العدد 22 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

تتنافى العلاقة بين معدلات البطالة والنمو محلياً مع القاعدة الاقتصادية المتعارف عليها بأن معدلات البطالة تنخفض بزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وترتفع مع انخفاضها.

نتائج مسح البطالة عن العام الماضي، الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة ووزارة التخطيط، تظهر أن معدلات البطالة تراجعت في العام 2007 إلى 13.1 بالمئة عما كانت عليه في 2006.

لكن المعضلة الاقتصادية التي تحتاج إلى بحث، بحسب الخبير الاقتصادي يوسف منصور، أن «السنوات الست الماضية شهدت علاقة طردية غريبة بين معدلات النمو والبطالة، وهي ظاهرة لا بد من دراستها والوقوف عليها».

يقول منصور: «تفاخر الدول بمعدلات نموها ليس لأن معدلات النمو هي أرقام صمّاء بل لأن النمو يعني انخفاض البطالة وقدرة أكبر على توليد الوظائف، لكن ما نشاهده في الأردن أن معدلات النمو لا تنسجم مع نسب البطالة».

بحسب الأرقام الرسمية المعلنة، بلغ معدل البطالة عام 2002 معدل 15.8 بالمئة، بينما كان معدل النمو الحقيقي 5.8 بالمئة. ثم انخفض المعدل عام 2003 إلى 14.5 بالمئة بينما هبط معدل النمو وسط توقعات حرب العراق وتداعياتها على الأردن، فانحسر معدل النشاط الاقتصادي إلى 4.2 بالمئة.

ثم عادت البطالة للارتفاع إلى 14.7 بالمئة من قوى عاملة قوامها مليون وربع المليون نسمة، مع أن معدل النمو الاقتصادي في 2004 كان 8.6 بالمئة.

تأكيد العلاقة الطردية بين معدلات النمو والبطالة، كما يرى منصور يتجلى من خلال النظر إلى معدلات البطالة التي ارتفعت قليلاً في 2005 إلى 14.8 بالمئة، بينما انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 7.1 بالمئة في ذلك العام.

كذلك، استمرت معدلات البطالة في الانخفاض إلى 14 بالمئة عام 2006، يضيف منصور، بينما انخفض معدل النمو أيضا إلى 6.3 بالمئة.

جاءت أرقام آخر المسوحات لتشير أيضاً إلى انخفاض معدل البطالة إلى 13.1 بالمئة مع انخفاض معدل النمو الاقتصادي إلى 5.8 بالمئة.

يقول منصور: «في الأردن نواجه عكس ما يجب أن يحصل، وهو انخفاض معدلات البطالة مع ارتفاع وتيرة نمو الاقتصاد بما يدلل على توفير فرص عمل أكثر للقوة العاملة». كما تشير هذه الظاهرة أيضا إلى «أن الأردنيين يستفيدون من انحسار معدلات النمو، وهو ما لا يتماشى مع علم الاقتصاد أو المنطق».

تعود مسببات هذه الظاهرة الغريبة إلى أن النمو المتحقق خلال السنوات الماضية لم يتسبب، في غالبيته، في إيجاد وظائف للعمالة الأردنية بل حابى العمالة الأجنبية. يقول منصور إن النمو طال قطاع العقارات والبناء الذي يوظف، في غالبيته عمالة غير أردنية. فتوجيه الاستثمارات نحو قطاع البناء أدى إلى مزاحمة الاستثمارات الأخرى بعيداً عن السوق، فخلق فرص عمل لغير الأردنيين وتراجعت معدلات النمو في القطاعات الأخرى نسبياً على حساب قطاع العقارات.

السبب الثاني المحتمل، بحسب منصور، هو انخفاض إنتاجية العمالة الأردنية ما يدفع أصحاب العمل إلى توظيف عدد أكبر من العمالة الأردنية للقيام بالمهام نفسها. فحين تنحسر الاستثمارات الرأسمالية عن قطاعات مختلفة يقوم صاحب العمل بتوظيف عدد أكبر من العمّال ليقوموا بدور الآلة ومن ثم تزداد إنتاجية العامل بينما تنخفض إنتاجية المؤسسات الاقتصادية والاقتصاد بمجمله فينخفض بذلك معدل النمو بينما يزداد التوظيف، حسبما يشرح منصور.

من أسباب ابتعاد أصحاب العمل عن الاستثمار في قطاع الصناعة التحويلية مثلاً، وهي ثاني أكبر مشغّل في الأردن بعد قطاع تجارة التجزئة، ارتفاع أسعار آليات الإنتاج نتيجة لانخفاض سعر صرف الدينار ضد العملات الأخرى، باستثناء الدولار طبعاً. ويساهم في الابتعاد عن الاستثمار الرأسمالي (شراء الأدوات والمعدات) ارتفاع أسعار الفائدة بشكل متواصل منذ منتصف 2004 وحتى أواخر 2007 مع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة حين لازم معدل الخصم الذي يضعه البنك المركزي سعر الخصم في أميركا بارتباط تام في مرحلة الرفع، لكنه انفصل عنه أخيراً في مرحلة التخفيض نتيجة للسياسة المعلنة للبنك المركزي في الأردن، وهي محاربة الغلاء.

يوضح منصور أن ارتفاع كلفة الاستثمار الرأسمالي أدت الى توجه أصحاب العمل إلى استبدال رأس المال بالعمالة، لا سيما أن أكثر من 95 بالمئة من المؤسسات الإنتاجية في الأردن تعدّ من ذوات الحجم المتوسط (أقل من 50 عاملاً) والصغير (أقل من 25 عاملاً) وهي بأمس الحاجة إلى تعميق المحتوى الرأسمالي وتعظيمه في إنتاجها.

أحد مسببات العلاقة الطردية الاستثنائية كما يعتقد منصور مرتبط بازدياد توظيف الحكومة للعمالة في الفترة الماضية مع ارتفاع دخلها مما أدى أيضاً إلى تخفيض حجم البطالة، وبذلك تكون الحكومات السابقة منافساً رئيسياً للقطاع الخاص في استقطاب العمالة.

وبما أن إنتاج الحكومة لخدماتها لا يرتفع بنسبة التوظيف، وهي مشاهدة ميدانية واضحة، رافق هذا التوظيف تباطؤ في معدلات النمو، نتيجة انخفاض معدل الإنتاجية للعامل الأردني يقول منصور.

ويعزو منصور الخلل الى غياب الدراسات الموضوعية لآثار السياسات النقدية والمالية على الاقتصاد الأردني الكلي في السنوات الست الماضية، اذ إن علاقة أرقام النمو والبطالة أمر يجب دراسته للوقوف على السياسات المثلى المستقبلية لهذا البلد الغني بقيادته ورأسماله البشري.

يذكر منصور بالقاعدة الاقتصادية الكنزية التي وضعت عام 1930، وتنص على أن مواجهة البطالة المرتفعةممكن من خلال زيادة الإنفاق الحكومي أو تقليل الضرائب، وليس العكس (تقليل الإنفاق أو زيادة الضرائب أو كلاهما). فكلما ازداد الدخل المتاح (الدخل بعد الضريبة) للمواطن ازدادت قدرته على الإنفاق، وكلما أنفق أكثر أزداد التشغيل للعمالة ورأس المال، فارتفعت وتيرة النمو ودخل الحكومة لتسترد ما أنفقته. وهي قاعدة بسيطة ومنطقية، ليست بحاجة إلى تنظير أو اجتهاد أو «حرفنه» بحسب منصور.

من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن أي نمو اقتصادي لا يولد فرص عمل هو نمو غير مكتمل. ويضيف إن الاقتصاد حقق معدلات نمو بلغت بالمتوسط 6 بالمئة، لكن ارتفاع معدلات التضخم والنمو السكاني التهما نمو الناتج المحلي الاجمالي.

ارتباط الاستثمارات بالعقار والأراضي أدى الى تدني عدد الوظائف المتولدة والتي تناسب مؤهلات القوى العاملة الاردنية التي قوامها مليون وربع المليون نسمة .

بلغت الاستثمارات التي استفادت من امتيازات قانون تشجيع الاستثمار ملياري دينار بحسب أرقام مؤسسة تشجيع الاستثمار، لكنها في الوقت نفسه عجزت عن توليد فرص العمل المتوقعة منها التي تقدر بفرصة عمل واحدة لكل 25 مليون دينار، اذ كان يرجح أن تؤمن 80 ألف فرصة عمل قياسا بقيمة الاستثمار.

دور وزارة العمل التي تعد الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم سوق العمل ما زال محكوماً بخطة عمل غير واضحة المعالم، بحسب عايش الذي يدعو الى خلق دور جديد للوزراة يركز على التدريب والتأهيل.

يطالب عايش يتغيير مسميات عدد من الوزارات ليناسب مهامها الجديدة لتصبح وزارة العمل، على سبيل المثال، وزارة التشغيل والتدريب وتتحول الصناعة والتجارة الى وزارة الأسواق الجديدة.

تركز الاستثمار في العقار لا يخدم سوق العمل
 
17-Apr-2008
 
العدد 22