العدد 23 - ثقافي
 

رسمي أبو علي

في مثل هذه الأيام، وقبل حوالي سبعة وعشرين عاماً، ومن مقهى أم نبيل في الفاكهاني أصدرنا العدد الأول من مجلة «رصيف 81».

وقبل هذا بحوالي سنتين، كنت قد أصدرت مع الزميل الكاتب والصحفي والروائي التونسي الصافي سعيد بياناً مطبوعاً بشكل أنيق وزّعناه مجاناً في الفاكهاني حمل عنواناً غير مألوف وبعيد عن استخدام اللغة السياسية والثورية التي كانت سائدة آنذاك. كان اسم البيان «المانفستو الجنائزي رقم صفر»، من أجل الإنسان اللاعب عمل، فني، لعب استوحينا مضمونه المتعلق باللعب من الحلم الشيوعي الذي جسّده كارل ماركس، إذ عدنا إلى ماركس الشاعر، أما البيان نفسه فكان هجوماً كاسحاً وشاملاً على المؤسسة بشكل عام، معتبرين أن المؤسسة هي الجهاز البيروقراطي الذي أخذ بابتلاع الثورة تدريجياً حيث رأينا أن الثورة اختزلت في مؤسسات، وأن هذه المؤسسات اختزلت في رجل بعينه اسمه ياسر عرفات، ومما زاد الأمر غرابة أن لغة المانيفستو كانت لغة يسارية متقدمة مستوحاة من أدبيات اللغة اليسارية الفرنسية السائدة آنذاك والتي كان الزميل الصافي سعيد على اطلاع جيد عليها، إذ إنه أمضى عدداً من السنوات في باريس كان خلالها على اتصال بأحد الرموز اليسارية العربية آنذاك، وهو العفيف الأخضر الذي كانت له بعض المساهمات في بعض الفضائيات، ومنها الجزيرة قبل أن يتم اسدال الستار عليه.

إذن، فقد كانت لغة المانيفستو لغة جديدة وغير مألوفة في ثقافة الفاكهاني السياسية فقد كان اليسار ما يزال يستخدم تلك اللغة الخشبية المتحررة من الزمن الستاليني.

وبسبب غرابة الأمر كله، فقد اعتقد البعض أن الموضوع لا بد أن يكون مزحة أو «نهفة» باعتبار أنني كنت معروفاً أنني غالباً ما أمزج الجد بالهزل لتفادي ردود أفعال بعض الرؤوس الحامية الجاهلة، التي كانت تعج بهم الفاكهاني آنذاك.

إذن، كان المانيفستو الجنائزي، هو المقدمة النظرية للرصيف والذي ظهر على شكل مجلة حملت عنوان «رصيف 81» في مثل هذه الأيام في العام 1981 في بيروت - الفاكهاني..

ولكن عند صدور العدد الأول، لم يكن الصافي معنا، إذ انفصل عن مجموعة الرصيف وعمل كاتباً صحفياً في جريدة «السفير» التي كانت قد ظهرت قبل بعض الوقت من ذلك التاريخ، إضافة إلى أن الصافي كان يضيق ذرعاً بزميلنا الشاعر علي فودة - فعلى حين كان علي يعتقد أن الصافي مجنون متطرف كان الصافي يرد عليه بلهجته التونسية «والله أنت مثل عمي» وكان يحدثنا أحياناً عن عمه محدود الثقافة والأفق.

فوجئ جمهور الفاكهاني للمرة الثانية، بصدور العدد الأول من الرصيف يحمل توقيع خمسة أسماء هي هيئة التحرير المسؤولة عن هذا العدد، وبالإضافة إليّ كان هناك الشاعر الشهير علي فودة، والشاعر العراقي آدم حاتم، والشاعر العراقي غيلان، والمقيم حالياً في أستراليا، بالإضافة إلى نادل الرصيف وابتسامته الدائمة العراقي الكردي «أبو روزا»، وولف الذي هاجر إلى هولندا وانقطعت أخباره منذ سنوات طويلة.

كانت الرصيف، مجلة إبداعية للشعر أساساً، ولكن أهمية المجلة تجلت في بيانها الافتتاحي الذي صيغ بشكل بسيط ومتواضع.

أكدنا في البداية أننا مستقلون تماماً «لا نقبض من أحد، وأننا أمميون دايلكتيكيون وأننا الرصيف الذي يحاور المركز ديمقراطياً ضمن إطار «الخيار الثالث» الذي لا قطيعة ولا تبعية.. وقلنا إن هذا الخيار الثالث هو الذي سيحكم علاقتنا بالمؤسسة، الذي سيحكم علاقتنا بالمركز الغربي والذي قلنا أنه سيكون قطباً أحادياً في قادم السنوات. وبهذا لاحظ الشيوعيون واليساريون غياب الاتحاد السوفييتي في نظريتنا المستقبلية فثارت ثائرتهم حيث اتهمونا صراحة بالتحشيش الفكري، والهذيان، مستهجنين وصف عالمياً لا يكون فيه دور للاتحاد السوفييتي.

وبعد أكثر من عشر سنوات على صدور الرصيف، ثبت أننا كنا علـى صواب، فيما يتعلق بغياب دور الاتحاد السوفييتي على الأقل.

المجال لا يتسع لتفاصيل كثيرة، ولكن من الممكن القول إن الرصيف كانت تياراً مستقبلياً - أممياً - ماركسياً في بعض جوانبه.

rasmiabuali@hotmail.com

استذكار تجربة في الصحافة الثقافية
 
24-Apr-2008
 
العدد 23