العدد 22 - دولي
 

بدأ رئيس وزراء إيطاليا السابق سلفيو بيرلسكوني استعدادته لتشكيل حكومة هي الثالثة خلال 14عاما، بعد عودته بقوة إلى المشهد السياسي الإيطالي بحصول تحالف أحزاب اليمين التي قادها، على أغلبية مريحة في مجلس النواب الذي يضم 360 مقعدا.

عودة بيرلسكوني أحيطت بعدد من الظواهر الجديدة على السياسة الإيطالية، فقد شهدت إيطاليا أخيرا انعطافة واضحة نحو اليمين في مجتمع كان اليسار فيها على درجة كبيرة من القوة والنفوذ. فالتحالف اليميني الذي قاده بيرلسكوني يضم بقايا الحزب الفاشستي القديم بزعامة جانفرانكو فيني، وحزب رابطة الشمال بزعامة أمبرتو روسي، الذي يمثل رأس المال الكبير في شمال إيطاليا، كما يضم شخصيات لها ارتباطات واضحة مع عصابات «كوزا نوسترا» التي تمثل مافيات وسط إيطاليا، مثل مارتشيلو ديللوتري الذي يواجه تهما بهذا الشأن، وقد ذكرت تقارير نشرتها أكثر من صحيفة إيطالية أن تحقيقا أجري معه لأنه حاول تزوير 50 ألف صوت في منطقة كالابريا التي تنشط فيها تلك العصابات.

دليل آخر على تغير خارطة التوجهات السياسية في إيطاليا، هو أن حزب رابطة الشمال اليميني المعادي للمهاجرين والمطالب بانفصال الشمال المزدهر اقتصاديا عن الجنوب الذي يعتبره الحزب متخلفا، ضاعف عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، فيما فقد تحالف ضم الشيوعيين والخضر حظوته عند الناخبين وخسر معظم المقاعد التي تقدم لها أمام مرشحي اليمين، ما يعني أن البرلمان الجديد لن يشهد استقطابا يساريا يمينيا، مثلما كان الوضع على الدوام منذ الحرب العالمية الثانية، بل استقطابا بين اليمين ويسار الوسط الذي خاض الانتخابات الرئاسية بالمرشح والتر فلتروني، الشيوعي السابق الذي تحول مع القسم الأكبر من الحزب الشيوعي الإيطالي في أواخر الثمانينيات إلى حزب اليسار، قبل أن يتحالف مع الليبراليين الإيطاليين تحت اسم التحالف الديمقراطي ويخوض الانتخابات تحت رايته.

مظهر آخر من مظاهر التغير في المشهد السياسي الإيطالي، هو عزوف الناخبين عن المشاركة في العملية الانتخابية في بلد يعد الأكثر اهتماما بالقضايا السياسية بين دول أوروبا، فقد انخفض عدد المشاركين في الانتخابات الأخيرة إلى 82 في المئة من 85 في المئة في انتخابات العام 2006، ما يشير إلى تضاؤل الاهتمام بالشأن العام ويأس الأجيال الشابة خصوصا، من الإصلاح بعد عودة بيرلسكوني القوية، هو الذي وجهت له العديد من تهم الفساد في أثناء فترتي رئاسته السابقتين وفيما بينهما.

فور ظهور النتائج، وقبل أن تعلن رسميا، صرح بيرلسكوني بأن أولوياته سوف تكون «قمامة نابولي» ومصير شركة الطيران الإيطالية «أليتاليا». وربما مثلت هاتان القضيتان اختزالا لحالة الخراب التي تعيشها إيطاليا، ففي مدينة نابولي الجنوبية تتراكم أكوام القمامة يوميا بحيث تحولت القمامة إلى قضية تحتاج حلا، وقد ربط الرأي العام الإيطالي الذي لا يفتقد حس الفكاهة بين قمامة نابولي والوضع السياسي الإيطالي بأكمله في تعبير ساخر عن نظرتهم إلى الوضع في بلادهم. أما قضية «أليتاليا» فتشير إلى تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، إذ تقدر الخسائر التي تتكبدها إيطاليا في مجال الطيران إلى مليون يورو يوميا، ما جعل الحكومة تعرضها للبيع. ومن المفارقات الإيطالية أن بيرلسكوني نفسه رفض عرضين لشراء أليتاليا سابقا من كل من شركة الطيران الفرنسية «أير فرانس» وشركة الطيران الهولندية «كي إل إم»، بذريعة أنه سوف يجد للشركة حلا «إيطاليا» متكاملا.

لقد وصل اليمين الإيطالي إلى السلطة عبر أداء قوي في الانتخابات الأخيرة، ولكن بيرلسكوني، القادم من عالم رأس المال والاستثمار «الإعلامي» في صورة خاصة، لن يتمكن من توجيه الدفة السياسية على هواه، فسوف تقف له رابطة الشمال التي برزت قوة كبرى يحسب حسابها في هذه الانتخابات، بالمرصاد، وسوف يكون عليه القيام بكثير من التوازنات، هو الذي لم يعرف عنه التروي والذكاء والدهاء السياسي، بل عرف بفلتان لسانه الذي أوقعه سابقا في كثير من المآزق التي كان يعتذر عن بعضها ويصر على أغلبها.

الانتخابات الإيطالية: انعطافة لليمين وهزيمة قاسية لليسار
 
17-Apr-2008
 
العدد 22