العدد 4 - بورتريه | ||||||||||||||
يتفق قياديون إسلاميون مع رأي مراقبين للمشهد السياسي المحلي، في ان «الخسارة القاسية، والمفاجئة بحجمها» للحركة الاسلامية في الانتخابات النيابية الاخيرة شكلت «محطة مهمة» في تاريخ الاخوان المسلمين الاردنيين، الذين تأسست جماعتهم مع تأسيس المملكة في العام 1946. ويؤكد المراقبون بأن المرحلة التي سبقت ثلاثاء الانتخابات لن تكون مثل لاحقتها لدى الحركة الاسلامية، التي توجت خسارتها الانتخابات النيابية، وقبلها انسحابها المدوي من «عرس البلدية»، نحو عامين من الازمات المتلاحقة مع الحكومة، وأكملت حلقة «سيناريو تجفيف منابعها المالية والدعوية»، لتصل خسارتها الى معاقلها الشعبية في عمان والزرقاء واربد والرصيفة، التي اعتادت عبرها الوصول الى قبة البرلمان وسدة قيادة الحكم المحلي في البلديات الكبرى. وليس غريبا ان يصف الاسلاميون والمراقبون نتيجة الانتخابات بـ «الزلزال السياسي» الذي ضرب الحركة الاسلامية، القوة السياسية الشعبية الاكثر تنظيما وحضورا في الشارع، ليتراجع ثقلها «المتواضع اصلا» في المجلس النيابي من 17 نائبا في المجلس السابق، الى ستة فقط في الحالي، لا يتوقع ان يكون لهم تاثير او وزن يذكر، حتى في التحالفات الداخلية بين الكتل النيابية المتحركة، غير المؤدلجة، التي تفرزها عادة تركيبة المجالس النيابية. الانحدار في ثقل الكتلة النيابية للإسلاميين منذ انتخابات العام 1989، محطة الانفراج الديمقراطي الاردني بعد اربعة عقود من الاحكام العرفية وغياب الانتخابات، تعمق في الانتخابات الاخيرة، حيث انخفض عدد كتلة الاسلاميين من 22 نائبا من مجموع 80 نائبا للمجلس النيابي الحادي عشر، الى 18 من 80 نائبا ايضا عام 1993، بعد اعتماد الحكومة «مقصلة» الصوت الواحد، لينخفض اكثر بانتخابات 2003 الى 17 من اصل 110 نواب. في حين غاب الاسلاميون في استراحة المحارب عن انتخابات 1997. وبالتوازي مع حملة التشكيك والاتهامات التي أطلقتها الحركة الاسلامية ضد الحكومة بـ «تزوير» الانتخابات، و «السعي لإقصائها»، وهي تهم تنفيها الحكومة، عمق «هول الخسارة» عملية الفرز الفكري والسياسي الداخلية بين التيارات التي تتنازع الحركة، و«زلزل» ما يمكن تسميته بـ «خارطة القوى» داخل صفوف الحركة «لمصلحة» التيار المتشدد والصقوري، بحسب مصادر اسلامية متطابقة. ورغم ان ائتلاف تياري الحمائم والوسط وتيار الصقور «توافقوا» في اجتماع موسع للمكتبين التنفيذيين للاخوان المسلمين، وذراعهم السياسية جبهة العمل الاسلامي، وابرز رموز ومرشحي الحركة الخميس الماضي على «تحييد خلافاتهم الداخلية وعقد مصالحة فيما بينهم» بحسب مصدر قيادي فضل عدم نشر اسمه، فان القيادي اعتبر انها «مصالحة أملتها ضرورة وقوع الجميع، متشددين وحمائم تحت مرمى الاستهداف الحكومي». لكنه زاد «ان هناك، داخل الحركة من سيدفع قريبا ثمنا للهزيمة» في الانتخابات. اذا، التغييرات جذرية وقادمة في الحركة الاسلامية –كما يرى المراقبون-، سواء على مستوى العلاقة مع الحكومة والمؤسسة الرسمية، أو على مستوى الوضع التنظيمي الداخلي الذي يمور منذ سنوات بصراعات اصطفافات وفرز داخلي، وصل اخيرا حد الاستقطابات الحادة بين تيارين او مدرستين داخل الحركة. وتوصف المدرسة الاولى بالتشدد، وتتبني نهج تغيير اسس اللعبة السياسية مع الحكومات، باتجاه البحث عن دور اكبر للحركة، والمدرسة او التيار الاخر يوصف بالمعتدل والحمائمي والوسطي، ويعتقد بإمكانية المحافظة على مساحة تلاقي وتعايش سياسي مع الحكم في مرحلة محلية وإقليمية ودولية مضطربة، عبر اعادة هيكلة دور الحركة الاسلامية بالتوجه اكثر نحو المحلية والدعوية والدور الاجتماعي، مع القبول بتقليص الهامش السياسي المتاح امام الاسلاميين. وبحسب قياديين اسلاميين، فان ما رافق مخاض قرار الاسلاميين المشاركة بالانتخابات الاخيرة، والخلافات والتباينات في صفوفها حول حجم ونوعية قائمة مرشحيها، التي طغى عليها اللون ألحمائمي والوسطي، وسط تقهقر تيار الصقور، لم يكن الا احدى تجليات الصراع بين المدرستين المذكورتين داخل الحركة، فجاءت «المفاجأة» لدى التيارين بان «رأسيهما مطلوبان سواسية عند المؤسسة الرسمية» بحسب ما خلص اليه تقييم قيادات الحركة الخميس الماضي. لذلك، اشار القيادي المطلع لـ «السّجل» الى ان «النتيجة الايجابية الوحيدة للانتخابات ونتائجها، هي تحصين الحركة الاسلامية من انشقاق وانقسامات كانت متوقعة بعيد انتهاء الانتخابات»، على اعتبار ان الخطر الخارجي المحدق بالحركة وحضورها ووجودها اكبر من الخلافات والتناقضات الداخلية. وأفادت المعلومات المتسربة من اوساط الحركة، ان ثمة اصواتا، من كلا الفريقين تتعالى بـ «ضرورة مراجعة نهج الحركة في المشاركة السياسية، وعلاقتها بالحكومة». وربما كانت المرة الاولى في تاريخ الاسلاميين، التي تطالب فيها غالبية قياداتها منذ الان بإعلان مقاطعة أي انتخابات مقبلة، وذلك ليكون هذا القرار «أرضية صلبة وواضحة في العلاقة مع الحكومات، ووسيلة ضغط (مفترضة) على المؤسسة الرسمية لإعادة الاعتراف بالحركة الاسلامية، وتطبيع العلاقات معها» بحسب القيادي. وحرص قياديو الحركة على تأكيد ان مراجعة العلاقة مع الحكومة «لا يعني بحال اعادة النظر بنهج الحركة السلمي والعمل السياسي، ونبذ العنف». اما على المستوى التنظيمي الداخلي، فرغم محاولات الاغلبية المؤثرة في التيارات المتصارعة بالحركة تحييد وتسكين الخلافات، وإظهار الحركة متماسكة، فان ذلك لا يخفي «اثار الزلزال السياسي» للانتخابات في صفوف الحركة، قيادات وقواعد، حيث تتعالى بين صفوف الاخيرة دعوات المحاسبة والتجديد للقيادات، وان اختلفت وجهة سهام النقد بين فريقين، الاول يحمل المسؤولية الاكبر لتيار التشدد، والذي من ابرز رموزه الامين العام للجبهة زكي بني ارشيد، الذي مارس «الحرد السياسي» وترك المعتدلين والوسط «يقلعون شوكهم بأيديهم» في الانتخابات، رافعا عنهم الغطاء. في حين تنصب غالبية سهام النقد، خاصة بين القواعد على قيادة الحركة، بمكتبيها التنفيذيين للاخوان والجبهة، اللذين يسيطر عليهما الوسط والحمائم، حيث يحملان مسؤولية «قرار المشاركة بالانتخابات من دون توفر ضمانات حقيقية بنزاهتها، وتقديم مرشحين خلافيين بالضد من تنسيبات القواعد، وإقصاء آخرين». وكشف مصدر في الحركة ان اجتماعا لمجلس شورى الاخوان، اعلى الهيئات القيادية في الحركة وراسم سياساتها «سيلتئم بصورة طارئة قريبا جدا، وربما خلال اسابيع». ويتوقع ان يكون الاجتماع «مفصليا» داخل الحركة، ويرجح المصدر ان «يتقدم المكتب التنفيذي للاخوان بالاستقالة، لينتخب الشورى مكتبا تنفيذيا جديدا (سبعة اعضاء)، ويليه او يرافقه استقالة المكتب التنفيذي للجبهة (تسعة اعضاء)، واعادة تشكيله». كما لا يستبعد المصدر ان يلجأ شورى الاخوان (45 عضوا) الى حل نفسه، والأمر بانتخابات جديدة مبكرة، لتفرز شعب الاخوان الـ 25 ممثلين جدداً لها في مجلس الشورى، الذي يقوم بعدها بانتخاب وإفراز القيادات التنفيذية للجماعة والحزب. وبدا لافتا ان تيار الحمائم والوسط تراجع، بحسب مصادر متطابقة، عن توجه لُوّح به في الغرف المغلقة اثناء الانتخابات، وتحدث فيه عن عزمه تقديم بني ارشيد وعضو المكتب التنفيذي للاخوان سعود ابو محفوظ، الذي مارس هو الاخر «حردا سياسيا» على ذات الخلفية، الى محكمة داخلية، لمحاسبتهما على «عدم العمل على دعم قائمة مرشحي الحركة، والتغيب عن اللقاءات الصحفية واجتماعات المكتبين التنفيذيين». وتحويل بني ارشيد الى محكمة داخلية كفيل بالقضاء على مستقبله السياسي التنظيمي داخل الحركة، حيث يحرم في حال إيقاع العقوبة عليه من الترشح لاي موقع فيها مستقبلا». واشارت المصادر الى ان المكتبين التنفيذيين للجماعة والحزب «أحالا» قرار استقالة نواب الحركة الستة من عدمه الى شورى الاخوان المقبل، وسط تغليب خيار «استمرار النواب في المجلس وعدم الاستقالة والانسحاب النهائي من الحياة البرلمانية»، في حين يقدم رأي ثالث خيار «تعليق عضوية النواب، الى حين اتخاذ الحكومة الجديدة خطوات جدية وودية تجاه الحركة الاسلامية». الى ذلك، كشف المصدر ان الحركة شكلت لجنة تقصي وتدقيق داخلية، لـ «توثيق مختلف أوجه التزوير والتجاوزات التي شابت الانتخابات بمختلف مراحلها». كما تعكف الحركة «دراسة اي اسباب اخرى، داخلية او خارجية» ساهمت في الخسارة الكبيرة للإسلاميين، خصوصا في ظل اتهام تيار الصقور بـ «تحمل جزء من مسؤولية الخسارة بعزوفه عن الدعم الحقيقي لمرشحي الحركة». ورغم إجماع الاسلاميين بكل تلاوينهم على ان «التزوير والتجاوزات الحكومية (المفترضة) هي البعد الرئيسي للخسارة»، فان النقد الداخلي لأداء الحركة يجد له حيزا حقيقيا في تقييم مرحلة الانتخابات. وراى مراقبون ان عوامل ذاتية عديدة ساهمت في تحقيق «مفاجأة الخسارة الاسلامية الواسعة»، على رأسها الخلافات الداخلية غير المسبوقة على قائمة المرشحين، وتأثر شعبية الاسلاميين سلبيا بعد سيطرة حركة حماس على غزة بالقوة العسكرية، وتجربتها «السلبية» في الحكم، وتأثير ذلك على شعبية إسلاميي الاردن بين شرائح من الاردنيين من أصول فلسطينية، الذين شكلوا دائما الخزان الشعبي الرئيسي للإسلاميين. كما لا يغفل الاسلاميون أنفسهم، ضمن الاسباب، حالة الاحباط العامة لدى الاردنيين، خاصة الشرائح الفقيرة، وتسيد حالة الشعور بعدم الثقة بجدوى المشاركة السياسية لدى قطاعات عريضة، ما ينعكس في عزوف شعبي، خاصة في المدن الرئيسية الكبرى كعمان والزرقاء واربد والرصيفة عن المشاركة بالانتخابات. كذلك، يركز الاسلاميون على الاثر السلبي لظاهرة هجرة عشرات آلاف الاصوات بين الدوائر، واستشراء ظاهرة بيع وشراء الاصوات بصورة غير مسبوقة في الانتخابات الاخيرة. |
|
|||||||||||||