العدد 22 - حريات
 

لمى فتاة في العشرين من عمرها، تبهرك بقامتها الممشوقة، خصرها النحيل وعينيها العسليتين الواسعتين ويزينها عقد لؤلؤي يتدلى من جيدها، لكن أكثر ما يلفت نظرك فيها؛ حجاب تضعه على رأسها "تفننت" في لفه حتى بدا مثل الإكليل.

حال لمى حال الكثيرات من الفتيات المحجبات هذه الأيام، فهن وإن ارتدين الحجاب لا يترددن في التماشي مع الموضة والتقليعات الحديثة. البعض قد يرى في الأمر تماهياً طبيعياً مع مجريات التطور، آخرون يرونه تناقضاً مع الذات.

تقول لمى، طالبة اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية، "أعرف أن لبسي غير كامل، ولكنه يعجبني. أحب أن أبدو جميلة، ثم إن أخواتي وأمي يضعن الحجاب بالطريقة نفسها." وتصر لمى على أنها لن تخلع الحجاب مهما كان.

هذا "الشعور" بأن ثمة شيئاً مفقوداً، وهذه الرغبة في أن تبدو الفتاة "جميلة"، وهذا التأثر بالمحيط "الاجتماعي" تجلى في كل مقابلاتنا مع الفتيات -والشبان- أثناء بحثنا عما إذا كان هذا الطراز من الحجاب نوعاً من التغريد خارج السرب، أم توجهاً طبيعياً في مرحلة عمرية معينة.

وجهات نظر مختلفة

آية طالبة علم النفس في الجامعة نفسها، من سكان ماركا، تقول إنها لم تعد تجد في السوق ما يلبي حاجة المحجبة، وبخاصة أنها حديثة العهد بالحجاب، وتضيف "كل المتوافر هو اللباس الضيق القصير". وتشير آية إلى أنها واجهت في البداية معارضة وعدم استحسان من أهلها – وبخاصة أشقاؤها – عندما اتخذت الحجاب مع احتفاظها بالجينز والبلوز الضيق القصير. لكنهم تقبلوها الآن. في المقابل ما تزال آية تجد صعوبة في التعامل مع زملائها الذين لا ينفكون يلقون التعليقات الجارحة أحياناً.

ديما طالبة الإرشاد، تذهب بالتعليقات إلى بعد آخر، وتعتبر أن الفتاة ترغب في أن تكون "أنيقة" حتى تتجنب تهكم الشباب، ما يدفعها إلى هذا اللباس "العصري". وتصر على أن اللباس في محصلته النهائية يجب أن يكون "حرية شخصية" لا يخضع لضغوط لأن "كل مرغوب ممنوع".

لكن عبد الله، طالب الإنجليزية في الجامعة نفسها، يحمل وجهة نظر أخرى، إذ يعتبر أن هذا النوع من الحجاب "مدعاة للضحك"، ويرفض الخضوع لقوانين "سوق الأزياء" مبرراً للاكتفاء بوضع غطاء على الرأس دون الأخذ ببقية شروط "اللباس الشرعي". عبد الله يعتبر أن على الفتاة ألا تعير اهتماماً لما يقوله الشاب، على أساس أن "الشباب سيظلون يلقون التعليقات كيفما اتفق."

ويقترح عبد الله أن تتخلى هؤلاء الفتيات عن الحجاب باعتبار أنهن "يسئن إليه" بكل أشكاله. لكن آية وديما تصران على أن الحجاب على هذه الشاكلة إنما هو "خطوة إلى الأمام" باتجاه "التزام كامل" بشكل من الأشكال. أما دعاء، وهي طالبة أخرى في قسم الإرشاد، فتعتبر أنه لا يجوز أن نضيق "الخناق" على الفتاة المسلمة، فلا بد من منحها مجالاً "للتنفس" في هذا العالم "المعقد"، وتدلل في ذلك على زيادة عدد المحجبات في المجتمع.

الحجاب والتطور

أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة الأردنية، موسى اشتيوي، يعتبر الأمر طبيعياً باعتباره "جزءاً من عملية التطور والتطويع المتماشي مع التغير الحاصل في المجتمع من تعليم وتحضر." اشتيوي يقول: إن للحجاب على هذه الشاكلة ثلاثة أبعاد: أولها اجتماعي فهو يعكس "التفاوت" بين الناس من حيث المستوى المادي، والثقافي، من حيث أن "الناس لا تحب أن تبدو متشابهة." والبعد الثاني شخصي يتعلق بدوافع التحجب من ناحية، "فمن السيدات من تضع الحجاب تدينا ومنهن من يضعنه لأسباب اجتماعية – رغبة الأهل أو لتفادي تحرشات الآخرين، أو استجابـــة لبيئة مجتمعية معينة." ومن ناحية أخرى فإنه يتعلق برغبة المرأة في أن تبـــدو "جميلة وأنيقــــة حتى لو كانت تلبس الحجــــاب." أما البعد الثالث فهو اقتصادي بحت يتعلق "بالأزياء" التي تفرضها الأسواق التي تخضع لمبدأ المنافسة، ويقول "من يصنع اللباس أو الحجاب يختلف عمن يضعه."

الحجاب والإيمان

أحمد نوفل، أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية، يتفق مع اشتيوي في أن "دعاة" هذا الحجاب يحاولون "الإمساك بالعصا من المنتصف فيكونون مع الدين في زاوية ومع الأزياء والموضة في زاوية أخرى." لكن نوفل يعتبر أنه ابتعاد عن "جدية الحجاب وما ينبغي له من صدق والتزام وإيمان."

نوفل يذهب بالأمر بعيداً حين يضعه في إطار الجو العربي والإسلامي العام، ويراه تعبيراً عن "الإحباط الذي أصاب الناس في ضوء تراجع المشروع العربي والقومي." ويقول إن "هذه المظاهر السلوكية البسيطة لها ارتدادات اجتماعية عميقة تنعكس في ثقافة الانهزام والانبهار والانقهار للخارج والقوى المتغطرسة». نوفل يدعو إلى مراجعة سيكولوجية واجتماعية وثقافية عامة حتى "نصل لأحكام صحيحة" على مجريات الأمور.

تتعدد الآراء ووجهات النظر في هذا "الحجاب الجديد" – إن جاز التعبير. قد يجيزه البعض إذا أخضعوه لميزان "الحرية الشخصية"، وقد يحظره آخرون إذا أخضعوه لمسطرة "اللباس الشرعي". لكنه يظل كغيره من طرز اللباس جزءاً من جدلية "المظهر والسلوك" و"المظهر والبيئة".

الحجاب الجديد: بين تقليعات الموضة والالتزام الديني
 
17-Apr-2008
 
العدد 22