العدد 23 - أردني | ||||||||||||||
جمانة غنيمات، وصلاح حزين
يفتح التكتم الأولي الذي تعاملت به الحكومة مع توقيع صفقة بيع ميناء العقبة لشركة المعبر الإماراتية وإنهاء اتفاقية لإنشاء كازينو على شاطئ البحر الميت مع مستثمر لم تكشف رسمياً هويته لغاية الآن، الباب واسعاً لبحث مسألة غياب الشفافية، وعدم الإفصاح الذي تتعاطى به الحكومات مع ملفات تهم وتؤثر في مستقبل البلد. الإهمال المقصود أو غير المقصود من السلطات التنفيذية للإعلان عن خططها أو حتى أفكارها يوفر بيئة خصبة لانتشار الشائعات المختلفة، تدعمها أزمة ثقة اتسعت بين المواطنين والحكومات المتعاقبة على مدى عقود نتيجة إسقاط السلطة التنفيذية من حساباتها أهمية الرأي العام في مثل هذا النوع من القرارات. الشائعات الأكثر تداولاً في البلاد اليوم هي البيع؛ بيع الأصول، والمؤسسات، والمرافق الوطنية، والمباني العامة، لا سيما تلك المباني التي تحظى بقيمة رمزية عالية: المدينة الطبية، والقيادة العامة للجيش العربي، والمخابرات العامة، ومدينة الحسين للشباب، والجامعة الأردنية. الأصول التي يدور الحديث عنها هي إرث تعاقبت عليه الأجيال، وساهمت في بنائه منذ تأسيس الدولة الأردنية عام 1921، إذ أسست الظروف الموضوعية آنذاك وغياب الموارد والاعتماد على المعونة المالية المرتبطة بسياسة الانتداب لدولة شديدة التدخل في الاقتصاد الوطني على الرغم من بنيتها الرأسمالية. خلال العقود السبعة الماضية حرصت الدولة ورجالاتها على المحافظة على الأصول والتوسع في إنشائها، ولم تخضع الأصول والممتلكات العامة لقوانين السوق لأسباب يربطها أكاديميون بالأيديولوجيا، والمحافظة على هيبة الدولة. تدفق المساعدات المالية الخارجية العربية والأجنبية في عهدي الملك عبدالله الأول، والملك الحسين بن طلال، فسح للدولة فرصة التركيز على السياسة الخارجية أكثر من الاقتصاد. النقلة الكبيرة في إدارة الدولة ظهرت منذ بدء الألفية الجديدة، إذ شكل الاقتصاد الركن الأساسي لنشاط الدولة، وبدا الاقتصاد يتحول تدريجياً أكثر فأكثر إلى الاقتصاد الحر، ويخضع «كل شيء» لقانون السوق القائم على العرض والطلب. بحسب الشائعات المواقع السابقة «مباعة» أو معروضة للبيع، وتنتظر السعر المناسب، والمشتري دائماً شركات عربية أو أجنبية، لا فرق، فقانون تشجيع الاستثمار لم يعد يضع فواصل بين الاثنين. افتقاد الشفافية يخلق مناخاً مثالياً لانتشار الإشاعات، ويساهم في نشر ثقافة التشكيك، ويضع الحكومات في موضع الاتهام وعدم الثقة من جانب المواطن والمستعد لتصديق الإشاعات، وترديدها، ونشرها على أوسع نطاق ممكن، ما يؤثر في صدقية الحكومات. ترى شخصيات عامة أن غياب الشفافية يعود إلى حساسية ما يجري في البلاد؛ «البلاد تبيع أصولها»، يقول هؤلاء، «العرض والطلب هو المقياس.» وهذا «مؤشر خطير» يعني أن «الدولة تتخلى بالتدريج عن دورها كدولة مسؤولة عن حياة المواطن وأمنه وقوته»، وهذا ما نشأ عليه الأردن وما ميز مسيرته طوال العقود التي مضت على تأسيسه، وما زال للدولة في بلد مثل الأردن دور كبير تلعبه، وعليها ألا تتردد في لعبه. الأسلوب الحكومي في التعاطي مع المسألة ينطوي على إخفاء حقيقة الموضوع وجوانب منه مما يعمق الفجوة، إذ نفت أكثر من مرة على لسان وزير الدولة لشؤون الاتصال والإعلام ناصر جودة الشائعات". يؤكد جودة أن "الحكومة لم تبرم صفقات لبيع لأي من المدينة الطبية، وقيادة الجيش الجديدة، والمدينة الرياضية وأي أرض أخرى". يدعو الوزير إلى "عدم الإصغاء للشائعات" مشدداً على أن الحكومة ستتعامل بمنتهى الشفافية بخصوص إبرام أي صفقة تتعلق بأصول البلد. لكن جودة لم يغلق ملف بيع الممتلكات بالمطلق، إذ أعلن خلال لقائه الأسبوعي بالصحفيين عن إنشاء شركة يقودها الضمان الاجتماعي بالشراكة مع بعض المؤسسات لاستقطاب العروض الاستثمارية لأي أصول وأراض تخضع للخصخصة أو البيع مع إعطاء الأولوية للمستثمرين المحليين، يليهم العرب ثم الأجانب. المؤكدون لعملية البيع يستشهدون بعمليات بيع لبعض هذه المرافق في الماضي، إذ بيعت معسكرات الجيش منذ زمن طويل نسبياً، وقيادة الجيش العربي في العبدلي قبل أعوام، ما يعني أن عملية البيع مرجحة من وجهة نظرهم. رئيس الوزراء، نادر الذهبي، في لقائه مع أربعة صحفيين في المطعم الإيطالي في فندق الحياة يقول: «ليس من المعقول أن نجلس على أراض قيمتها بالمليارات وبإمكاننا استغلالها بشكل أفضل» نافياً أن تكون «الحكومة اتخذت قرارات بهذا الشأن». في المقابل، هناك من يؤكدون أن عملية البيع غير واردة، وهم، حصرا، المسؤولون عن هذه المرافق، والذين ربما لا يعرف بعضهم أكثر مما يكتب في الصحافة، أو يعرفه تجار العقارات الذين يلاحقون رزقهم عبر تتبع إشارات هنا أو هناك ليستنتج منها أن أراضي في منطقة ما سوف تكون مقراً جديداً للمرفق بعد انتقاله، فيسارع إلى الشراء قربه طمعاً في تحقيق ربح سريع بعد الانتقال المفترض. إدارة عوائد بيع الأصول إجمالي قيم الأصول التي تسري الشائعات حولها يتراوح بين 4.5 -5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 11 مليار دينار، مما يفرض على صناع القرار مسؤولية حول أسلوب إدارة هذه الأموال. ما يسري من معلومات يدور حول تفكير حكومي باستخدام هذه المبالغ في شراء الدين لكن الخبير الاقتصادي، يوسف منصور، يقول: إن هذا الطرح يكتنفه كثير من السلبيات وتوقيته غير مناسب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن". منصور يؤكد أن الأردن ومشاريعه التي تبحث عن تمويل، وأبناءه الذين يبحثون عن فرص التوظيف أولى بهذه الأموال بدلاً من استخدامها لسداد الدين الذي استخدم أموال التخاصية". يضيف منصور، أن الحكومة ستلجأ مرة أخرى للاقتراض مما يؤدي إلى تراكم المديونية مرة أخرى، إذ إن خطورة المرحلة،"تجعل الأردنيين أولى بهذه الأموال". أما الخبير الاقتصادي، عماد الحمود، فيرفض فكرة "البيع من تحت الطاولة"، ويطالب بتخصيص حصة من المشاريع المزمع إنشاؤها على هذه الأراضي للأردنيين". الحمود، يرى أن عمليات بيع أصول الدولة بالعادة لا تخضع للشفافية، إذ إن العمل وفق أسس صحيحة تقوم على الحاكمية الرشيدة يحتاج إلى توجيه الدعوات للشركات العالمية للمشاركة فيها وفق أسس تنافسية صحية، واستدراج عروض بخصوصها لضمان الشفافية والنزاهة. يضرب الحمود مثلاً على ذلك بالقول "موقع العبدلي بيع منذ سنوات لغاية الآن ولم يعرف لماذا تم البيع؟ ولم تصدر توضيحات رسمية بهذا الخصوص. لكنه، يؤكد أن الحالة تعكس غياب التخطيط "الاستراتيجي" عن العمل الحكومي وضعفاً في فرض آليات الرقابة. يبرر الحمود التدفق الاستثماري الخليجي إلى المملكة بالسيولة الفائضة لدى هذه الدول نتيجة ارتفاع أسعار النفط التي قاربت سعر 120 دولاراً للبرميل، سهولة إجراءات الاستثمار برغم كل ما يقال، الموقع الاستراتيجي للمملكة وقربه الجغرافي من العراق، وتوفر الأيدي العاملة. مصادر متابعة تؤكد أن الحكومة باعت أرض القيادة العامة التي كلف بناؤها 300 مليون دينار، مع نفي أن تكون هناك صفقات عقدت لبيع المدينة الطبية حتى تاريخه. وتؤكد هذه المصادر أن الحديث يجري عن بيع مباني المدينة الطبية باستثناء مستشفى الأطفال. المصادر ذاتها تعلل بيع موقع القيادة العامة قبل أن يشغل بأنه" موقع غير ملائم أمنياً" كما نقل عن رئيس الوزراء. بحسب المصادر "الموقع يقع ضمن المناطق التجارية". يتوقع أن تصبح مكتظة لا سيما بعد بدء إنشاء أبنية بارتفاع 16 طابقاً. تحمل بعض هذه المرافق تاريخاً رمزياً كبيراً في مسيرة الوطن، مما يقضي الحفاظ عليها لما تمثله في الذاكرة الوطنية، إذ يصبح بيعها لدى أصحاب هذا الرأي، وهم كثر، تشويها لهذه الذاكرة. |
|
|||||||||||||