العدد 24 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: باميلا جي ستامبو* "مصر الأنثى: القومية والجنوسة والسياسة"، كتاب ممتع، ورغم أن الكاتبة تعترف بحق بفضل فكرة بنديكت أندرسون حول القومية بوصفها "مجتمعاً تخيلياً"، فإن بارون تجيب من خلال بحثها عن سؤال حاسم حول تكون المجتمعات القومية التي تتجاوز صياغات أندرسون. ويجادل أندرسون وآخرون بأن الإعلام المكتوب يعبئ الأمم عبر خلق شعور بالمجتمعية بين الغرباء. فكيف تتشكل الأمم (التي تميزها بارون عن الدول) في مناطق ترتفع فيها نسبة الأمية؟. بتركيزها على صور ترسم المشهد المصري، تستكشف بارون الكيفية التي أصبحت فيها الأمة المصرية تبدو في صورة امرأة بأشكالها المختلفة. ثم تضع هذا النقاش مقابل مشاركة النساء المتغيرة في الأمة المصرية الناشئة، وإقصائها عنها، من القرن التاسع عشر وحتى الأربعينيات. في القسم الأول، تحلل بارون صوراً وتشبيهات وقصائد وأناشيد كانت تمثل مصر على مدى عقود. وفي القسم الثاني، تناقش أنشطة أسماء من النخب النسوية القيادية اللواتي ساعدن في تشكيل المفهوم السياسي لمصر عن نفسها، بمن في ذلك صفية زغلول، وهدى شعراوي، وإستر فهمي، ويصا ومنيرة ثابت، وفاطمة اليوسف ولبيبة أحمد. ويلقي تركيز بارون على الصور والتشابيه العائلية والجنوسية بوصفها مفتاحاً لفهم "القوة العاطفية للقومية" الضوء على السبب الذي جعل القومية على هذه الدرجة من القوة السياسية.(ص 4) هذه "القوة العاطفية" كثيراً ما يتجاوزها المتخصصون في القومية، الذين يقصرون دراساتهم إما على القومية بوصفها عملية سياسية، أو بوصفها النتيجة النهائية للعملية السياسية (أي التحديث). إن كتاب بارون يحقق اختراقاً من خلال إمساكه بأحد جوانب القومية، التي تم التغاضي عنها حتى الآن. إن استخدام الصور - الصور القياسية والمتوقعة مثل: الصور الفوتوغرافية، ورسوم الكاريكاتير السياسي، وكذلك الصور الغامضة مثل: الطوابع البريدية – تلقي الضوء على تساؤلاتها الرئيسية: ما هي الروابط بين الصور الجنوسية لأمة ما وسياسة النساء القوميات؟ كيف تم استيعاب النساء في الذاكرة الجمعية، وأي أدوات تم استخدامها؟ ما هي العلاقة التفاعلية بين النساء بوصفهن رموزاً والنساء بوصفهن فاعليات سياسية؟ هل الاستيعاب أو الإقصاء في واحدة من هذه الساحات يؤثر في الاستيعاب أو الإقصاء في غيرها؟ كيف استخدمت النساء المصريات الرموز و الأحداث لصقل الذاكرة القومية؟. تبدأ بارون تحليلها بوصف حدث يوضح المفارقة الكامنة في سؤالها – إزاحة الستار عن تمثال نهضة مصر أمام محطة القطار الرئيسية في القاهرة في العام 1928. وعلى الرغم من أن التمثال يرسم مصر بوصفها أنثى، فإن النساء منعن من المشاركة في حفل إزاحة الستار. وعلى أي حال فإن قصة بارون أكثر تعقيداً من قصة رمزية مقترنة بإقصاء بسيط، وعليه، فإنها أكثر إثارة للاهتمام بكثير. ويظهر كتاب "مصر الأنثى" أيضاً أن الناشطات المصريات كن قادرات على الاستحواذ على التمثال لأغراضهن الخاصة بوصفه رمزاً لحقوق المرأة. وقد ساعدت الصور الأنثوية للأمة النساء عن طريق منح نساء مثل: صفية زغلول، الناشطة الشهيرة، القوة السياسية والسلطة الأخلاقية. استخدمت زغلول هذا الرمز لتقديم نفسها بوصفها شخصية رمزية: "أم المصريين". (الفصل 6). مع أن الناشطات المصريات استخدمن صوراً جنوسية للأمة، فإنهن لقين الأذى بسببها، فقد عززت هذه الصور الحدود الجنوسية، وبالنسبة للقسم الأكبر من التاريخ المصري، فإن "المرأة بوصفها رمزاً كان يعتقد بأنها أكثر أهمية من النساء بوصفهن فاعليات تاريخية." (ص 117) وباستخدام مصر بوصفها حالة للدراسة، تظهر بارون ببراعة كيف تستطيع الصور والرموز أن تحمل كثيراً من القوة السياسية ،وتعكس وتؤثر في اهتمامات الفاعليات اللواتي عادة ما ينسينها أو يتذكرنها أو يعدن تشكيلها لأغراضهن السياسية الخاصة. تقوم بارون بذلك في صورة جيدة في إطار نقاشها لـ"تظاهرات السيدات" الشهيرة في شهر آذار من العام 1919. فهي بحثت في الكيفية التي أعيد بها نشر الصور الشهيرة للاحتجاجات في صحف مختلفة، وبأشكال متعددة، وعدلت لتظهر بأشكال متباينة في كل مرة. وهي تصف كيف أن التعاليم التي أحاطت بالحدث كانت تروى مجدداً في صورة مختلفة على ألسنة الناشطين والناشطات، وكيف أعيد تخيلها لتتضمن جميع صنوف النساء. (في الواقع، لم تشارك في التظاهرات سوى نساء الطبقة العليا). وتستفيض بارون لتقدم عملاً ممتازاً حين تستكشف كيف أن صورة واحدة خاصة – مصر بوصفها أنثى – تم تخيلها ورسمها في الصور الفوتوغرافية ورسوم الكاريكاتير السياسي امرأة كبيرة وشابة، غنية وفقيرة، وعلمانية وإسلامية، وحقيقية ومتخيلة. و"بدلاً من نموذج واحد، ظهرت صور متعددة لمصر أو للأمة المصرية" (ص 216) وفي واقع الأمر، فإن تصوير بارون الدؤوب لصور وتمثلات الأمة المصرية – بوصفها مساعدة ومؤذية للمرأة (أحياناً في الوقت نفسه) ،هو الذي يجعل كتابها على هذه الدرجة من العمق. فهي تصف كيف أن الإنشاء التقليدي المحيط بالأسرة أعطى النساء قوة سياسية بوصفهن حارسات للميثاق الأخلاقي للأمة المصرية والمحافظات على الوضع الراهن المتسم بالمساواة: "كان الإنشاء العائلي سيفاً ذا حدين (بالنسبة للنساء). فقد أدان العنف وأوقف الانشقاق من أسفل...فضلاً عن ذلك، وعبر تعزيز فكرة التكريس للمنزل، فإنه في النهاية حد من إمكانيات النساء ورغم أنه عدل من نظام الجنوسة، فإنه لم يمثل تحدياً جدياً له." خيبة أملي الوحيدة كانت من أن بارون بدت أحياناً مترددة في استكشاف هذا التعقيد في صورة شاملة. فمثلاً، في الفصل الذي خصصته للناشطة الإسلامية، لبيبة أحمد، كانت بارون دقيقة في أفكارها بحيث استكشفت كيف أن السيدة أحمد استخدمت القوة بوصفها ناشطة وقائدة سياسية، وكانت ضحية النظام الاجتماعي الذي وضع النساء في موقع سلبي. أحياناً بدا أن بارون تتخذ موقفاً إيجابياً مبالغاً فيه تجاه إسهام أحمد في المجتمع المصري. ولكنها في معظم الفصول تركز على تواضع أحمد الشخصي وقيمها واهتمامها بالرفاه الاجتماعي و"التواضع النموذجي" (ص 211) من دون أن تذكر التضمينات التراتبية لرؤيتها الخاصة لما يجب أن تكون عليه "الأمة المصرية"، وفي نهاية الفصل فقط تشير بارون إلى أنه "فيما وفرت السياسة الإسلامية بعض الصور والنوافذ الجديدة للأنشطة النسائية، فإنها ضيقت، في نهاية الأمر، من خياراتهن وضيقت مشاركتهن السياسية... وبتركيزها على المكون الثقافي الإسلامي بوصفه مكوناً أساسياً للقومية، فإن السيدة أحمد حدت من إمكان إعادة صوغ العلاقات الاجتماعية على أسس أكثر عدالة." (ص 213). وفي محاولة لتلخيص مكتشفاتها، تقع بارون مرة أخرى ضحية تعميم لا يقبض على التعقيدات الرائعة لبحثها. فهي تكتب أنه، على الرغم من سلبياتها، فإن "النخبة النسوية المصرية تغلبت على قيودها ومضت في اتجاهات جديدة. وحين بدت ثقافة الرجال السياسية مشلولة بفعل التدخل البريطاني، والصعوبات التي يضعها القصر وصراعات الأحزاب، مضت النساء نحو معالجة المشاكل الاقتصادية الاجتماعية المثبطة.." (ص 220) ويجب الاعتراف بأن بارون تثير موضوع النشاط مركزة في صورة خاصة على حل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية، التي لا تمثل محور قصتها. إن الإيقاع المعمم لهذه الجملة، لا يتناسب والمقترب الدقيق لقصتها التاريخية. وهذه ليست سوى انتقادات بسيطة جداً، على أي حال، لتحليل خلاق وفريد وبناء حقا في اختياره لمصادره وأسلوب سرده. *أستاذ العلوم السياسية، جامعة واشنطن، سياتل |
|
|||||||||||||