العدد 23 - اقتصادي
 

السّجل - خاص

تزداد فرص تراجع مشاكل البطالة والفقر والتخلف بالتزامن مع تحسن الأداء السياسي وتوسيع المشاركة، إذ يدلل عرض المشكلات الاقتصادية التنموية على الحكم الرشيد، بحسب تقرير الأمم المتحدة.

تزامن نمو الحريات السياسية والاقتصادية مهم، ويكرس الحق بالتنمية الذي أقره التقرير، الذي يشير إلى أن التنمية عملية متكاملة اقتصادية، سياسية، اجتماعية، ثقافية وإنسانية، وأن غيابها يحمل مخاطر ومعاني كثيرة.

الخبير الاقتصادي، حسام عايش، يرى أن تحقيق النمو والتنمية تحديان سياسيان بقدر ما هما عمليتان اجتماعيتان واقتصاديتان، فمشاركة الناس في القرارات والشفافية في التعاطي مع المستجدات والمشكلات وعرض الأفكار ذات العلاقة بهذين التحديين للحوار من الأمور اللازمة في مسيرة النجاح.

فتراكم رأس المال الاجتماعي، من وجهة نظر عايش، هو الداعم الأول للنشاط الاقتصادي والحاضن له، ولا يمكن أن يتم إلا عبر توافر منظومة من القيم المشتركة تدفع الأفراد للمساهمة طواعية في العملية الاقتصادية بقصد الحصول على مكتسباتها.

محلياً، يقول عايش إن "التركيز الرسمي ظل منصباً على جانب واحد من المعادلة، وهو جانب النمو الاقتصادي"، الذي حدث بفعل تضافر جهود عديدة، وتوافر ظروف خارجية وداخلية، لكنه يدعو إلى اقتناص الفرصة لعكس نتائج النمو على الأوضاع المعيشية والاجتماعية الخطيرة الناجمة عن استفحال البطالة، وزيادة مساحات الفقر، وتدني مستويات المعيشة، وارتفاع نسبة التضخم.

كما يلفت إلى أن هناك ضيقاً من الحديث عن الهموم الاقتصادية للناس أو الإشارة إلى أمراض الاقتصاد، إذ يبدو المحلل الاقتصادي الذي يشير إليها، كما لو أنه ينظر إلى نصف الكأس الفارغ، وهو ما ينفيه عايش الذي يؤكد على أهمية تشخيص المشكلات تمهيداً لإيجاد حلول لها.

يستدرك عايش بالقول: إن إظهار الايجابيات وغض النظر عن السلبيات يمهد الطريق للحصول على القروض، تجميل الصورة أمام الدائنين، جذب المستثمرين، وكيل المديح لصانع القرار من قبل المؤسسات المالية الدولية، كدليل على النشاط المبذول والجدية التي يتم من خلالها التعاطي مع الشأن الاقتصادي.

ومن هنا لا بد من التركيز على المشكلات المصاحبة لكل عملية نمو ضروري لتصحيح المسار، والانتباه لجعل النمو الاقتصادي وسيلة للتنمية لا غاية بحد ذاته من قبل المجتمع بكل ما يعنيه ذلك من تشغيل للأيدي العاملة، خفض لمستويات الفقر، وتحسين مستويات المعيشة والصحة والتعليم وغيرها.

يؤكد عايش إن النمو الاقتصادي الذي بلغ بالمتوسط 6 بالمئة في المعدل خلال السنوات القليلة الماضية" لم يستطع لغاية الآن أن يحدث اختراقاً في نسبة البطالة" الرسمية التي ظلت تحوم حول 14 و15 بالمئة أو خفض نسبة الفقر الرسمية التي تدور هي الأخرى حول النسب السابقة نفسها.

"الحديث عن النمو الاقتصادي يظل مجرد إحصائيات رسمية تتغنى بها الحكومات ووسائل الإعلام الرسمية وربما بعض المؤسسات المالية الدولية،" فيما "الواقع المعيش على الأرض مغاير لحالة الابتهاج الرسمي"، يقول عايش فالنمو الاقتصادي مطلوب باعتباره دليلاً على نجاح السياسات الاقتصادية، إلا أنه "مكلف اجتماعياً واقتصادياً أيضاً، ففي أحيان كثيرة "يدفع المواطنون ثمنه".

للنمو الرقمي متطلبات من وجهة نظر عايش الذي يرى أنه "كلما نما الاقتصاد زادت الحاجة لمزيد من الاستيراد" الذي وصل إلى ما يزيد على 8.5 بليون دينار في مقابل صادرات لم تزد على 4 بلايين دينار في العام 2007.

كذلك، ساهم النمو في زيادة الطلب على النفط بقيمة بليوني دينار في العام 2007، الأمر الذي أدى إلى مشكلات اقتصادية من نوع آخر تمثلت بزيادة عجز الموازنة ليصل 5.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، زيادة الاقتراض لمواجهة هذا العجز، اتساع العجز في الميزان التجاري وما إلى ذلك من تأثيرات طالت احتياطي العملات الأجنبية.

وفوق هذا وذاك، فإن زيادة حجم المستوردات فاقم مشكلة التضخم المستورد الذي عمق التضخم الداخلي لتتراوح نسبته بين 10و 12 بالمئة على الأقل، فيما قدره وزير المالية، حمد الكساسبة، بمعدل 9 بالمئة خلال العام 2008 في مشروع قانون موازنة العام الحالي.

عايش يشدد على أن المهم في أرقام النمو هو دورها في تحقيق التنمية التي تعد محور أي نشاط اقتصادي، فهدف أي نمو هو تحسين نسب التنمية، وهذا لا يتحقق بالسياسات المبرمجة من الأعلى فقط بل بالتكامل مع القاعدة بفهم احتياجاتها وإدراك تطلعاتها من خلال وضع آليات شفافة للتواصل المستمر معها، لا سيما وأن القاعدة هي من يكتوي بنار النمو الذي لا ينعكس على مستوى معيشة المواطن.

صانع القرار يحتاج إلى بيانات تأتيه من القاعدة، ويلزمه أيضا تغذيه راجعة من الميدان حتى يستطيع الحكم على مدى نجاعة قراراته.

وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ لا يشكك بمعدلات النمو المتحققة، مؤكدا أنها تبنى على معادلات وقوانين رياضية متعارف عليها عالمياً.

كما يرى الحافظ أن مؤشر النمو من أهم الأرقام، إذ إنه يؤشر إلى فشل أو نجاح السياسات الاقتصادية، لكن المشكلة في الأردن هي أن النسب لا تنعكس، بشكل متساو، على جميع أفراد المجتمع.

يقترح الحافظ اعتماد سياسة ضريبية عادلة لتساهم بتوزيع مكتسبات النمو بعدالة، لا سيما ما يتعلق بضريبة الدخل التي يدفعها الأغنياء، وليس ضريبة المبيعات التي يدفعها الغني والفقير على السواء.

يؤكد الحافظ أن الإنجازات تتركز في مؤشرات الاقتصاد الكلي، فيما تتراجع أرقام الاقتصاد الجزئي أو تحافظ على نسبها في أحسن الأحوال.

الحكومة تُعنى بأرقام النمو على حساب التنمية
 
24-Apr-2008
 
العدد 23