العدد 23 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي مخاطبة الملك عبدالله الثاني للشباب عبر طلبة جامعة اليرموك ليست جديدة في مضمونها .الجديد ما عبر عنه رأس البلد ،من ضيق إزاء ضعف إقبال الأجيال الصاعدة على الاهتمام بالشأن العام والانخراط في الأحزاب، وحث الأجيال على ممارسة حقوقهم.في ذلك نقد واضح لما آلت اليه السياسات الحكومية والثقافة السائدة. اختيار جامعة اليرموك ليس بغير دلالة .ففي عام 1986 ثارت احتجاجات طلابية على رفع الرسوم .القوى الطلابية المسيسة قادت احتجاجات ووجهت بتشدد مفرط وبفصل طلبة ومدرسين.الأجيال الجديدة من الطلبة تستبطن تلك الواقعة.من المهم التطهر بإشاعة واقع جديد لا محل فيه للخوف والتخويف. فئة الشبان تشكل ثلثي مجموع المواطنين ،وهذه ليست مجرد فئة عمرية، بل هي طاقة وطنية هائلة ومورد بشري حيوي في التنمية واستقرار "الهندسة" الاجتماعية .منذ تقلد الملك سلطاته الدستورية ، جرى التركيز في الخطابات الملكية وكأولويات وطنية ،على القطاع الشبابي وعلى تمكين النساء ،مع ما بينهما من تداخل (النساء الشابات). السلطة التنفيذية فعلت القليل، لإدماج الشبان في الحياة العامة. كثير من هؤلاء منذورون لاجتذاب جماعات التطرف لهم ، او الانجراف في التهتك أو تجرع ويلات البطالة أو السعي للهجرة. مضت عقود على انشاء وزارة الشباب والرياضة، التي آلت بعدئذ الى "المجلس الأعلى للشباب". لقد تم الاعتناء بتنظيم رحلات ومعسكرات وإقامة أنشطة رياضية واجتماعية، ولكن مع "تعقيم" الشبان ضد الانشغال بالشأن العام، وضد السياسة عموماً باعتبار ذلك مجلبة لوجع الرأس وتضييعاً للوقت بلا طائل .في أثناء ذلك ازدهرت ظاهرة شغب الملاعب، وتفشى العنف في الجامعات فضلاَ عن الحوادث الجنائية التي يرتكبها شبان.. وذلك جنباً الى جنب مع عودة الحياة الديمقراطية ،ومع الطموحات المعلنة لتفعيل المشاركة السياسية الواسعة وبناء دولة الحق والقانون. على أمد طويل اعتبرت المؤاخذات على هذه الازدواجية بأنها من قبيل الشغب السياسي، والسعي لتشويه صورة البلد وتحريض منظمات دولية علينا. وكأنما هذه الازدواجية تحمل بذاتها ووحدها، الخير العميم للأردن والأردنيين. من المصادفات الدالة أن خطاب الملك في تحفيزه للشباب ودعوتهم لنفض الخوف عنهم، تواقت مع الإعلان عن مباراة بطولة بين الفيصلي والوحدات ولكن دون جمهورهذه المرة. معلوم أن جمهور مباريات كرة القدم يتكون في أغلبيته الساحقة من الشبان و.. الأكثر شباباً! لقد انتهت المعالجة المقتصرة على الجانب الأمني لمشكلات الشباب، الى إقامة مباريات بلا جمهور. وهو سبق سوف يلفت الانظار إلينا.بدلاً من وضع محفزات للجيل الشاب كي ينخرط في العمل السياسي كعمل وطني راقٍ، ويتثتقف بمبادىء الوحدة الوطنية والتعددية الاجتماعية والسياسية والثقافية، فقد جرى تسليمه للفراغ الفكري، فلما عبر عن هذا الفراغ وكما هو منتظر بشغب الملاعب المشين، جرى حرمانه من حضور مباريات رياضية مع تبرئة الفراغ والمتسببين به من أية تبعة. ازداد العنف في الجامعات خلال العقد الأخير وتناسب مع "منح" الطلبة نصف ديمقراطية وفرض وصاية على مجالسهم. ومن المثير أن يؤدي تكرار المشاجرات للتهديد بوقف إنتخابات مجالس الطلبة، فقد هدد رئيس الجامعة الأردنية د. خالد الكركي وهو من مناصري الحريات بذلك، اثر مشاجرة تزامنت مع الخطاب الملكي. وفي وقت أكد فيه الملك أن الطلبة هم الأقدر على حل مشكلاتهم بأنفسهم مما يتطلب حُكماً الحفاظ على أطرهم لناظمة لهم وتطويرها. أدى الفراغ ابتداء لتسيد الاتجاه الاسلامي دون سواه، ثم اكتشفت جموع من الطلبة أن الانشغال بالشان العام غير مفيد، فتمت العودة الى الانتماءات الأولية الجهوية والعائلية. ومع إشاعة التعصب باتت الطالبات مثل كائنات غريبة في الجامعات فتنشأ مواجهات بين طلبة بسبب علاقة زمالة بإحداهن، وبما أن الطالب ليس مجرد طالب بل سليل عشيرة وابن منطقة، فقد تم تصعيد "الخلافات" عبر اصطفافات فئوية تترك رواسبها، وتتحول الى إرث يتغذى منه الطلبة. بدل أن تؤدي الجامعات دورها كمركز إشعاع ومنارات حرية تتحول الى متلق وعاكس للاتجاهات الأكثر محافظة وتقليداً في المجتمع. تتشكل مجموعة طلابية تطلق على نفسها اسم "ذبحتونا" تسعى للحوار مع إدارة الجامعات حول الرسوم الجامعية، فيتم تصويرها كمنظمة محظورة.. تشكيل الأحزاب مسموح به، أما إنشاء جماعة طلابية فيواجه باشتراطات واعتراضات. ليس في ذلك من ازدواجية.. وإذا كانت هناك من ازدواجية فهي محببة! حددت الأجندة الوطنية في فصل قصير ومكثف عن "المدارس والجامعات والشباب"جملة إجراءات لرفع سوية الطلبة من قبيل" إعداد مناهج مدرسية وجامعية تعلم النشء مبادىء الدستور وتاريخ الدولة الاردنية ومرجعياتها الفكرية ونظامها الملكي الدستوري وكذلك قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ومفهوم المواطنة وحقوق المواطن وواجباته والوحدة الوطنية. والاهتمام بالمجـــالس الاتحــادات الطلابيــة والشبابيـــة وتعميــق الممارسة الديمقراطية في اوساطهاوتوجيه نشاطات الاندية الرياضية والملتقيات الثقافية لخدمة مفاهيم المشاركة والاندماج والوحدة الوطنية والتنمية وخدمة المجتمع". ليس من الإنصاف تجاهل أي إنجاز تحقق على هذا الصعيد .لقد انخفضت "حدة العنف" وجرى اتخاذ اجراءات تتحمل فيها الإدارات مغبة دوام هذه الظاهرة. المطلوب استكمال ذلك بالحؤول دون ترسب عنف او كبت نفسي، والإفساح في المجال أمام تفتح فكري وسياسي فيدرك الطلبة على سبيل المثال ما يتضمنه دستور بلادهم واعتبار ذلك أحد مقيايس الوطنية والمواطنة الصالحة لا أن تقتصر الوطنية على ترديد أناشيد وأهازيج. التفتح بضوابط مستمدة من مصالح عليا للدولة والمجتمع ومن نشدان التقدم وتمتين النسيج الاجتماعي دون إغلاق فتحات التهوية في هذا النسيج، ذلك ما ينقص الطلبة ومجموع الشبان وهو ما يمنحهم فرصة إطلاق طاقاتهم الذهنية والروحية الحبيسة. مراقبة أداء السلطة التنفيذية لترجمة الروح والنصوص التي عبر عنها الخطاب الملكي هي من مسؤولية البرلمان والإعلام وممثلي المجتمع. والوفاء بالمراقبة واجب. أما هيئة" شباب كلنا الاردن" فيسع هذه الهيئة الناشئة الاقتراب من الطموحات الملكية وتطلعات القوى الحية في المجتمع، بتحويل الهيئة الى رافعة بل مختبر ثقافي بالمعنى العريض لتعبير الثقافة. الخطاب الملكي أشر على المسكوت عنه، في انتطار التقاط الرسالة الملكية والعمل بمقتضاها دون التواء او تأويل يخرج بها عن استهدافاتها الواضحة. |
|
|||||||||||||