العدد 22 - حريات | ||||||||||||||
هي مساحة من الخيال والأحلام، فيها شيء مختلف يشدك إليه لأن فيها ما يشبهك كإنسان، كمواطن، ككائن. فيها من خصوصية الزمان والمكان والموضوع ما يسمح لك بأن تدعو إليها من تشاء ممن يشبهونك أو يختلفون عنك – فهي مكان يتسع للجميع. إنها المدونات BLOGS. يرجح باتر وردم الصحفي والمدون صاحب المرصد الأردني JORDANWATCH أن تكون المدونات بدأت في الأردن في النصف الثاني من عام 2005، ونشأت بدافع التحدث عن شؤون البلد. من أقدم المواقع موقع (قضايا أردنية) JORDANIAN ISSUES وموقع (ما الجديد في الأردن) WHAT>S UP IN JORDAN. تركزت المدونات، في جزء كبير منها، على تفجيرات عمان التي حدثت في تشرين الثاني من عام 2005 فكانت تنقل الصور والأخبار التي قد لا تقدمها وسائل الإعلام المختلفة الأرضية والفضائية المحلية والعالمية. وهكذا كانت المدونات "قوة إعلامية فارقة" بحسب رنا شاور صاحبة مدونة SHAWAR2. تقول شاور الكاتبة في يومية الرأي إن "المدونة توصل الفكرة بشكل أسرع من الصحافة التقليدية ومن دون رقابة." "أن تكتب باسم مستعار يتيح لك مجالاً أكبر من الحرية في التعبير دون عواقب، لأن المجتمع ما يزال حتى الآن عاجزاً عن تقبل الرأي الآخر،" والكلام هنا لوردم الذي يضيف أن "المدونة تتيح مجالاً أكبر وخلاقاً أكثر مما هي الحال في الصحف المحلية". وردم الذي يكتب عموداً يومياً في الدستور نشر مقالاً على مدونته الأسبوع الفائت لم يستطع نشره في الدستور. ويعلق "من حق مؤسسة النشر أن تمتنع عن نشر ما قد يتجاوز القوانين المتخلفة المعمول بها في الأردن. على أي حال، ولحسن الحظ، فإن وجود المدونات يساهم في تجاوز الوصاية على التعبير." حرية سقفها السماء؟ ما من شك في أن سقف الحرية في المدونات يبدو واضحاً في أسلوب الطرح ولغته وحتى المواضيع المتناولة التي لا تخلو من غمز ولمز لجهة هنا أو هناك. فكيف تتمتع المدونة بهذه الحرية التي قد لا تتوافر لوسائل إعلام أخرى في البلد؟ وردم يرد «لم تتطور المدونات بعد لتتخذ بعداً سياسياً حقيقياً في الأردن، فهي ما تزال متواضعة في هذا الأمر.» ويقارن بين المدونات الأردنية وتلك المصرية التي أصبحت «أداة سياسية للمعارضة»، ما أدى إلى اعتقالات وصدور أحكام بوقف أكثر من مدونة. وفي حالة خاصة تم اعتقال صاحب مدونة. «أما الأردن فالتعبير ما يزال على مستوى الفرد والشخص». وردم يضيف أن انتشار الإنترنت ما يزال دون المطلوب «12بالمئة فقط من السكان يتمتعون بهذه الميزة وربما 1بالمئة منهم فقط يتعاملون بالمدونات.» مدونة بلا تعليق لكن المفارقة تأتي عندما يضطر صاحب المدونة إلى أن يمارس دور الرقيب. شاور تقول إنها فكرت أكثر من مرة في شطب مدونتها، لأنها «تحولت من مساحة للحرية إلى مساحة للتهجم الشخصي من دون وجه حق،» وتضيف أنها اضطرت لوضع قيود على التعليقات على المواضيع المعروضة بحيث تنحصر في الأعضاء المسجلين في الموقع الذي يستضيف مدونتها والذين يعلقون بأسمائهم الحقيقية وليس المستعارة، كما هو واضح في مقالتها «هذه المدوّنة لا تسمح بالتعليق للعامّة». شاور، تؤكد أن النقد مسموح به على مدونتها، ولكن ليس التجريح الموجه إلى المدون أو إلى شخص آخر. وتضيف أن زملاء لها أوشكوا على شطب مدوناتهم بسبب التعليقات الجارحة. «الهروب إلى شاشات باردة» بأي حال، هذا «الفضاء الحر» لا شك أنه كان متنفساً لكثير من الصحفيين والشباب ولمهتمين بالشأن العام ليس بصفتهم المهنية، وإنما بصفتهم الإنسانية باعتبارهم مقيمين في هذا البلد. ياسين الهياجنة، أستاذ المعلوماتية والإدارة الصحية في جامعة العلوم والتكنولوجيا صاحب مدونة THE INFORMATICIAN يقول إنه يشعر "بعظيم الرضا" عندما يكتب عن أشياء تزعجه وإلا تظل جاثمة على صدره؛ أو عندما يشترك في الحوار مع طلاب أردنيين وعرب حول مسائل قد لا تتسع لها ساعات الدرس. نسيم الطراونة، صاحب السوسنة السوداء BLACK IRIS يقول إن المدونة "تسجيل لحياة شاب في الرابعة والعشرين؛ من الرحلات الثقافية إلى الخربشات الشعرية التي تتناول شؤوناً أردنية من السياسة والاقتصاد إلى رحلة التحول غير العادية التي تمر بها هذه الأمة". سليمان الشاب العشريني الذي هجر مدونته منذ مدة حتى نسي كلمة العبور يقول إنه ما يزال يجول في المدونات؛ يطلع على أحوال الناس وخبراتهم وقراءاتهم لما يصير من حولهم. المدونات، إذاً باتت توثيقاً لمزاج الناس ومرآة للجانب الآخر الذي قد يغفله الإعلام التقليدي بقصد أو بغير قصد. وإن كانت قد بدأت في الغرب مجرد تدوين لمذكرات شخصية، فلا شك أنها اكتسبت في بلداننا دلالات أكثر شمولاً في غياب منصات حرة للرأي والحوار. وباستعارة كلمات شاور يبدو أن اللجوء إلى المدونات هو أشبه «بهروب إلى شاشات باردة من صقيع أبرد». |
|
|||||||||||||