العدد 23 - أردني
 

حسين أبورمّان

ربما فوجىء المحتفلون بزواج الشاب السلطي وسام حتر، عندما اكتشفوا أنه لن يكون بمقدورهم «التلذذ» بأكل المنسف بالأيدي حتى ينساب السمن البلدي من الأكواع. لكن الحال كانت كذلك. أبو سالم، والد العريس، أصر على اختصار عوائد الولائم في الأعراس واقتصر على تقديم المنسف من خلال «بوفيه» مفتوح توافد عليه 500 ضيف. أبو سالم يقول إنه وفر بهذه الطريقة 4000 دينار على الأقل، حيث لم يكلفه العرس أكثر من 2000 دينار. ويشرح: «قدمنا 22 سدر فقط، وقد كانت كافية. ولو لم نقدم المنسف في أطباق لتطلب منا الأمر تقديم أكثر من 50 سدر.» «الحسبة» بالنسبة لأبو سالم بسيطة: «فالوضع الطبيعي يقتضي أن يقوم 4 أشخاص فقط بتناول الطعام من سدر واحد، أما في هذه الحال، فالسدر الواحد يطعم 20 شخصا».

ما فعله أبو سالم هو أنه أحب أن يكون أول من يطبق وثيقة السلط الجديدة.

وهذه الوثيقــة، التي أعيــد إطلاقهــا في 12 /4 /2008، تحدد عدد المناسف في الأعراس بعشرة، تقدم في أطباق ولا تؤكل بالأيدي. كما تحدد قيمة المهور –ومنها الذهب- بألفي دينار ، والجاهات ب 30 شخصا و10 سيارات، وتوصي بأن يشارك أهل العروس في تأثيث بيت الزوجية، وتلغي التقبيل على القبور، والجلوة إلغاء تاما من دون التنازل عن الديّة أو التعويض.

صحيح أن أبو سالم لم يتقيد «حرفيا» بالوثيقة فقدم في عرس ابنه 22 سدرا بدلا من 10، لكن الفائدة تحققت بتوفيره 4000 دينار.

وثيقة 1981

خرجت وثيقة السلط إلى النور بادىء الأمر في صيغتها الأولى عام 1981 بمبادرة من جمعية السلط الخيرية، لتضع أسسا وقواعد للممارسات والعادات السائدة في مناسبات الأفراح والأتراح التي تستنزف كثيرا من الجهد والمال. رئيس مجلس إعمار السلط، مروان الحمود، يقول إن الوثيقة جاءت على شكل «يقظة شعبية كبيرة عبرت عن معاناة اجتماعية أصابت الكثيرين من أبناء السلط وأبناء الأردن، بسبب عوائد اتسمت بإسراف لم يكن فقط خسارة للجيوب وإنما زيفا ونفاقا اجتماعيا.»

قام على هذه الوثيقة وجهاء عشائر وشخصيات سياسية واقتصادية وفكرية في مدينة السلط، الأمر الذي أكسبها دفعا معنويا زاد منه أن باركها الملك الحسين بن طلال. كما حاكتها وقتئذ –ولو على المستوى النظري- مدن أخرى مثل إربد والكرك. لكن هذه الانطلاقة لم تكتسب زخما للاستمرار فصارت إلى تراخ وتقاعس حتى ماتت.

عبد اللطيف عربيات النائب السابق عن محافظة البلقاء ورئيس جمعية العفاف الخيرية يرد السبب في عدم تطبيق الوثيقة الأولى إلى عدم التزام القيّمين عليها. ويقول إن "القائمين على الوثيقة لم يكونوا قدوة للآخرين في الالتزام بتوصياتها، فبدت وكأنها موجهة للفقراء دون الموسرين."

لكن هاشم القضاة عضو المجلس الاستشاري والتنفيذي لمحافظة البلقاء وأحد القيّمين على الوثيقة منذ صيغتها الأولى، يعتبر هذا الكلام "نوعا من التجني"، ويروي أنه وزملاء له "أحجموا طوال خمس سنوات عن حضور الأعراس أو الولائم الخارجة عن حدود الوثيقة".

الوثيقة ما بين العشائرية والمجتمع المدني

يعتبر عربيات أن الوثيقة الأولى لم تنجح في إحداث «التغير الاجتماعي» المنشود بسبب غياب «المنهجية» في هذا التغيير. ويقول إن جمعية العفاف –التي يرأسها- كانت أقرب إلى إصابة الهدف وأقدر على التغيير. ويدلل على ذلك بقوله إن «الجمعية بدأت نشاطاتها (قبل حوالي عقد من الزمان) بزفاف جماعي لثمانية أزواج، أما الآن فقد ارتفع هذا الرقم إلى 167 زوج من مختلف المستويات الاقتصادية والثقافية.» ما يدل على أن المجتمع بات أكثر تقبلا لفكرة الزفاف الجماعي الذي يختصر التكاليف.

إلا أن أستاذ الاجتماع في الجامعة الأردنية موسى اشتيوي يعتبر أن «العشائرية» –كتلك التي تقوم عليها وثيقة السلط- هي أقرب من مؤسسات المجتمع المدني في إحداث «تغيير اجتماعي.» ويقول «أن يقوم القيّمون على المجتمع بتبني عادات وقيم اجتماعية معينة سيكون له صدى أكبر في المجتمع بأسره». وهنا يلفت اشتيوي إلى ضرورة أن يتنبه القائمون على وثيقة السلط إلى أن التغيير يجب أن يبدأ من «طليعة» المجتمع، أي على مستوى القمة حتى يمتد إلى القاعدة. وهنا تكمن قوة مثل هذه الوثيقة التي يقوم عليها وجهاء المجتمع و»أوائله» من حيث المكانة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاعتبارية – وهو ما قد لا يتوفر لمؤسسات المجتمع المدني.

وهنا يرد هاشم القضاة بأن التراخي في تطبيق الوثيقة الأولى جاء «لقصور من جانب القائمين عليها في عدم التقييم والمتابعة»، وليس من خلال عدم الالتزام بمبادئها.

السلط 2008

هكذا جاء إطلاق الوثيقة من جديد منتصف نيسان أبريل الحالي موشحا بآلية «للمراجعة والتقييم والمتابعة والترويج». القضاة يشرح أن «أعضاء اللجنة العامة المنوط بها إعادة الصياغة ستتولى مهمة إدامة التطبيق من خلال اجتماعات دورية لدراسة المقترحات المقدمة من لجان فرعية ذات علاقة، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبرات الفردية أو خبرات المجتمع المدني.» اللجنة العامة ستكون مفوضة بإجراء التعديلات اللازمة.

يضاف إلى هذا كله أن الوضع الاقتصادي الحالي بات أكثر حرجا مما كان عليه قبل ربع قرن، الأمر الذي سيسهل على الناس تبني «وثيقة السلط» ليكون مخرجا لهم من ضيق العيش خاصة فيما يتعلق بعوائد الزواج.

في هذا المجال، أجرت جمعية العفاف الخيرية دراسات خلصت إلى أن متوسط الكلفة الإجمالية للزواج – في المجتمعات متوسطة الحال- لا يقل عن 10 آلاف دينار. يشمل هذا الرقم المهر والذهب وتأثيث منزل الزوجية والحفل. مفيد السرحان مدير الجمعية يشرح أن هذا الرقم مرتفع جدا مقارنة مع متوسط الدخل لدى الشريحة العظمى من أبناء المجتمع، والذي قد لا يزيد عن 250 دينارا. ما يعني أن الشاب بحاجة إلى ما معدله 7 سنوات ليستطيع توفير هذا المبلغ - 10 آلاف دينار- على فرض أن الشاب ليس معنيا بدفع أي مصاريف تتعلق بالصحة أو التعليم أو مساعدة الأهل أو قامة علاقات اجتماعية!

ويستطرد السرحان بأن العقبات المالية لا تزال عاملا أساسيا في ارتفاع سن الزواج والتـــي يقـــدرهــا للذكـور بـ 30 عاما ولـلإناث بـ 29.

**

وثيقة السلط.. غابت مؤسسات المجتمع المدني فملأ الوجهاء الفراغ
 
24-Apr-2008
 
العدد 23