العدد 23 - كتاب | ||||||||||||||
على الرغم من إمكانية الاختلاف في الاجتهادات، وفي رؤى الشخصيات التي تدير الاقتصاد، فإن الرقابة على المال العام وحمايته من التجاوزات والهدر مطلب أي مجتمع، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان. ومن هنا تختلف أساليب الإنفاق ومدارسها من مسؤول إلى آخر، ومن حكومة إلى أخرى، ولكن يبقى متطلب الرقابة والحساب والضبط مطلباً أساسياً لا بد منه. ولأن أمول التخاصية تشكل جزءاً مهماً من المال العام، فإن الرقابة عليها يجب ألا تقل أهمية عن أشكال الرقابة الأخرى وأوجه إنفاقها التي يجب أن تكون شفافة وتنافسية حال جميع أموال الأمة. المبدأ أن الأمة تخول عادة بعضاً من صلاحياتها للحكومة للتصرف، ليس كما تشاء الأخيرة، بل بحسب قوانين ونواميس عديدة تحاسب ضمن أطرها الأمة؛ من خلال البرلمان، لإدارة مصالحها وحمايتها حقوقها ومكتسباتها. لذلك تتحرك الحكومات والمتنفذون فيها بكل روية وشفافية، وتتخذ قراراتها وتضع إجراءاتها بعد الحوار والمكاشفة لكي لا تكون هناك مساءلة وإحراج أو اتهامات، قد تصح وقد تبطل، فيضع الناس رقابهم في قيود هم في غنى عنها ويتعرضون لاتهامات لا تفيد أحدا. ولذلك أيضاً، ما كان يجب لصفقة شراء الدين الخارجي مع نادي باريس أن تتم بهذه السرية، ولهذه الأنواع من الترويج المغلوط الذي يؤدي الى التشكيك في صلاحيتها وجدواها. الحديث عن أن الاستخدام الأمثل لأموال التخاصية، وحصيلة بيع أملاك الأمة، هو سداد الدين، أمر له مخاطره ويفتقد للنجاعه، إذ كان الأجدى طرحها للرأي العام، احتراماً لقدره وتقديراً للمسؤولية التي تحملها الحكومة، لمعرفة المنافع والكلف والآثار المترتبة على هذا القرار، كي يساهم الجميع باتخاذ القرار الصائب، ولا يحصل اللغط لاحقاً. فمن حيث المبدأ كان الأردن ومشاريعه التي تبحث عن تمويل، وأبناؤه الذين يبحثون عن فرص التوظيف، أولى بهذه الأموال، بدلاً من استخدامها لسداد الدين الذي استخدم أموال التخاصية، في عملية التفاف غير ذكية، لسداد التزامات النفقات الجارية، وهو ما سيحدث حين تعود الحكومة لتقترض من جديد وتنفق فتراكم الديون مرة أخرى. خطورة المرحلة، تفرض أن الأردنيين أولى بهذه الأموال. وكان من الأفضل ألا تتم عملية بيع أملاك الشعب بما يفوق 500 مليون دينار دون مناقشة في البرلمان أو في الشارع الأردني، ما يدعو إلى التساؤل عن سبب العودة الى الغموض بعد أن قطعنا رحلة شاقة نحو المساءلة والشفافية. فنحن نفخر في هذا البلد بعدم أحادية القرار, ونتباهى أمام الكون بشفافية وقدرات مؤسساتنا، ونقول دائماً إن الإنسان أغلى ما نملك. كيف يكون كل هذا في حين أن الإنسان في البلد لا يعلم بالأمور إلا بعد أن تحدث. |
|
|||||||||||||