العدد 23 - اقليمي
 

معن البياري

جدّد الرئيس الموريتاني، محمد ولد سيدي الشيخ عبد الله، في 12 أبريل/ نيسان الجاري وعداً كان جهر به غير مرّة بمراجعة علاقات نواكشوط مع تل أبيب، وقال لصحيفة جزائرية أن «لا مسؤولية عليه بشأن إقامة هذه العلاقات الموروثة من عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع» الذي أطاحه انقلاب عسكري «انتقالي» في آب/أغسطس 2005. الجديد في حديث الرئيس الموريتاني، الذي اكتمل في الشهر الجاري العام على تسلمه السلطة في بلاده قوله إن بلاده «ستعالج هذا الملف في إطار التجاوب مع القضايا العربية والتنسيق مع أشقائنا الفلسطينيين، ومن خلال التشاور مع كل الأطراف السياسيّة داخل موريتانيا بما يخدم المصلحة القوميّة لأمتنا»، وبدا كأنه يتخفف من وعده الذي قطعه على نفسه بطرح هذا «الملف» أمام البرلمان، ويربط تنفيذه بمشاورات عربيّة وفلسطينيّة، والمؤكد أنّ ولد الشيخ عبد الله لن يجد في هذه المشاورات من يحثّه على قطع تلك العلاقات الدبلوماسية والكاملة منذ الاتفاق عليها رسميّاً في واشنطن في تشرين الأول/أكتوبر 1999.

وإذ يؤشر إلى مشاورات محليّة، فالثابت أن غالبية القوى السياسيّة والأهليّة في موريتانيا تلح على القطع الفوري لهذه العلاقات التي كان الرئيس وصفها بأنها «أمر واقع» في أثناء حملته للانتخابات الرئاسيّة قبل أكثر من عام، وقال في تلك الأثناء إن «قطعها مرهون بتوافق نيابي وسياسي»، ولم يلزم نفسه بالعمل على اتخاذ قرار بذلك في تلك الانتخابات التي تنافس فيها مع 18 مرشحاً واعتبرت الأكثر نزاهة في كل الانتخابات العربيّة.

دلّت أجواء حملة انتخابات رئاسة موريتانيا، وفوز ولد الشيخ عبد الله وخسارة منافسه الأبرز زعيم المعارضة الحاليّة أحمد ولد دادة وقبله ولد حننه وغيرهما من دعاة القطع الفوري للعلاقات مع إسرائيل،أن هذا الأمر وإن كان موضع إجماع شعبي واسع.

التصريح الجديد للرئيس الموريتاني، يأتي في لحظة شديدة الحساسيّة في موريتانيا، حيث تتصاعد في هذه البلاد منذ أسابيع مخاوف جديّة من انفجار اجتماعي بسبب الارتفاع المتصاعد للأسعار الذي جعل الرئيس يعلن «خطة طوارئ» لمواجهته، واعتبرتها المعارضة غير كافية، ما قد يعني أن «وعداً» بمراجعة العلاقات «غير المبرّرة» مع إسرائيل، بحسب وصف أحمد ولد داداه لها، قد يكون له مفعوله في إرضاء الموريتانيين الغاضبين من ارتفاع الأسعار. وهو وعد، كان لافتاً أن حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحدها قد انفردت بين القوى الفلسطينيّة في الترحيب به، واعتبرته «خطوة شجاعة في الإتجاه الصحيح». ويجيء الوعد الرئاسي المذكور، والمعلن عنه لصحيفة «الشروق» الجزائرية، في ظل سخط واسع في موريتانيا من أنباء شاعت عن وجود خليّة للموساد في السفارة الإسرائيليّة في نواكشوط، قال مسؤول موريتاني وصف أنه كبير، ولم يذكر أحد اسمه، قال إن تلك الخليّة وراء المناشير التي ظهرت أخيراً، وتفرّق بين الموريتانيين على أساس «أبيض وأسود»، بغرض تمزيق المجتمع وإحداث فتنة بين أعراقه. وطالبت قوى وأحزاب وشخصيات عديدة الحكومة بفتح تحقيق «سريع ومدقّق» في صحة هذه الأنباء التي اعتبرها رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (التيار الإسلامي) محمد جميل منصور، وهو رئيس «الرباط الموريتاني لمكافحة التطبيع»، دافعاً جديداً لقطع العلاقات مع «إسرائيل»، باعتبار هذا الأمر أحد أهم المطالب التي يجمع عليها الموريتانيون. ومنصور هو أحد قادة سبعة أحزاب موريتانية سلّموا في شباط/فبراير الماضي الرئيس ولد الشيخ عبد الله رسالة تطالب بذلك، ونقلوا عنه قوله إن الرئيس يقدّر أسباب ومسوغات رغبة الشعب الموريتاني في قطع العلاقات مع إسرائيل، وأكد لهم أن التزامه على حاله بخصوص عرض الأمر على البرلمان وممثلي الشعب. جرى ذلك بعد أيام على حادث الهجوم المسلّح على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط فجر 30 كانون الأول/يناير الماضي، وجرح فيه ثلاثة أشخاص، وصدر بيان عن «القاعدة في دول المغرب الإسلامي» يتبناه. وأشعل الحادث الذي وصفته الحكومة بأنه إجرامي مخاوف قوى وتشكيلات موريتانية من ظهور أجواء عنف مرفوضة في بلادها، لا سيما وأنه جاء بعد أيام من قتل ثلاثة سياح فرنسيين، وتبنته «القاعدة» أيضاً، وأعقبه في الشهر نفسه قتل ثلاثة جنود موريتانيين في حامية عسكرية. وكان لافتاً أن الرئيس الموريتاني صرح لوكالة رويترز أن إطلاق الرصاص على السفارة لن يؤدي إلى قطع العلاقات مع تل أبيب، وأن حكومة بلاده مصممة على تحييد هذه العلاقات، عن سائر الملفات بكل الوسائل.

الواضح في مجمل تصريحات و«وعود» الرئيس في هذا الشأن، وهي غير قليلة منذ ترشحه وحتى جديد كلامه للصحيفة الجزائرية، أنه يحاذر إلزام نفسه بإجراء يتخذه، ولا يذهب إلى الاستجابة للمطالب الواسعة بقطع الصلات مع إسرائيل، وهي المطالب التي نشطت بشكل ضاغط إبان اشتداد الحصار العسكري، والغذائي، والكهربائي، والتمويني على قطاع غزة في كانون الثاني/يناير الماضي، وأطلقتتها قوى وتجمعات وتمثيلات عريضة، منها «المبادرة الطلابية الموريتانية لمقاومة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة» التي وزعت نداء لطرد السفير الإسرائيلي من نواكشوط واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، وتعمل على جمع مليون توقيع عليه. وكذلك «الرباط الموريتاني لنصرة الشعب الفلسطيني» الذي وصف العلاقات مع «الهمج الصهاينة» بالمشينة والمدانة.

ولم تبادر الرئاسة إلى طرح ملف تلك العلاقات أمام البرلمان، لمراجعتها وتقويمها، في العام الذي انقضى على بدء ولايته.

يعرف الرئيس ولد الشيخ عبد الله (70 عاماً) الأكلاف الباهظة التي قد تتكبدها بلاده إذا بادر لتنفيذ تلك المطالب، وهو الذي لم يُزايد على أحد بشأنها، ولا يسجّل عليه أحد أن هذا الأمر كان من بنود برنامجه الانتخابي، الذي حفل بوعود كثيرة على أصعدة محاربة الفقر، ورفع الانتاجية، وتوفير فرص العمل، والتخفيف من البطالة، والنهوض بالمناطق النائية. ولأنه رجل اقتصاد وتخطيط وسبق أن كان وزيراً للاقتصاد الوطني وأيضاً للمياه والطاقة في بلاده قبل عقود، وعمل خبيراً ومستشاراً اقتصادياً في خارج بلاده، فإنه يعرف أن لقطع العلاقات مع إسرائيل أثماناً قد لا تقوى موريتانيا على دفعها للولايات المتحدة ودول الغرب، وهذه داعمة لـ"العهد الديمقراطي" الجديد الذي يتزعمه.

علاقات نواكشوط بتل أبيب: وعود المراجعة “معلقة”
 
24-Apr-2008
 
العدد 23