العدد 4 - أردني
 

على غير الكتب الملكية السابقة، خلا كتاب التكليف الموجه لحكومة نادر الذهبي من أي إشارة مباشرة إلى تعديل قانون الانتخاب المثير للجدل، ما رأت فيه أوساط سياسية إزاحة عن مشروع الإصلاح السياسي مقابل التركيز على متلازمتي الاقتصاد والوضع الاجتماعي، في بلد مقبل على موجة ارتفاع أسعار وسط حرائق مستعرة في الإقليم.

فبينما انحصر الملف السياسي بإصلاحات في البيئة التشريعية بشكل عام دون الخوض في التفاصيل لا سيما قانون الانتخابات، ركّز كتاب التكليف على «وحدة الجبهة الداخلية» والإبتعاد عن «الغلو والتطرف» فضلا عن تطوير الاقتصاد.

هذه المفردات ابتعدت عن مضامين كتب التكليف السابقة منذ حكومة علي أبو الراغب الأولى عام 2000 إذ انتظمها تركيز على الإصلاح والتعددية السياسية مع المطالبة بإنجاز «قانون انتخاب عصري».

منذ ذلك التاريخ هزّت المنطقة سلسلة انفجارات، تداعت أنظمة وانهارت دول على وقع «الغزوة الجوية» على نيويورك وواشنطن في خريف 2001. بالتوازي طرأت تغييرات جذرية في المجتمع الأردني وتآكلت مداخيل المواطنين مع اختراق برميل النفط حاجز ال100 دولار لأول مرة منذ اكتشافه مطلع القرن الماضي.

عودة إلى كتب التكليف السابقة في عهد الملك عبد الله الثاني الذي اعتلى العرش عام 1999. فكتاب تكليف حكومة فيصل الفايز (2004) دعا للشروع بإعداد قوانين عصرية تساهم بإنجاح التنمية السياسية، بما في ذلك قانون أحزاب متطور وآخر للانتخابات فضلا عن انفتاح سياسى على فعاليات المجتمع المدني.

( حكومة عدنان بدران عام 2005 ) تلقت كتابا مشابها طالبها ببناء علاقات متوازية مع القوى السياسية من أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، فضلا عن إعادة دراسة التقسيمات الادارية لتحقيق اللامركزية. في ذلك الوقت ظهرت فكرة الأقاليم (شمال، وسط وجنوب) تبعها بناء أجندة وطنية شاملة مثلت خريطة طريق متكاملة لمختلف قطاعات الدولة حتى العام 2015.

في خريف العام 2005 نص كتاب التكليف الملكي الموجه لحكومة معروف البخيت صراحة على مطالبة الحكومة بسنّ جملة قوانين تحت بند عاجل على ضوء مخرجات لجنتي الأجندة والاقاليم، وأن تتوخّى العصرية والعدالة والمتغيرات في قانون جديد للانتخاب وآخر للأحزاب وثالث للبلديات.

إلا أن حكومة البخيت لم تضع قانون انتخابات جديدا بل أجرت الانتخابات في ظل قانون الصوت الواحد النافذ منذ العام 1993، والمعدل بقانون مؤقت في حكومة أبو الراغب العام 2003.

تركيبة مجلس النوّاب الخامس عشر تخلو من قوى سياسية ومعارضة في ظل فشل الحركة الإسلامية في الاحتفاظ بمساحة نفوذها السابقة بعد أن تراجعت حصتها من 16 إلى ستة مقاعد، بحسب نواب ومسؤولين سابقين. تتحدث هذه المصادر عن “بروز طبقة رجال أعمال وشيوخ عشائر قليلي الخبرة والتجربة” تحت القبة البرلمانية في ظل “عقم سياسي” ساهم “قانون الصوت الواحد” بإنتاجه، وقلّل فرص تجديد النخب السياسية في البلاد.

“النصاب السياسي تراجع لمصلحة النصاب الاقتصادي”، يؤكد المحلل والأكاديمي مهند مبيضين، الذي يرى أن “الاقتصاد والاجتماع باتا في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة كما رسم معالمها كتاب التكليف السامي الذي أولى الشأن المحلي أولوية ملحوظة”. ويرى مبيضين أن “إجراء انتخابات نيابية في وقتها المحدد أدى إلى تقدّم ملف الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي على ملف الإصلاح السياسي”.

يلحظ مبيضين ايضا أن “كتاب التكليف لم يقيد الحكومة بأي مرجعية»، وإنما اكتفى وضع «الأجندة الوطنية ووثيقة كلنا الأردن موضع الاستئناس، بحيث تكون الحاجات والأولويات المجتمعية هي مجال الاستشعار والموجه الحقيقي لخيارات العمل القادم».

الارتداد إلى الاقتصاد والاجتماع كأولوية راهنة ومقدمة على غيرها، يدل على أن «الإصلاح السياسي يحتاج بنية تحتية متماسكة في عيش المواطن»، على ما يرى مبيضين. ويتساءل «ما فائدة الحزبية والمواطن يشكو من انعدام التساوي في الفرص؟ فما فائدة الحديث عن اقتصاد معرفي في ظل عدم توافر مقاعد في غرف صفية نائية؟»

وزير التنمية السياسية السابق صبري ربيحات يحمل طرحاً مغايراً إذ يشخّص استمرارية في مشاريع الإصلاح السياسي، لكن الأولوية للقضايا الإجرائية الآنية.

ويرى ربيحات أن “الحكومة تقف أمام برنامج إجرائي ضمن إطار زمني محدد يتعلق بقضايا تنفيذية تتعلق بمشاريع الإسكان والصحة ورفع الاجور والقضايا المرتبطة بحياة الناس”. لكنه يعتبر في المقابل أن “لا تراجع عن مشروع الاصلاح السياسي، وانما ادامة هذا السعي من خلال ربط أولويات المرحلة لما هو موجود” .

الظروف التاريخية السياسية والجغرافية والاجتماعية تلعب دورا مهما في تشكيل الحكومات، حسب رأي ربيحات وسط إقليم يشهد حالة من عدم الاستقرار في دول المنطقة من فلسطين ولبنان مرورا بالعراق وانتهاء بايران .

ولأن العالم يناقش قضية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والحل النهائي حاليا، يرى ربيحات ان هذا يحول دون اتخاذ اجراء سريع في قضية الإصلاح السياسي، مضيفاً “هذه الظروف تجعل الأولوية الأمنية مقدمة على كل الأولويات، فالتخلص من هذا التهديد يكون بالتماسك الداخلي وسن التشريعات التي تثمن الانجازت، وعدم القفز من قضية الى اخرى”.

ولا يغفل ربيحات أن الجانب الاقتصادي يلقي بظلاله على كتاب التكليف، بايراده اهدافا محددة تتعلق بربط الأجور بالتضخم والتنافسية وتحسين الأداء، اضافة الى تفعيل العلاقة التشاركية مع القطاع الخاص .

يقول ربيحات إن مسارات الأمن الداخلي والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلاقات العربية والدولية والجوانب الخدمية أبرز ملامح كتاب التكليف الذي يسنتبط قيم العدالة ونبذ العنف والتطرف من رسالة عمـان.

ويلفت ربيحات الى ما اسماه “سوء فهم” حول مشروع الأجندة الوطنية وضرورة تطبيقها فوراً، معتبراً أن هذا المشروع (الأجندة) اصلاحي يمتد لعشر سنوات من التخطيط والتطوير في مختلف قطاعات الدولة.

وزير التنمية الساسية في حكومة معروف البخيت السابقة محمد العوران يتفق مع ربيحات حيال حساسية الفترة الزمنية التي تم فيها تكليف الحكومة، معتبرا انها فترة “محيرة للاردن”، وهو ما أوجب ان يشغل الجانب الاقتصادي وارتفاع اسعار النفط والوضع المعيشي للمواطنين حيزا كبيرا في كتاب التكليف.

كذلك يتوقع العوران أن يكون العام المقبل “من اصعب الأعوام (في تاريخ المملكة) ما يوجب على الحكومة تحضير الخطط والعمل على تطوير الكثير من مناحي الحياة الاقتصادية”. ويرفض الوزير السابق القادم من خندق الأحزاب القومية الربط بين انهيار المشروع الاميركي “الشرق الاوسط الكبير” وتخلي واشنطن عن دعواتها لنشر الديمقراطية وبين تراجع الاردن عن الاصلاح السياسي. ويرى أن الأردن هو صاحب القرار في ما يخص قضاياه الداخلية.

الاقتصاد يتقدم على الإصلاح السياسي – منصور المعلا
 
29-Nov-2007
 
العدد 4