوضي الفلسطيني - الإسرائيلي عقبات كبيرة تتمثل باستمرار الاستيطان، والفهم الإسرائيلي للتسوية الممكنة، وحدود الدولة الفلسطينية وطبيعتها، ونوع الاتفاق المنشود، وهو ما جعل الرئيس عباس يعبر عن خشيته من استحاله الوصول الى اتفاق سلام قبل نهاية العام 2008. النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، محمد بركة، رأى أن الدخول في مفاوضات جدية مع سورية مرهون بضوء أخضر أميركي، وهو ما لم يحصل حتى الآن. وأضاف: هم يريدون من سورية أن تقوم بدور أميركي في لبنان والعراق، وأن تحكم علاقاتها بإيران وفق أجندتهم، وهذا ما هو غير ممكن حسبما نعرف ونقرأ في الموقف السوري الرسمي". وأوضح قائلاً: ثمن السلام مع سورية غير قابل للتفاوض وكل الأطياف في إسرائيل تدرك أن السلام مع سورية ثمنه الانسحاب من الجولان. لكن إسرائيل وأميركا تريدان أن يقبضا من سورية ثمناً لأرضها، وهو لعب دور في لبنان، والعراق، والمنطقة. ويتحدث أولمرت عن مفاوضات من نقطة الصفر. أما دمشق، فتصر على أن استئناف المفاوضات مع إسرائيل يجب أن يكون من النقطة التي انتهت إليها في السابق، وعلى أساس ما يطلق عليها "وديعة رابين" التي تعهد فيها للأميركيين بالانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان. وهو ما تنكره إسرائيل. كما لفت بركة الى الوضع الداخلي في إسرائيل وعجز أولمرت عن الابقاء على ائتلافه الحكومي، إذا ما قرر الذهاب في طريق السلام مع سورية . فهناك بعض المركبات في حكومته وبعض الشخصيات في حزبه " كاديما" ستضع العصي في العجلات. "الرجل غير جدي وغير قادر فيما لو كان جدياً". عضو الكنيست الإسرائيلي، عن حزب العمل أفرايم سنيه، استبعد توصل إسرائيل إلى اتفاق سلام مع سورية. وقال : "أشك، إلى حد كبير، في احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية، فالفجوة في مواقف الجانبين كبيرة جداً لا يمكن تضييقها". اما زئيف ألكين من "كاديما" فاعتبر: أن أولمرت يستخف بالجمهور الإسرائيلي وبالمجتمع الدولي من خلال إطلاق بالونات اختبار، وإطلاق تعهدات ليس لها غطاء. وسيتضح قريباً أن خطوة رئيس الوزراء لا تحظى بتأييد في الكنيست، ولا داخل حزبه". أما عضو الكنيست عن حزب الليكود، يوفال شتاينتس، فقد رأى في استعداد أولمرت للانسحاب من هضبة الجولان تعبيراً عن عبثية سياسية وأمنية غير مسبوقة. "لن تتمكن إسرائيل بدون الجولان أن تدافع عن وجودها والحفاظ على بحيرة طبريا ومصادر المياه". وقال عضو الكنيست من حزب "المفدال" إيفي إيتام إن أولمرت يتنازل عن أمن إسرائيل. وفي محاولة يائسة لعرض إنجاز سياسي للناخبين هو على استعداد للتنازل عن مكتسبات أمنية ووطنية. بالمقابل دعا عضو الكنيست يوسي بيلين رئيس حكومته الى اغتنام الفرصة السانحة حالياً، وإجراء مفاوضات مكثفة وسريعة مع سورية. وقال إن تحقيق السلام مع دمشق سيؤدي الى تغير دراماتيكي في علاقتها مع الجهات المتطرفة في المنطقة". وقد عقب مكتب أولمرت على تسريب فحوى رسالته الى الأسد بالقول: "نحن نعرف ماذا يريد السوريون منا، وهم يعرفون ماذا نريد منهم. وكان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، قام السبت بزيارة الى دمشق في إطار وساطة يقوم بها بين السوريين والإسرائيليين. ولفت أردوغان قبيل إقلاع طائرته من مطار أنقرة الى احتمال تحقق لقاء قريب بين قيادات كل من سورية وإسرائيل. وأضاف أن العادة المتبعة تكون بإجراء مباحثات بين المسؤولين، وتتمخض عن لقاء الزعماء في حالة حصول تقدم ملحوظ. وبدورها رجحت صحيفة " معاريف" الإسرائيلية الأحد الماضي أن يقبل أولمرت بلقاء الرئيس السوري في حال نجح الوسيط التركي في اقناع الأسد بهذه الخطوة. ويرى المحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية، علي الجرباوي، أن أولمرت بحاجة لأي إنجاز على صعيد التسوية السياسية، يمكن أن يساعده في حال إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل لا سيما ان ائتلافه يواجه مصاعب عديدة، وبخاصة مع منافسه الأبرز زعيم حزب العمل وزير الأمن أيهود باراك. واعتبر الجرباوي، أن تمرير تسوية مع سورية داخل المجتمع الإسرائيلي أسهل من التسوية على المسار الفلسطيني وما يتطلبه ذلك من انسحاب من الضفة الغربية. إذا كانت المفاضلة بين الضفة والجولان، فالإسرائيليون قد يقبلون بتسوية في الجولان يتم من خلالها معالجة موضوع الأمن، والمياه. ورأى الجرباوي في التناقض الحاصل بين الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على سورية وبين وجود اتصالات سرية بين دمشق وتل أبيب منذ نحو عام، بأن ذلك نوع من تقاسم الأدوار بحيث تضيق واشنطن على دمشق، وبالمقابل تفتح إسرائيل أمامها ثغرة للتسوية من أجل التمسك بها، في مسعى لإخراج سورية مما يسمى " محور الشر" وتعزيز الدور الإسرائيلي في المنطقة. |
|
|||||||||||||