العدد 23 - حريات
 

سليمان صويص

يغلب الطابع السلبي على مواقف المجتمع تجاه السجين. النظرة الشائعة هي اعتباره "شخصاً شريراً" أو "منحرفاً" أو "غير سوي"، وبالحد الادنى "خارجاً على القانون". وباستثناء السجناء السياسيين ونزلاء سجون الاحتلال الذين ينظر إليهم باحترام من قبل شعوبهم وأحرار العالم، فإن السجين لأسباب جنائية هو في نظر المجتمع "قاتل" أو "سارق" أو "زان" أو "مهرب مخدرات"، أو باختصار "مجرم".

عموماً لا يحمل المجتمع مشاعر شفقة أو تفهماً نحو السجناء، وقلة من الناس ربما تتعاطف معهم. الميل الغالب هو التشدد تجاه من يرتكبون الجرائم والتوصية بعزلهم أو إقصائهم، او بالحد الأدنى النفور منهم وعدم الاختلاط بهم.

وبالرغم من إطلاق تسمية مراكز الإصلاح والتأهيل على السجون، إلا أن قلة تنظر للسجين باعتباره إنساناً عادياً قادراً على التغير الإيجابي من خلال اجتيازه برامج إعادة تأهيل تسهل إعادة اندماجه في المجتمع. النظرة السلبية تعني ـ للأسف ـ أن السجين شخص غير قابل للشفاء، وأنه بات موصوماً بالانحراف أو الشذوذ لفترة طويلة.

لا أحد يلتفت إلى خطورة مقولة إن "السجن مدرسة لتعلم الجريمة". كم من الحالات دخل فيها يافع السجن لارتكابه جنحة، وبعد مرتين أو ثلاث خرج من السجن وقد تعلم فنون تهريب المخدرات مثلاً! لا أحد يشعر بالعار أو الحرج، أو يتذمر بسبب تزايد أعداد نزلاء السجون سنة بعد أخرى، أو لنقص العدالة الذي أدى إلى دخول اشخاص أبرياء إلى السجن ظلماً.

قلة من الناس يفكرون بالحواجز والعقبات التي تواجه السجين بعد خروجه من المعتقل، سواء في مجال العمل أو السكن أو لدى محاولته الحصول على رخصة سواقة أو للالتحاق بالدراسة. العديد منهم يضطر للكذب لإخفاء سنوات غيابه في السجن بزعم السفر خارج بلده للدراسة أو للعمل.منْ يفكر بعملية الانتقال هذه من السجن إلى المجتمع لدى من يريدون إعادة بناء حياتهم واندماجهم كمواطنين عاديين تلاحقهم لعنة السجن. وإذا كان الأمر شاقاً على الرجل، فهو أشد صعوبة على المرأة الخارجة للتو من المعتقل.

يتعامل المجتمع مع المسألة على قاعدة أنه ما دامت هناك "جريمة"، فلا بد من "عقاب". وربما تتأثر غالبية الناس في نظرتها تلك بما تردده وسائل الإعلام حول الأمر ، وبصورة السجين في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.

الاتفاقيات الدولية تنصف السجناء

تغيير الموقف السلبي الطاغي تجاه هذا الإنسان المواطن ليس صعباً. بوسع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني فعل الكثير للتوعية بقضايا السجناء وإصلاح نظرة المجتمع تجاههم، فأمامها وإلى جانبها ترسانة من الإسناد القانوني واللأخلاقي والديني الذي يساعدها في هذه المهمة.

نزيل السجن يظل بالرغم من الأحكام القيمية المسبقة ، إنساناً له حقوق وعليه واجبات. وإذا كانت الأخيرة معروفة، فمن المفيد تسليط بعض الضوء على حقوق السجناء التي قد لا تكون معروفة على نطاق واسع. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية جاء عام 1976 كي يفصل عدداً من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، وخصص واحدة من مواده للسجناء. تنص المادة العاشرة من العهد على أن "يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني". وتؤكد المادة على ضرورة الفصل بين الموقوفين والمحكومين، وبين الأحداث والبالغين، وتشدد على ضرورة أن يراعي نظام السجون معاملة المسجونين بطريقة "يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي". ونظراً لاهمية موضوع السجناء، فقد اعتمدت الأمم المتحدة منذ عام 1955 - أي قبل العهد المذكور بعقدين من الزمن ـ "مدونة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء"، وهي وثيقة التزم العديد من الدول بتنفيذ بنودها، دون أن يعني ذلك تحقيق "التنفيذ الفعلي"، كما جرت العادة!.

وفقاً لتلك "المدونة"، فإن الحقوق الإنسانية لنزلاء السجون هي: الحق في الحياة وسلامة الفرد، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو للمعاملة السيئة، الحق في الصحة، الحق في احترام الكرامة الإنسانية، الحق في التنفيذ العادل للقوانين، والحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت، الحق في التحرر من الاستعباد، والحق في حرية الرأي والفكر والحق في حرية الدين، والحق في احترام الحياة العائلية، والحق في التنمية الذاتية.

صحيح أن الصكوك والوثائق الدولية تولي الاهتمام الأكبر لظروف السجناء والمعتقلين في أثناء تواجدهم في السجون، إلا أنه يمكن الاستناد إلى القيم والمثل المحمولة في ثنايا تلك الوثائق لحث المجتمع والدولة على إيلاء المزيد من العناية بالسجين بصفته "إنساناً". في مقدمة ذلك الحث على احترام المدونة الدولية وتطبيق بنودها، والتخلص تدريجياً من النظرة المجتمعية السلبية والتمييزية ضد السجناء، وإعداد البرامج الكفيلة بتأهيلهم وبإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، دون أن يعني ذلك ـ ولو للحظة ـ الانتقاص من أهمية ردع الجريمة وضرورة إنزال العقوبة العادلة بمرتكبيها، والاستمرار في التوعية بخطورتها على المجتمع.

تطارد السجين حتى بعد توبته!: “لعنة” السجن تجافي الكرامة البشرية
 
24-Apr-2008
 
العدد 23