العدد 22 - بورتريه
 

محمود الريماوي

يواظب الوزير السابق والكاتب والطبيب زيد حمزة (76)على العمل في عيادة الأنف والأذن والحنجرة. وقد أمضى أكثر من نصف قرن منتظماً في عمله باستثناء الفترة التي عمل فيها وزيراً في حكومة زيد الرفاعي الرابعة والأخيرة (نيسان 1985 حتى كانون الثاني 1988). هذا الإخلاص الدؤوب للمهنة ولقسم أبقراط لم يمنعه من الانشغال بالعمل العام.

قبل أن يبلغ العشرين من عمره كان قد شكل مع رفاق له من الطلبة الجامعيين الأردنيين حلقة ماركسية في القاهرة باسم "اللجنة الديمقراطية". وكان من رفاق الحلقة آنذاك: نوفان الحمود، ونبيه شوارب، وجميل بقاعين، ونديم النحوي، ومقبل دحابرة بشير البرغوثي، عيسى قسوس،وزهير الريس.واللافت أن هذه الحلقة التي نشطت في صفوف الطلبة الأردنيين فقط، لم تكن على صلة تذكر بالحزب الشيوعي الأردني وقد تشكلت تلك الحلقة في مخاض حركة 23 يوليو في مصر.غير ان اللجنة الديمقراطية اعتبرت آنذاك ان عبدالناصر الذي خلف محمد نجيب كان على صلة بالأميركيين إن لم يكن تابعاً لهم..

طلبة الحلقة لم يلبثوا أن دعوا الى حلها مع قرب تخرج بعض أعضائها وقيادتها ومنهم "الطالب زيد حمزة ".وجرى إبلاغ الأعضاء أنه بإمكان من يرغب في الانضمام للحزب الشيوعي العودة الى الأردن.

لم ينضم للحزب، وإن ارتبط بصداقات شخصية مع بعض قياداته، بل عمل طبيباً في وزارة الصحة ، وشاءت الظروف أن يقوم بحكم عمله بتطبيب معتقلين سياسيين مثل رفعت عودة، وصادق الشرع.

في العام 1962 يدفع زيد حمزة ثمن اضطراب سياسي تمثل بلجوء شقيقه سهل الطيار في سلاح الجو الى القاهرة، على خلفية أحداث اليمن. يتم اعتقال زيد حمزة لتسعة عشر يوماً في الزانزانة رقم 10 وهي التي سبق أن توفي فيها النزيل عبد الفتاح تولستان.كانت فترة السجن قصيرة غير أنها كانت مريرة، كما يستذكر الدكتور حمزة بما اشتملت عليه من تحقيقات مكثفة ويومية.

تم بعدئذ إخلاء سبيله، وحظي بلقاء الملك الراحل الحسين، وأعيد له اعتباره.وبات يعبر عن انشغاله بالعمل العام بالكتابة وبصداقات سياسية،منها مع الراحل جمال الشاعر ومع بعض رواد صالونه السياسي دون أن يفارق وزارة الصحة وعمله طببياً فيها. وقد انتخب عضوا في مجلس نقابة الأطباء في العام 1965 وتولى مسؤولية "خازن" في المجلس.

منذ ذلك الحين بدأ زيد حمزة يعرف بوصفه شخصية وطنية مستنيرة تتسامى على الجهوية والفئوية، ومفكراً مستقلاً يحظى بالاحترام حتى لدى من يخالفه الرأي، وذلك لنزعته العقلانية ونظافة كفه. يستذكر زيد حمزة بالمناسبة أنه إلى جانب فطرته الشخصية، فقد ورث الاستقامة عن والده الموظف في وزارة المالية.

يعتبر حمزة نفسه نصيراً لا يلين لحقوق الإنسان والضعفاء من النساء والصغار وكبار السن.، مع نبذه لمختلف أشكال العنف والتعسف في الحياة السياسية والعامة من حيث أتت ومهما كان لبوسها.بهذا يصنف نفسه على أنه ديمقراطي مستقل و"مثقف علمي".

وهو ما يحتسب لدى بعض السياسيين والحزبيين على أنه ميل نخبوي.وليس بعيداً عن الحقيقة أن زيد حمزة،يحتل موقعه في صفوف النخبة والتكنوقراط مع تمتعه بتواضع بسطاء الناس.

وقد شهدت فترة طويلة تمتد لعقدين من الزمن انقطاعه عن الخوض في الشأن العام في كتابات متفرقة حتى التحق وزيراً للصحة في حكومة زيد الرفاعي، وقد خرج بتعديل من الوزارة أواخر العام 1988 وقبل أربعة أشهر من أحداث معان "هبـة نيسـان".

في تلك الفترة خاض زيد حمزة حملة ضد ما عرف بـ"المؤسسة الطبية العلاجية" التي أنشئت لتكون جسماً موازياً لوزارة الصحة حتى إن المستشفيات الحكومية باتت تتبع لهذه المؤسسة التي ابتدعت مثلاً سياسة استيراد الأدوية للوزارة بصورة مباشرة، وليس عن طريق عطاءات.وبات وزير الصحة مجرد عضو،في مجلس إدارة مؤسسة حكومية تعنى بالشأن الطبي والعلاجي! لم تفلح جهود حمزة في الاعتراض على نشوء هذه المؤسسة الى أن فتح أول مجلس نواب ملفها وقرر رئيس الوزراء اللاحق مضر بدران إلغاءها كي تعود ولاية الاختصاص لوزارة الصحة على المرافق والقطاعات كافة.

وبعد نحو عامين جرت دعوة زيد حمزة من جانب عدنان أبو عودة للانضمام لحزب قيد التشكيل هو "حزب التقدم والعدالة"، وقد اختاره المؤسسون رئيساً بالتزكية ( كان في عداد المؤسسين الى جانب أبو عودة د. سلمان بدور، ود. سحبان خليفات وسواهم من شخصيات من بينها علي فريد السعد).فيما التحق أبو عودة في الأثناء بعمله مندوباً للأردن في الأمم المتحدة. ولاحظ زيد حمزة أن أعداداً متزايدة انضمت الى الحزب الوليد ليتبين بعدئذ أن غالبية المنضمين بعد التأسيس هم من ذوي صلة بالسعد، الذي قيض له أن يفوز في انتخابات مؤتمر عام برئاسة الحزب في مقابل حمزة الذي دعي، في الأصل، لترؤس المركز القيادي. لم يلبث الحزب أن ذاب في "الوطني الدستوري".

يستذكر زيد حمزة هذه التجربة بمرارة واندهاش لم يفارقه منذ الحين، ويرى فيما حدث دليلاً مبكراً على شخصنة تأسيس الأحزاب وعلى عدم جدية العمل الحزبي، وانتفاء حاجة موضوعية فعلية لنشوء العديد من الأحزاب المتناسلة.ونظرته المتشائمة هذه لا تتعارض، في رأيه، مع إيمانه العميق بالخيار الديمقراطي الذي لا يقل عن إيمانه بمخاطر التدخين، واستعداده للمشاركة في كل حملة ضد انتشار هذه الآفة.

ذلك ما دفعه لتبني خيار رفض الإلزامية في عضوية النقابات، معطوفاً على قناعته بضرورة التعدد النقابي (أكثر من جسم نقابي للمهنة الواحدة)، وبما يسهم في تقدم المهن والنقابات وكما يقع في دول عديدة في عالمنا منها غالبية الدول المتقدمة، وهو رأي جدلي دافع عنه من موقع عضويته في نقابة الأطباء عبر عشرات المقالات في "الرأي"، وقد وجد كثيرين يناصرونه شفوياً في رأيه هذا، لكنه بدا شبه منفرد في تمسكه العلني بموقفه الموثق.

إلى ذلك يعيش زيد حمزة شبابه الثاني مع قلة من أصدقاء مستأنساً بزيارة مرضاه في العيادة، وبمخاطبة قراء مقالاته الأسبوعية، التي تلقى صدى طيباً لدى متذوقي القراءة، وإن لم يكن صاحبها كاتباً شعبوياً.

زيد حمزة: “لجنة ديمقراطية” و“تقدم وعدالة”
 
17-Apr-2008
 
العدد 22