العدد 23 - أردني
 

سليمان البزور

في غمرة الإشاعات التي تسري في أرجاء الشارع الأردني حول بيع بعض أراضي الدولة، جاءت إشاعة بيع مجمع المباني الجديدة للقيادة العامة للقوات المسلحة غرب عمان، ومجموعة من المباني الرسمية الأخرى المجاورة لها. الانتشار الواسع للإشاعة جعلت رئيس الوزراء، نادر الذهبي، يستدعي مجموعة من الإعلاميين ليتحدث لهم في هذا الشأن. وتردد أنه قال "ليس من المعقول أن نجلس على أراض تساوي البلايين، ونهمل فرص الاستفادة منها."

جميل النمري، الذي كان من بين الإعلاميين الذين حضروا لقاء رئيس الوزراء الذي عقده في فندق حياة عمان الأسبوع الماضي، أكد أن الرئيس تحدث حول موضوع القيادة العامة، مبيناً أن فكرة بيع المنطقة "واردة"، وأنها "قد بحثت فعلاً، لكن لم يتم البت بالموضوع لغاية الآن." وكانت رؤية الرئيس وفقاً للنمري، أنه "يمكن تنفيذ الصفقة على مراحل بدلاً من بيعها دفعة واحدة؛ يمكن تجزئة الصفقة للاستفادة من ارتفاع أسعار الأراضي في المراحل اللاحقة، ويمكن البدء بتنفيذ مشروع القيادة العامة الجديد في منطقة أخرى، وبخاصة أن مبنى القيادة يمكن بناؤه في مناطق مختلفة، وأن ذلك لا يقتصر على عمان الغربية، وما ينطبق على القيادة ينطبق على المخابرات." وختم رئيس الوزراء بحسب النمري بقوله "هذا الأمر مطروح لكن لم يبت فيه بشكل نهائي حتى اليوم". في هذا السياق لا يمكن فهم تصريحات وزير الدولة لشؤون الاتصال والإعلام، ناصر جودة، الذي نفى، في لقاء أسبوعي مع الصحافة وأجهزة الإعلام، وجود خطط "لغاية الآن"، لبيع أي من المناطق التي جرى الحديث عنها، إلا في إطار غياب خطط مدروسة وحالة من الدربكة التي تسود بين الأوساط السياسية وغياب الشفافية عن العملية.

جملة القول، إن الأراضي في النهاية هي الأراضي، وأن الأراضي التي تقوم عليها مباني المخابرات العامة، والقيادة العامة للجيش، والمدينة الطبية، وميناء العقبة، لا تختلف عن أي أراض أخرى من حيث قابليتها للبيع، إن كان هذا البيع يحقق ربحاً للحكومة يمكنها من الإنفاق على برامجها الهادفة إلى خدمة الاقتصاد الوطني، ولكن شيئاً ملموساً لم يتم في هذا الاتجاه. المبدأ لا خلاف عليه، ولكن الوقت لم يحن بعد. وفي المسافة الفاصلة بين المبدأ والتوقيت تزدهر الإشاعات التي تختلط فيها الحقائق بالأخيلة.

التفاصيل المفترضة كما تناقلتها المصادر المختلفة (تجار أراض، وأصحاب مكاتب عقارية، ومضاربون على العقارات، وصحفيون) تقدر المبلغ المدفوع ثمناً لموقع القيادة والمباني الرسمية المجاورة لها بنحو بليوني دينار، وأن الصفقة تتضمن استغلال مكاتب القيادة كمكاتب استثمارية وتجارية، تتحول مركزاً للانطلاق في الإقليم مستفيدة من الأمن والاستقرار الذي يتميز به الأردن عن دول الجوار في منطقة تتخبط وترزح تحت اضطرابات من غير المعلوم متى ستهدأ نارها.

في غضون ذلك، ستبقى القيادة القديمة في العبدلي لعامين آخرين لحين الانتهاء من بناء المقر الجديد في منطقة الموقر، حيث أشار تجار أراض رفضوا الإفصاح عن أسمائهم إلى أن جهات حكومية بدأت جدياً في البحث عن آلاف الدونمات لشرائها، وأنهم يعتقدون أن الشراء سوف يتم بهدف إقامة القيادة العامة عليها.

ولكن مصادر أخرى أشارت إلى أن المنطقة المعنية هي المنطقة المعروفة باسم ممر عمان التنموي الذي سيربط عمان بالزرقاء بكلفة مقدارها 120 مليون دينار وطولها نحو 43 كيلومترا، تنفذ على ثلاث مراحل: الأولى، تصل بين طريق المطار وطريق الماضونة، مكب الغباوي بطول 18.5 كم، الثانية، من طريق الماضونة مكب الغباوي، حتى أوتوستراد الزرقاء بطول 13.5 كم، والثالثة بطول حوالي 9 كم تربط مدينة الزرقاء بما حولها. كما سيجري إنشاء مركز جمرك جديد في منطقة الماضونة (موقع الميناء البري سابقاً) في العام المقبل. ولاحظت «السّجل» أن هذه المنطقة هي نفسها التي يتردد أن المدينة الطبية الجديدة سوف تقام على أرضها، ما يشير إلى حالة الارتباك التي وصلت إليها أحوال المواطنين الذين يزدادون حيرة مع كل "إشاعة" جديدة يستمعون إليها.

الاختلاف حول تفاصيل "صفقة" بيع القيادة العامة، وهي صفقة غير مؤكدة كما قلنا، لم ينف حقيقة أن تفاصيلها لامست مشاعر الأردنيين من ناحية ذاكرتهم التاريخية، فما يتم الحديث عن بيعه مرافق وطنية هي ملك للشعب والدولة، لا ينبغي التفريط بها لأي سبب من الأسباب، في المقابل يستذكر الأردنيون صفقات بيع اكتنفها الغموض مثل: شركة الفوسفات، وأراضي العبدلي، وأراضي معرض عمان الدولي، والعقبة التي لم يلمس المواطن العادي فائدة منها له أو للوطن.

المشكلة ليست في عملية البيع من حيث المبدأ، بل في مبدأ المكاشفة الغائب، فمثل هذا الغياب يغذي الإشاعات عن العمولات والأرباح المفترضة الكامنة خلف هذه الصفقات. كما يغذيها قلق الأردنيين على أرضهم في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وبلد شهد ارتفاعات متتالية للأسعار وسياسات جديدة تخضع كل شيء لاعتبارات السوق.

**

من العبدلي إلى الجندويل

في العام 2005 أدرجت منطقة العبدلي، حيث كانت تقع القيادة العامة للجيش الأردني، ضمن مشروع تطوير العبدلي الذي كلفت بتنفيذه شركة سرايا الأردن التي تأسست في العام نفسه بكلفة 100 مليون دينار أردني، وبحجم استثمار يقارب 200 مليون دينار. ويتضمن المشروع الجديد رفع أبراج في الجهة المحاذية لشارع الملكة نور، يبلغ طول بعضها نحو 220 متراً. كما يتضمن تنفيذ ما يعرف بمشروع «البوليفار» بكلفة تتجاوز 200 مليون دينار، وعددا آخر من المشاريع الضخمة.

مع وجود هذه المشاريع الخاصة، بدأت القيادة العامة في التفكير بموقع آخر يحتضنها، هي التي ارتبط اسمها لعدة عقود بالعبدلي. ووقع الاختيار على منطقة الجندويل الواقعة غربي عمان فشرعت مؤسسة استثمار الموارد الوطنية «موارد» بالعمل في بناء مجمع جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة على مساحة 120 ألف متر مربع على قطعة أرض مساحتها 400 ألف متر مربع. وصمم مشروع المباني وفق أحدث المشاريع الهندسية، واستخدمت في بنائه أنظمة تحاكي المعايير العالمية. ويتكون الموقع الجديد من عدد من المباني الإدارية، ومراكز اجتماعات، ونادٍ رياضي، ومرافق صحية، ومحطة للبث بالإضافة إلى مساحة من الحدائق. كما شرعت «موارد» هذا العام ببناء مشروع نادي الضباط الملكي على مقربة من مدينة الحسين الطبية، ومن المتوقع الانتهاء منه منتصف العام القادم 2009، ويحتوي هذا المشروع على العديد من المرافق منها: نادٍ لكبار الشخصيات، ومنتجع للمياه المعدنية، وناد صحي يضم أحواضاً للسباحة، وقاعة للمؤتمرات، وملاعب للتنس ومطاعم على أرض مساحتها 48 ألف متر مربع.

“لماذا نجلس على أرض تساوي الملايين بدلاً من استثمارها”؟
 
24-Apr-2008
 
العدد 23