العدد 4 - بورتريه
 

عندما سئل الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل هل من ضمانات من الادارة الاميركية لنتائج ايجابية تلبي الحقوق الفلسطينية في مؤتمر انابوليس، اجاب: “ليس من ضمانات، الا ان لدينا تأكيدات ان هذه الايجابية كانت بمثابة تبرير للمشاركة العربية وبالتالي اضفاء مباركة عربية على الدعوة الاميركية”. ولكن اكتفاء الامين العام للجامعة بـ”التأكيدات”، يعني انه اراد خفض سقف التوقعات من اي التزام جدي من الادارة الاميركية، كقيام دولة فلسطينية ذات سيادة ناجزة.

و”الواقعية” العربية كما فهمتها من توصيف الامين العام، هي مزيج من ضرورة المشاركة، وبالتالي تلبية الدعوة الاميركية وحصر التوقعات في معاودة “مسيرة السلام” لمدة زمنية قد تكون اكثر اختصاراً. هذا التعريف لمتطلبات “الواقعية” العربية ازاء مقتضيات التعامل مع مؤتمر انابوليس، وبالتالي “رؤية الرئيس بوش”، جاء تصحيحاً لرد انفعالي في اليوم الاول من اجتماع الجامعة العربية لبت تلبية الدعوة الاميركية عندما سئل الامين العام هل المشاركة هي بمثابة تطبيع ثان لاسرائيل؟ وكان الجواب ان مبادرة القمتين العربيتين هي الدافع لتفعيل عناصرها بقدر المستطاع، وكأنه يعلن ان اي تطبيع يأتي بعد التنفيذ الكامل لبنود المبادرة العربية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل مضمون اجابة السيد عمرو موسى يندرج في اطار قراءته لتوافق عربي مستقيم؟ بمعنى آخر، هل هذا التقويم قابل للتصديق ازاء وجود دولتين عربيتين لهما علاقات “طيبة” مع اسرائيل، ووجود توجهات تطبيعية من دول اخرى؟

صحيح ان في الامكان الرد على ما يبدو لنا تناقضا، بما يفسر لنا معاهدتي الصلح بين مصر عام 1979 والاردن عام 1994 وقد شكلتا التزامات سبقت قرارات قمتي بيروت والرياض، كما ان هذا يفسر ان اجتماع القمة الثلاثية في شرم الشيخ بين العاهل الاردني عبدالله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك ثم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل الاجتماع الرسمي لوزراء خارجية الجامعة العربية شكل العامل الضاغط (او المقنع) لما شابه اقرار مشاركة جماعية في مؤتمر انابوليس.

اذا كانت الدول العربية والمتابعة المجاورة، اجمعت على الحضور، فدافعها هو مساندة السلطة الفلسطينية، وان تدرك اسرائيل ان هناك دعما مسبقا للمفاوض الفلسطيني. وبالتالي توحي المشاركة العربية أنها تريد ايصال رسالة الى اسرائيل أنها “لن تتمكن من الاستفراد بالسلطة الفلسطينية”. قد تكون هذه النية العربية، وهي تستجيب لرغبة سائدة تشير الى ان القضية الفلسطينية لا تزال في واقعها قضية قومية.

ولكن يبقى الاهم ان الدعم الحقيقي للمفاوض الفلسطيني هو اخراجه من كونه “متحدثا” مع الاسرائيلي وجعله مفاوضا. هذه نقطة مركزية، وعلى المجموعة العربية في انابوليس ان تدفع ادارة بوش الى تحقيقها. ماذا يعني تحويل “المتحدث الفلسطيني” مفاوضاً؟ هنا تكمن المشكلة التي طالما حولت اتفاقات اوسلو مصيدة – بل مهلكة – يعانيها الشعب الفلسطيني من اكثر من 15 عاما من التمرينات في العبث وانعدام المعادلة المطلوبة التي تحدد ثنائية الاحتلال – المقاومة. وهنا لا بد من التنويه بأن المقاومة تأخذ اشكالا متعددة، منها التفاوض، اضافة الى خيارات رافقت كل حركات التحرر في التاريخ المعاصر.

هنا تكمن المعضلة الرئيسية التي حالت دون ان يكون الفلسطيني مفاوضا على رغم انه يسمي نفسه كذلك.

والواقع ان اسرائيل لا تعترف – نعم لا تعترف – بأنها في الاراضي الفلسطينية سلطة محتلة. بمعنى آخر، لا تعترف بضرورة التزامها بنود اتفاقات جنيف الرابعة. كما ان اسرائيل تتصرف عمليا في الاراضي الفلسطينية المحتلة على انها سلطة مالكة، لكنها لا تعلن ذلك حتى تحتفظ بقدرة التنصل وتتجنب الضغوط الدولية وتصون ما تعتبره حقا لها في الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد حزيران 1967. ولذلك، فهي عندما تريد ان تبدي مرونة، تقول انها “مستعدة لتنازلات أليمة”.

ويستتبع هذا، ان المتحدث الفلسطيني لا يمكن ان يكون مفاوضا. فالمفاوضات تنطلق من اتفاق مسبق على النتيجة المتوخاة. وعندما تستقيم ثنائية الاحتلال – المقاومة عندئذ يصبح الفلسطيني مفاوضا على شروط ومراحل وآليات في موضوع انسحاب الاحتلال.

السؤال للعرب المشاركين في انابوليس: هل الادارة الاميركية ستدعو بموجب رؤية دولتين فلسطينية واسرائيلية الى تصحيح المعادلة التي تحول المتحدث مفاوضا؟ بمعنى آخر هل هي على استعداد لأن تنتزع اعترافا من اسرائيل بأنها موجودة في فلسطين المحتلة كوجود احتلالي؟ يبدو ان الامين العام للجامعة اخذ تطمينات في هذا الخصوص.

ان اصرارنا على استقامة المعادلة القانونية التي اقرتها القرارات الدولية وتم تعريفها بما لا يقبل التأويل والشك بمحكمة العدل الدولية عام 2004، غايته ان تكون “التأكيدات” التي اشار اليها السيد عمرو موسى قابلة أن تتحول ضمانات يبدو انها لم تتوافر بعد. نقول هذا اقتناعاً منا بأنه كان على العرب المشاركين أن تكون استيضاحتهم عن اهداف المؤتمر أكثر شفافية ووضوحاً، فلا نقع في متاهات كالتي أفرزتها اتفاقات أوسلو و”خريطة الطريق”.

كذلك، فان خطوة اشتراط اسرائيل الاعتراف بيهوديتها تشكل الضربة الاستباقية لحق العودة.

يبقى السؤال هل قرارات قمة الرياض وبيروت هي صيغة الحل، أم انها احدى المرجعيات؟ وما هي المرجعيات الاخرى؟ ما هو جواب الادارة الاميركية عن تساؤل الجامعة العربية حتى استبدلت “التأكيدات” بما كان يراد ان يكون “ضمانات”؟ التأكيدات الاميركية تعني ان الاداراة ستحاول، أما الضمانات فتعني التزاماً يطمئن العرب، وهذا غير متوافر! ما تسعى اليه ادارة بوش هو أن تكون أنابوليس فرصة لإنجاز ما، لكن أن يقول الامين العام للجامعة العربية ان ضعف بوش وأولمرت ومحمود عباس يجب ألا يكون عائقاً امام المشاركة لكونهم “مسؤولين”، فهذا منطق.

نشير الى دور الامين العام للجامعة لاننا واثقون بأنه قادر على اقناع الدولة المضيفة بضرورة ضبط المصطلحات المتداولة حتى لا نبقى نجترّ مسيرات دون جدوى، وحتى لا تبقى اسرائيل هي التي تملي اجندة المحادثات.

حبذا لو أبدى العرب المشاركون بعض التردد في قبول الدعوة، لكون التردد يشكل اسهاماً في تحويل التأكيدات ضمانات، وكان في استطاعة الامين العام للجامعة أن تكون اجابته أكثر تطميناً من مجرد تأكيدات اميركية غامضة بدلاً من ضمانات اميركية واضحة.

في كل الاحوال، نرجو أن تكون المشاركة العربية في أنابوليس مدخلاً يحرض العرب على المزيد من التنسيق والوعي لحقائق اسرائيلية غيّبها التطبيع.

التحدي يكمن في استرجاع الشعب الفلسطيني وحدته حتى تكون هذه الوحدة حاضنة مخزون من القدرات، مما يجعلها مساهمة في اختصار مراحل التحرير وخميرة لانضاج وحدة عربية كادت تتحول مستحيلاً، لكنها تبقى في وجداننا خميرة واعدة.

*عن النهار البيروتية

أنابوليس: تأكيدات أعطيت وضمانات غيبت – كلوفيس مقصود
 
29-Nov-2007
 
العدد 4