العدد 22 - كتاب | ||||||||||||||
يندفع الاقتصاد الأردني، بوتيرة متسارعة، في اتجاه الاقتراب أوالوقوع في حفرة أزمة «الركود التضخمي» التي يجتمع فيها حالة تضخمية يرافقها في الوقت نفسه تباطؤ نتيجة ركود في النشاط الاقتصادي، وهي مشكلة لم تكن تحدث في السابق إلاّ نادراً في الاقتصاد الأردني، كما في الاقتصاديات الرأسمالية الأخرى المتطورة منها وتلك التي تسير في بداية طريق تطورها. في السابق كان يحدث أحدهما في غياب الآخر، فإذا تعرض الاقتصاد إلى دورة تباطؤ، فإن التضخم يبتعد عن الارتفاع أو حيثما يمكن أن تتجه الأسعار إلى الهبوط والعكس صحيح. يبدو، وكما يميل إلى ذلك العديد من المحللين الاقتصاديين الموضوعيين، أن السبب الرئيسي الذي كان وراء حدوث ظاهرة «الركود التضخمي» مؤخراً يكمن في اتساع «فوضى الاقتصاد» التي رافقت إعادة مساره إلى الجذور وبدايات الرأسمالية، وتبني سياسات اقتصاد السوق الرأسمالي في إطلاق الحرية الواسعة للنشاط الاقتصادي المنفلت من عقاله بعيداً عن قيود وتقنيات قانونية. الحالة التضخمية في الأردن واضحة ولا خلاف حول وجودها بل إنها اتجهت إلى التنامي في السنوات الأخيرة من 3.5 بالمئة في 2005 إلى 6.3بالمئة في 2006، صعودا الى 5.4بالمئة في 2007، وكانت النسبة عالية في السنة الأخيرة رغم ثبات أسعار المحروقات خلالها، فيما اتسعت واشتدت موجة التضخم بسرعة وبنسب عالية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2008 ليسجل نسبة 10.76بالمئة . لا شك أن حدة حالة التضخم في البلاد تظهر أكثر عندما نلاحظ نسب ارتفاع تزيد على ضعف النسبة العامة لأسعار مجموعات سلعية أساسية، ومنها مجموعة الوقود والإنارة بنسبة 34بالمئة، الألبان والبيض 32 بالمئة، مجموعة الحبوب 24 بالمئة، الفواكه 23 بالمئة، الزيوت والدهون بنسبة 21بالمئة، والبقول 24بالمئة، وجميعها مرشحة للارتفاع والتفاقم أكثر في الفترة القادمة. المشكلة أن الحالة التضخمية لم تقابل بانتعاش في الاقتصاد يحمل معه ايجابيات تواجه مشاكل التضخم، كما كان يحدث سابقاً، فمؤشرات الاقتصاد تبين خطاً بيانياً متصاعداً للتباطؤ الممهد للركود في أكثر من فرع اقتصادي، كما هو الحال الآن في أسواق الألبسة، سوق السيارات، متاجر السلع الاستهلاكية المعمرة، وفي المتاجر الصغيرة على اختلاف أنواعها، إلى جانب التباطؤ المتصاعد في سوق تأجير المكاتب والمحلات التجارية. التضخم يتزامن مع التباطؤ في الاقتصاد، وفي موازاة ذلك سيكون هناك اتساع كبير في أرقام ومعدلات الفقر والبطالة في البلاد. مواجهة حالة «الركود التضخمي» ليست سهلة على الإطلاق، ولعل المدخل الأفضل لهذه الطريق الصعبة يتطلب أن تكون البداية في معالجة الأسباب الأساسية للغلاء التي يأتي على قمة أسبابه حالات رفع أسعار المحروقات، إلغاء الدعم لأسعار السلع الأساسية، تبني ضريبة المبيعات كضريبة أساسية، ثم نهج السياسة النقدية للبنك المركزي التي ربطت سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي المتدهور في سعر صرفه مقابل العملات الأخرى، والأهم تواصل ضعف وتراجع القاعدة الإنتاجية التنموية لقطاع الصناعة والزراعة. يتبع ذلك تبني وتطبيق سلّة أو سلسلة من التوجيهات والسياسات والقرارات الجديدة المتعارضة مع العوامل التي ولدت الأزمة المزدوجة في الاقتصاد الأردني وفي نطاق تخطيط اقتصادي، وتدخل فعّال ومتعدد الجوانب للحكومة في الإدارة الاقتصادية والاجتماعية. |
|
|||||||||||||