العدد 22 - حريات
 

سامر خير أحمد

ثارت "سمية" (41 عاماً) حين عرضت عليها خالتها الزواج من رجل خمسيني يبحث عن شريكة جديدة لحياته بعد أن توفيت زوجته، معتبرة أن في العرض إهانة لها، لا يبررها تأخرها في الزواج. فهي ترى أن ذاك الرجل يبحث في الحقيقة عن خادمة تتولى شؤونه، لا عن زوجة. وتوضح "سمية" أن الأمر ينطوي على تدخل في حياتها الشخصية، ويندرج في إطار "النظرة الدونية" التي تتعرض لها الفتاة التي تأخرت في الزواج، في مجتمعنا، قياساً بالمتزوجات. وتقول إنها سعيدة بحياتها ومتكيفة معها، ولا تجد أن ثمة ضرورة لأن تتصرف وكأنها "ذات حظ ناقص"، فترضى بالقليل، فهي ستتعامل مع الحياة بالطريقة نفسها، سواء بزوج أو بدونه.

مثل "سمية" هنالك كثيرات ممن تثير حفيظتهن طريقة تعامل المجتمع غير اللطيفة معهن، نتيجة تأخرهن في الزواج، بشكل يختلف مع تعامل هذا المجتمع مع الرجال الذين يتأخرون في الزواج.

تقارن "آمنة" (39 عاماً) بين الطريقة التي يُعاملها بها زملاؤها في العمل، والطريقة التي يعاملون بها زميلاً آخر لم يتزوج حتى الآن، برغم أنه في سن قريب من سنها، فتعتبر أن تصرفاتها محسوبة عليها، إذ يقوم كل من حولها بتفسير تقرّبها من أي شخص باعتباره محاولة لإقناعه بالزواج منها، ويسألونها عن كل شاردة وواردة تحدث معها أثناء العمل، بما في ذلك اتصالاتها الهاتفية، أما زميلها غير المتزوج، فـ"ذنبه مغفور" كما تقول، ولا يسأله أحد عن سلوكه مع الزبائن من النساء، ولا عن اتصالاته الهاتفية مع فتيات من خارج العمل، وتستنتج أن الفتاة تصبح متهمة إذا تأخرت في الزواج، برغم أن الأمر ليس في يدها، أما الشاب فلا يصير كذلك، برغم أن الأمر في يده تماماً! ما يؤشر –برأيها- على تناقض عجيب في أحكام المجتمع وتفسيره للأشياء.

هناء (33 عاماً) تزوجت قبل سنتين، لكنها كانت قبل ذلك تتعرض لكثير من المضايقات النفسية والمعنوية غير المباشرة، من قبل قريباتها والمحيطين بها، بخاصة حين يشيرون لها في كل مناسبة خطوبة أو زواج بقول "عقبالك"، ما كان يشعرها بأنها في خطر حقيقي، وأن عليها الزواج في أقرب فرصة. وتقول إنها لو كانت شاباً، لما أثارت تلك الكلمة الذعر في نفسها، فالشاب يتزوج حين يشاء، ولهذا يجيب قريب لها لم يتزوج بعد رغم أنه بات في أواخر الثلاثينيات من عمره، على كلمة "عقبالك" بأن الوقت ما يزال مبكراً (لسّه بكير)، وهذا طبيعي، فالمجتمع لا يحاسبه على تأخر زواجه، وإن كان يتمنى عليه الإسراع بالزواج.

وتضيف أن زميلة لها في مثل سنها، لم تتزوج حتى الآن، كانت تحثها على عدم الالتفات لتلك المضايقات غير المباشرة، وتؤكد لها أن المهم ليس الزواج بذاته، بل ماهية الزوج وشخصيته، فقضاء العمر من غير زواج أفضل مئة مرة من قضائه مع زوج غير مناسب. وتشير "هناء" إلى أن هذه القاعدة غير معتمدة عند كثير من الفتيات، فالعديدات يوافقن على الزواج حتى لو كان الخاطب غير مناسب، من النواحي الاجتماعية أو التعليمية أو غيرها، بهدف الهروب من نظرة المجتمع غير الطيبة تجاه من تتأخرن في الزواج، فتكون النتيجة أنهن يقعن ضحية لمفاهيم المجتمع، ويعشن حياة متوترة مليئة بالمشاكل.

وتوضح "هناء" أن نظرة المجتمع غير الطيبة، تتعمق حين تكون الفتاة التي تأخرت في الزواج، قد رفضت خاطباً أو أكثر قبل أن تتقدم في العمر، إذ تُتهم حينها بأنها السبب في تأخر زواجها، من دون نظر لأهلية هؤلاء الخاطبين من عدمها، وكأنه ليس من حقها أن تختار زوجاً يلبي طموحاتها، وتقول مثلاً إن صديقة لها في مثل سنها أيضاً، تحمل شهادة البكالوريوس وتعمل معلمة، لم تتزوج بعد وقد رفضت سابقاً خاطبين غير متعلمين، أحدهما يعمل في محل ميكانيك والآخر يعمل نجاراً، لأنها اعتبرت أنهما غير مناسبين لها، وتتساءل: هل كان يجب عليها الموافقة على زوج لا تتقبله، إرضاءً لهذا المجتمع؟!

لكن "محمود" (37 عاماً)، وهو متزوج منذ عدة شهور فقط، لا يتفق مع مقولة أن الشاب الذي يتأخر في الزواج يكون ذنبه مغفوراً لدى المجتمع، بل يعتقد أن الأمر يرجع للفارق في تحديد سن "تأخر الزواج" بين الشاب والفتاة، فيقول إن المجتمع تعارف على أن الفتاة تكون قد تأخرت في الزواج حين يتجاوز عمرها الثلاثين عاماً، أما الشاب فيكون قد تأخر في الزواج حين يتجاوز الأربعين من عمره، ولهذا يضغط المجتمع على الفتاة التي بلغت 35 عاماً من عمرها، مثلاً، من دون زواج، بينما يكون ضغطه أقل على الشاب في السن نفسه. ويؤكد أن الشاب لا يكون في معزل عن مثل تلك المضايقات النفسية غير المباشرة التي تتعرض لها الفتيات المتأخرات في الزواج، ولكنها قد تكون أقل، ومحصورة في محيط العائلة الضيق، وبرغم ذلك فإن الشاب الذي يتأخر في الزواج يُتهم من قبل المجتمع بإقامة علاقات غير مشروعة مع فتيات، باعتبار أنه هو صاحب قرار الزواج، وهي تهمة يرى "محمود" أنها لا تطال عادة الفتيات اللاتي يتأخر زواجهن، فالمجتمع يعرف أن قرار الزواج ليس بأيديهن، وإلا لكنّ تزوجن مبكراً!.

في كل الأحوال، فإن المجتمع يمارس ضغوطه على الشبان والفتيات في موضوع الزواج، محاولاً إخضاعهم لمعاييره في هذا الشأن، التي عادة ما تفضل المتزوجين على غير المتزوجين. أليس في هذه الضغوط، إذاً، تدخلاً في خيارات المرء الشخصية وخصوصياته؟!

للتعليق وإبداء الرأي: www.al-sijill.com

التأخر في الزواج.. شبان تحت رقابة المجتمع
 
17-Apr-2008
 
العدد 22