العدد 24 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان
مئات الألوف من المستخدمين والعمال لا يجدون من يدافع عن حقوقهم في أجر وظروف عمل مناسبة، أو في مساعدتهم على مواجهة موجات ارتفاع الأسعار. الحكومة رفعت رواتب الموظفين في القطاع العام، إثر إقرار موازنة الدولة لسنة 2008، كجزء من شبكة الأمان الاجتماعي التي أقرت للتخفيف من وطأة تحرير أسعار المشتقات النفطية، واكتفت بمناشدة القطاع الخاص أن يحذو حذوها. الحركة النقابية العمالية كطرف رئيسي من أطراف الإنتاج والحوار الاجتماعي غابت عن مسرح الأحداث، رغم أن التحرك لرفع الحد الأدنى للأجور الذي "يلهث" وراء الارتفاعات المتتالية للأسعار، مهمة رئيسية من مهماتها. فالحد الأدنى للأجور، رفع إلى 110 دنانير في أيار/مايو 2006 إثر رفع أسعار المحروقات آنذاك، وبقي على حاله. تحرير أسعار المشتقات النفطية وتفاعلاتها، جمود الحد الأدنى للأجور عند أرقام 2006، انفلات الأسعار يقتضي تفعيل إطار الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج؛ الحكومة، العمال، وأرباب العمل. مشروع المجلس الاستشاري الاقتصادي والاجتماعي الذي صدر نظامه مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، وُجد أصلاً لمأسسة الحوار الاجتماعي وإضافة ممثلين عن المجتمع المدني. لكن الحكومة لم تحسم أمر تشكيل هذا المجلس، ما يعطل فرص تفعيل الحوار الاجتماعي في صياغة توافقات وطنية على جملة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد راهناً. فلسفة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بحسب المستشار العمالي السابق في وزارة العمل عبد الرحمن المجالي هي تقديم استشارات للسلطة التنفيذية في شان أي قرار أو تشريع معروض عليه بعد دراسة أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، في إطار التوافق بين أطراف الحوار الاجتماعي، خلافاً للنظرة الأحادية التي تعنى بالجدوى الاقتصادية للقرار والتشريع الاقتصادي، وبالجدوى الاجتماعية للقرار والتشريع الاجتماعي. واحدة من المشاكل البارزة التي تواجه الحركة النقابية العمالية تتمثل في استمرار التدخلات الأمنية في شؤونها الداخلية لمقاومة انخراطها في الشأن السياسي العام، وتأمين الاستقرار لمصالح أرباب العمل. وما لا تنجح التدخلات في إنجازه، يكون له قانون العمل بالمرصاد. الحركة النقابية تواجه مشاكل في التشريع تربك عملها و تضعف قدرتها التفاوضية وتصادر استقلاليتها وبعضاَ من الحريات النقابية الأساسية. ويأتي في مقدمة ذلك البنود ذات الصلة بـ : الفصل التعسفي، القيود على حق الإضراب وعلى المفاوضة الجماعية، غياب المساواة في الأجور للأعمال ذاتها بين المرأة والرجل، والحد من حرية واستقلالية النقابات العمالية. السلطتان التنفيذية والتشريعية تتحملان مسؤولية رئيسية في إدارة الظهر لمتطلبات الإصلاح النقابي الذي من شأنه أن يخدم مطالب العمال في الحرية النقابية وكرامة العيش،و كذلك في زيادة الإنتاجية، تحسين بيئة العمل، وتشجيع الاستثمار. فالمشاكل حين لا تعالج تتراكم وتنفجر، لذا أصبحت ظروف العمالة الوافدة في المناطق الصناعية المؤهلة، مثلها مثل العاملات الآسيويات في البيوت تحت الضوء على نطاق إقليمي ودولي. وهذا كله خسارة صافية لسمعة ومصالح الأردن. النقابات العمالية المستقلة واحدة من أهم مقومات الأمن الاجتماعي والاستقرار لأنها أدوات ضبط اجتماعي حتى حين تضطر إلى تنظيم اعتصامات أو إضرابات، لأن الأخيرة من أبرز الحقوق النقابية التي تكفله المواثيق والاتفاقيات الدولية. وإذا ما استمر تجاهل الحقوق والحريات النقابية الأساسية، فإن الانخراط المتزايد في العولمة الاقتصادية دون الالتزام بما تفرضه من معايير واتفاقات دولية، سيزيد من المشاكل التي تواجه البلاد داخلياً وخارجياً. الأردن ما زال مطالباً بالالتزام والتصديق على الاتفاقية الدولية رقم 87 ذات الصلة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، وهي واحدة من منظومة اتفاقيات دولية ملزمة تتناول الحرية النقابية، حق المفاوضة الجماعية، القضاء على العمل الإلزامي وعلى عمالة الأطفال والتمييز في الاستخدام والمهنة. التعديلات التي اقترحت مؤسسة الضمان الاجتماعي إدخالها على قانونها، تكشف في جانب منها غياب الحركة النقابية العمالية عن ممارسة مسؤولياتها في الرقابة الفعلية على مدخرات الأجيال القادمة من العمال والمستخدمين، فلم تكتشف "المداخل" التي كان بعض كبار رجال الأعمال يستنزفون من خلالها أموال الضمان، مستغلين "حرفية القانون"، برغم أن مندوبي اتحاد نقابات العمال ممثلون في مجلس إدارة المؤسسة. في الأول من أيار، عيد العمال العالمي، تنظم الحركات النقابية العمالية في معظم دول العالم مسيرات جماهيرية ترفع فيها مطالبها وشعاراتها، أما الاتحاد العام، فيكتفي في هذه المناسبة بعقد مهرجان يغلب عليه الطابع الرسمي. هذا التقليد الذي أقر للمرة الأولى في الأول من أيار 1971، بقي على حاله، ولم تسع الحركة النقابية لتحويل عيد العمال إلى احتفال شعبي، ومناسبة لتعميق الحوار الاجتماعي حول المطالب العمالية. عضوية الاتحاد العام لنقابات العمال تراجعت في السنوات الأخيرة إلى حوالي 43 ألف عامل بحسب أرقام عام 2006، وهو ما يعادل الرقم الذي كانت علية الحركة النقابية قبل 30 عاماً. هذا يعكس درجة تراجع تمثيل الاتحاد العام للعمال. الباحث في الشؤون العمالية ومدير مركز الفنيق للدراسات أحمد عوض، يقول "إن القوى العاملة التي تعمل في القطاع الخاص يبلغ عددها نحو 900 ألف، وإن النقابات العمالية لا تمثل حالياً أكثر من 7.5 بالمئة منهم" . يرى عوض أن "تمثيل الاتحاد العام للطبقة العاملة ضعيف أيضاً من الزاوية الأدائية، حيث يغلب على مطالباتهم بتحسين الظروف المعيشية للعمال طابع المناشدات بين حين وآخر". جماهير العمال تكتوي بنار الغلاء، و"النخبةالعمالية الرسمية" تبخل على القواعد العمالية حتى بموقف لفظي "عن عذر التقصير" أو لحفظ ماء الوجه. وإذا تحدثت تلك "النخبة" عن القضايا العامة فهي "حكومية" أكثر من الحكومة. تراجعت كفاحية الاتحاد بسبب تآكل القوى النقابية التقدمية والمستقلة. تاريخياً شكل النشاط الحزبي إحدى أهم روافع النشاط النقابي وفاعليته. ومع تدهور نفوذ القوى اليسارية في الحياة السياسية، انحسرت فعالية الحركة النقابية، لا سيما في الحياة العامة والشأن السياسي الوطني العام. تتفاوت النقابات العمالية في مستوى فعاليتها فيما يخص الدفاع عن مصالح أعضائها. فهناك عدد كبير من النقابات الصورية، بغير قواعد نقابية تذكر، وتديم قيادتها حضورها على رأس النقابات بانتخابات شكلية تحت عنوان "التزكية" التي باتت تشمل نقابات لديها جمهور وحضور. عدد محدود من النقابات ممن يعمل بشكل خاص في مؤسسات كبيرة، يحافظ على قدر معقول من الفعالية، مثل نقابات الكهرباء، المناجم والتعدين، البترول والكيماويات، البناء، النقل الجوي والسياحة، المصارف، الغزل والنسيج. وبشكل عام، النقابات الأكثر نشاطية هي التي تشكل هيئاتها القيادية بالانتخاب. تتألف الحركة النقابية العمالية من الاتحاد العام لنقابات العمال الذي ينضوي تحت لوائه 17 نقابة عمالية، ويفترض أن يكون ممثلاًُ لجميع العاملين بأجر في القطاع الخاص ومدافعاً عن حقوقهم، لا سيما في ظل القيود المفروضة على الحريات النقابية الأساسية البنية التنظيمية للنقابات العمالية لا تتطابق مع البنية الفعلية للقوى العاملة مقابل أجر في القطاع الخاص. ناهيك أنها لم تتأثر بالتطورات التي شهدها الاقتصاد الأردني في العقود الثلاثة الأخيرة على صعيد ولادة صناعات وقطاعات إنتاجية وخدمية جديدة. تأسس الاتحاد العام لنقابات العمال عام 1954 بمبادرة من ست نقابات عمالية. منذ ذلك الحين تعرضت الحركة النقابية إلى تقلبات جمة، صعوداً وهبوطاً، سواء في عدد النقابات القائمة أو في حجم عضويتها، ولم تستقر أوضاعها إلا في عام 1976، إذ لجأت الحكومة إلى تعديل قانون العمل السابق بما أتاح لها حق تصنيف المهن والحرف والصناعات التي يحق لعمالها إنشاء نقابات عمالية، وإعادة هيكلة الحركة النقابية لتقتصر على 17 نقابة. الوضع الراهن للاتحاد العام لنقابات العمال عبء على البلاد والعباد، ولا بديل عن ضرورة إصلاح الاتحاد بدمقرطة أوضاعه والتشريعات الناظمة لعمله. هذه مهمة مشتركة للحركة النقابية العمالية ومعها مؤسسات المجتمع المدني، ولكل من الحكومة ومجلس الأمة اللذين يتحكمان بمقاليد التشريع. |
|
|||||||||||||