العدد 24 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير مهندس ضل الطريق إلى السياسة، غير أنه اكتشف بعد رحلة حياة أن الندم لا يعتريه، حين صار سياسياً يستحيل عليه أن يكون شيئاً آخر. خصلتان ترسمان ملامحه: حساسيته الشديدة، وتأثره بالناس، وأمانته لمهنيته على حساب أية علائق أخرى. خصومه ومنتقدوه يرونه «يستحق أقل مما حاز من مناصب حكومية»، ويتهمونه بالافتقاد لمهارات أساسية لرجل دولة»، فيما يرى مقربون منه، أن «حسّاده ومتصيدوه الكثر، أسهموا في عرقلة تقدمه». ويصفونه بأنه «ذكي، وحافظ درسه، وقدير في إدارة الاجتماعات». ..على الرحلة الأخيرة إلى نيويورك على متن مركب يشق عباب الأطلسي، يذكر الولد الذي يخطو إلى الصبا، والده رئيس وزراء الأردن الأسبق، وذا المنهج الفكري الديمقراطي، فوزي الملقي، الذي اصطحب العائلة في رحلة علاج من مرض لم يلبث أن سرقه منها. «كان يعرف أن نهايته دنت، وأبقى السر في نفسه، مبدياً حرصه على أن تكون تلك الرحلة واحدة من أوقات العائلة السعيدة، رغم الألم الذي يعتصر شغاف قلبه»، يعقّب هاني الملقي بتأثر، ويردف «أثر بي الموقف كثيراً، منه تعلّمت الإيثار والتضحية من أجل الآخرين والأهداف النبيلة». ولد هاني الملقي العام 1951 وأمضى طفولته ما بين عمان، ورام الله، لكن وفاة الوالد العام 1961 عن «48» عاماً، دفع العائلة للرحيل الى مصر، حيث عمل الوالد سفيراً للمملكة وعاش مع المصريين ظروف حرب 1956. وهناك التحق هاني بمدرسة الزمالك التجريبية. لم تلبث العائلة أن انتقلت إلى الإسكندرية، حيث شواطئ المتوسط والمكتبة التي ذاع صيتها، وكلية فيكتوريا التي حذا هاني بالدراسة فيها حذو الملك الراحل الحسين، وثلة من الأردنيين أبرزهم: الأمير الراحل زيد بن شاكر، وزيد الرفاعي، وحازم نسيبه، وآخرون. إبان دراسته في «فيكتوريا» اجتاحته هزيمة 1967، بعد أن تبخرت أمنيات النصر التي كانت موضع حوارات دارت بين هاني ووالدته، أعدا خلالها لرحلة العودة عبر سيناء وغزة وحيفا، ويافا، والضفة الغربية وصولاً الى عمان «التي تظل في القلب»، قبل أن ينكشف الحلم عن هزيمة جثمت كهم ثقيل على الأفئدة والشوارع والبلاجات الخالية من المتنزهين. هزيمة 67 كانت بدايات وعيه السياسي، وتعلم منها الدرس الأهم وهو: «أن السياسة لا تحكم بالنتائج وإنما تحكم غالباً في نظرة المجتمع لها، هي ليست حقائق، لكنها تعتمد على كيفية تلقي المتلقين لها، والصح والخطأ في السياسة ليسا مطلقين، فاذا رأى المتلقي الخطأ صحاً فهو صح». عاش في مصر مرحلة وفاة جمال عبد الناصر، وعام الحسم 1971، وحرب 1973 التي «حطمت فيها القوات المصرية الباسلة خط بارليف وجعلتنا نعيش فرحة الانتصار». في السنة التي تلت حصل على البكالوريوس في هندسة الإنتاج من جامعة القاهرة بإمتياز. عاد العام 1974 الى الوطن، وبعد فترة عمل قصيرة في وزارة الأشغال العامة انتقل إلى الجمعية العلمية الملكية مهندساً في برنامج الطاقة الشمسية. بعد عام ونصف العام سافر الى الولايات المتحدة في بعثة عن طريق جامعة اليرموك، وحصل على الماجستير والدكتوراه في زمن قياسي، وكانت أطروحته عن مولدات الطاقة الشمسية. في أميركا تعرف إلى زميلة له، وحين أنهى دراسته اقترن بها، وعادا معاً الى الأردن لينشئا عائلة تضم ثلاثة أبناء أكبرهم فوزي. ما بين أعوام 1981 - 1987 أنشأ قسم الطاقة الشمسية في الجمعية العلمية الذي صار دائرة الطاقة المتجددة. وفي الجمعية تعرف إلى الأمير الحسن، رئيس مجلس أمناء الجمعية. وعد هاني منذ ذلك الحين من المقربين لمكتب ولي العهد آنذاك.في العام 1989 تولى رئاسة الجمعية بطلب من الأمير الحسن، وجمع الى جانبها الأمانة العامة للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا. لعب الملقي دوراً مهماً، ومسانداً في مفاوضات السلام مع إسرائيل، فكان يسافر إلى واشنطن ويحلل التقارير التي يعدها الوفد المفاوض لعرضها على الملك الحسين. ثم كلفه الملك الراحل بأن يرأس الوفد الأردني في مفاوضات الاتفاقيات التفصيلية بين الأردن واسرائيل التي شملت 14 اتفاقية. لا ينسى الملقى الإشادة بالدور الذي لعبه عضو الوفد،رئيس الديوان الملكي حالياً، باسم عوض الله في التوصل لتلك الاتفاقيات «لأن الفضل يجب أن ينسب إلى أهله» بحسب ما يقول. العام 1997 عيّن وزيراً للصناعة والتجارة والتموين، في حكومة عبد السلام المجالي، وعمل على التحول إلى اقتصاد السوق وإلغاء وزارة التموين، والحاقها بالصناعة والتجارة، ووقف بحزم ضد دعوات تصفية المؤسسة الاستهلاكية المدنية التي يعتبرها الضابط الحقيقي للأسعار. عند تشكيل حكومة فايز الطراونة 1998 عهد اليه تولي وزارة المياه والري، وزاد الطراونة عليها بأن اسند اليه حقيبة الطاقة قبل حلف اليمين بساعات. حال مرض والدته دون إكمال مشواره في المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا فاستقال وسافر معها الى الولايات المتحدة، وبقي اربعة شهور الى جانبها طيلة فترة تلقيها للعلاج حتى استجاب الله لدعواتهما بشفائها. عين فور عودته سفيرا في القاهرة ومندوبا دائما للاردن في الجامعة العربية.ويروي مقرب منه أنه رفض عرض سفير في بروكسل وآخر في جنيف، مفضلاً القاهرة التي يحرص الملك عبد الله الثاني على زيارتها كما هو الحال بالنسبة لعواصم: لندن، واشنطن، والرياض، كي يكون قادراً على خدمة بلده أكثر. صار وزيرا للخارجية في حكومة فيصل الفايز حيث انهى خدمات 14 سفيرا، فيما اطلق عليه «مجزرة السفراء» لأنهم، وفق رأيه «لا يعملون ولا يخدمون الاردن، و»الخارجية» من وجهة نظره مثلها مثل القوات المسلحة تحارب من أجل تحقيق اهداف الأردن إنما بالطرق الدبلوماسية». فيما تجادل شخصية سياسية «بأن بعض هؤلاء السفراء كانوا جيدين وأن الملقي تسرع بإنهاء خدماتهم». في مؤتمر قمة الجزائر تفجرت قصة «المبادرة الأردنية» التي تناقلتها وسائل الإعلام، يشرح الملقي قائلاً: «لم تكن هناك مبادرة ولا ما يحزنون، لقد ضخم الموضوع، لأسباب عديدة، منها أن هناك من كان يترصدني، ولم أكن أرغب بالرد، لكن رئيس الوزراء طلب مني أن أرد». فيما يقول مناؤوه أن «الملقي كتب مبادرة بخط يده وحملها الى قمة الجزائر وفي ذهنه أن المبادرة ستسرع بترؤسه حكومة مقبلة». غير أن الملقي يتمسك بنفي ذلك، مؤكداً أن ما كتبه بخط يده تأكيد على مبادرة بيروت للسلام، وقد اعتمد في قمة الرياض حرفياً، وبأنه جندي حيثما أراده جلالة الملك يكون». تلقف خصومه تلك القضية وبدأوا تردادها «أصعب ما في القصة عندما بدأت بعض الأقلام في صحافتنا تكتب ضدي بايعازات لا أعرف من أين أتت، وكان الهدف أن أرحل، وأنا أقول لهم إنه إذا لم يستمر هاني الملقي، فإن أمثال هاني الملقي الذين يحبون الأردن سيستمرون». ويعز عليه أن رئيس تحرير «الأهرام» إبراهيم نافع كتب حينها: ليت لدينا وزير خارجية مثل: الملقي. كما عقد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مؤتمراً صحفياً شرح به ملابسات الموضوع ودافع عن الملقي، في حين أن الهجوم كان مستمراً عليه في بلده. بعد خروجه من الحكومة عين في مجلس الأعيان السابق، وحين صدرت تشكيلة «الأعيان» الحالية لم يكن الملقي ضمنها. وتسرد الشخصية السياسية «أنها المرة الأولى التي يعود فيها سفيراً الى العاصمة نفسها لفترتين متتاليتين تخللهما انقطاع قصير». فكر حين خلا لفترة من المسؤوليات الحكومية أن يعود لدراسة الهندسة، لكنه سرعان ما اكتشف أن التغيرات التي طرأت عليها، وربما عليه، جعلت المسافة بينهما إلى امتداد. فالسياسي في النهاية استحوذ على جوارحه. ولا يرى نفسه إلا سياسياً في الأردن، وباسم الأردن. فقد رفض عروض عمل كـ«مستشار» في دول أخرى. الآن و«أبو فوزي» يشد الرجال الى قاهرة المعز سفيراً لمرة ثانية، لا يعتريه ندم على ما فات، ويعلو الإشراق وجهه حين يتذكر أنه سيطالع بناظريه الأهرامات تعانق في المدى البعيد جبال عمان. |
|
|||||||||||||