العدد 22 - أردني | ||||||||||||||
خليل الخطيب تتكرر منذ سنوات حوادث الاعتداء على أطباء في مواقع عملهم ما دفع نقيب الأطباء زهير أبو فارس لأن يصرح لـ"ے" بأنه "بات يخشى أن يأتي يوم نضطر فيه لمعالجة مرضانا في الخارج"، كما يؤكد أن "العديد من الأطباء باتوا يحلمون بفرص عمل في الخارج." ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لدى الأمن العام أو النقابة، كما صرح لـ«ے» كل من الناطق الرسمي للأمن العام، محمد الخطيب، ومدير ديوان النقابة زيدان عبد ربه، فإن عددا ممن استطلعت «ے» آراءهم- مواطنين وأطباء وعاملين في القطاع الصحي- يشاركون أبو فارس قلقه. ظاهرة يومية الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الاعتداءات كانت تلك التي تعرض لها اختصاصي الجراحة محمود قدسية في مستشفى الحسين يوم 16/3/2008. إذ "أصيب قدسية بنزيف كلوي أدخل نتيجته إلى العناية الحثيثة إثر اعتداء رجل أمن عليه"، كما صرّح لـ«ے» المدير الإداري في مستشفى الحسين في السلط خالد العدوان. ويقول العدوان إن "حالة قدسية مستقرة، وسيعاد تقييمها لتقرير ما إذا كان علاجه سيستمر في المستشفى أم في المنزل." مصدر في إدارة مستشفى البشير ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ يقر بـ"تحول قضية الاعتداء على الأطباء لفظياً وأحياناً جسدياً إلى ظاهرة يومية". ويؤكد هذا المصدر أن إدارة المستشفى قدمت تقريراً بهذه الحالات إلى وزارة الصحة التي لم تؤكد وجوده. فحين اتصلت "ے" بمكتب مساعد الأمين العام للمستشفيات في الوزارة أحال مراسلها إلى الناطق الإعلامي الذي نفى علمه بوجود تقرير كهذا. ولم تفلح محاولات عديدة للحديث مع المساعد ضيف الله اللوزي. حالة احتقان يشعل سائق القلاب، محمد سعيد أبو حسين، سيجارة وينفث دخانها بشيء من الغضب. فقبل دقائق كان أبو حسين بصحبة أمه السبعينية وزوجته التي ما عادت تخفي امتعاضها من تكرار إحضار حماتها إلى طوارئ مستشفى البشير. تنتهي السيجارة فيعود إلى الداخل للاطمئنان على والدته، ثم يعاود الكرة عدة مرات قبل أن ينتهي العلاج بعد ساعة ونصف. فيخرج بصحبة والدته وزوجته متجهاً إلى بيته، في حدث بات يتكرر ثلاث مرات شهرياً. يفسر أبو حسين سر انتظاره خارج غرفة الطوارئ بأن "الزحام شديد في الداخل". ويقول إن بعض الأطباء، رغم تقديره لانشغالهم وحجم ضغط العمل عليهم، "يثيرون الأعصاب ببرودهم ولا مبالاتهم وتكبرهم". لذا فهو يخاف على نفسه من أن "ينفعل ويغضب". بعض المرضى يذهبون إلى المستشفى بصحبة عدد كبير من الأشخاص، "فيتحول موضوع علاجهم إلى قضية عشائرية"، يوضح أبو حسين وهو يحاول تفسير نبرة الغضب البادية في صوته. ويضيف "بعض الأطباء يجارونهم فيعالجون مرضاهم ويؤجلون الآخرين." حالة الاحتقان التي بدا عليها أبو حسين ليست نادرة. إذ يمكن ملاحظة حالات مماثلة يوميا أمام مراكز الطوارئ، كما يؤكد طبيب إسعاف الباطنية في مستشفى البشير أسامة زاهدة. لكنها أحياناً "تتطور لتتحول اعتداء لفظياً أو جسدياً" كما يؤكد الطبيب الذي كان أحد ضحايا هذه الاعتداءات. أسباب متعددة المدير الفني في المستشفى الإسلامي، محمد فؤاد الموسى، يؤكد انتشار ظاهرة ضرب الأطباء، ويرجعها إلى سببين؛ "انفعال الأهل نتيجة جهلهم بالإجراءات الطبية، وعدم اقتناعهم بفاتورة المستشفى". ويشرح الموسى: "في حالات الوفاة أو كون المريض شاباً، يظهر انفعال الأهالي كونهم يتوقعون إجراءات غير اعتيادية في التعامل مع حالتهم". ويتابع:" تلك الحالات عادية بالنسبة للطبيب فلا يتخذ إجراءات استثنائية فيفسر الأهالي سلوكه باللامبالاة". الطبيب محمد الفارس، الذي امتدت خدمته في القطاعين العام والخاص إلى ثمانية وعشرين عاماً يقول: "هذه الظاهرة لم تكن شائعة، وهي الآن منتشرة كشكل من أشكال الزعرنة أو الاستقواء بالعشيرة". ويتابع الفارس مفسراً:" لكن جزءاً من المشكلة تتحمله وزارة الصحة، إذ إن هناك نقصاً في الكادر الطبي، يؤدي إلى تعاظم الضغط النفسي على الطبيب نتيجة كثافة العمل بحيث تصل 300 حالة في المناوبة الواحدة، بينما يعاني "المريض وأهله مرارة الانتظار والقلق". كذلك يرى الفارس أن "ظروف عمل الأطباء تحتاج إلى تحسين لجهة النظر في اختصار مدة المناوبة، بخاصة في أقسام الطوارئ وتقديم حوافز مادية". ويؤكد أيضاً أن "الخدمات المقدمة في أقسام الطوارئ الحكومية ليست بالمستوى المطلوب"، ما يثير استفزاز أقرباء المريض في حال التعرض لإهمال في العلاج. المستشفيات الخاصة "ليست محصنة ضد هذه الظاهرة كما يعتقد البعض"، حسبما يؤكد فيصل الدجاني، المدير المالي في مستشفى الاستقلال. ويرى الدجاني أن الفارق هو أن "في المستشفيات الخاصة لا تقع مشادات كلامية مع الأطباء، وإنما مع قسم المحاسبة"، إذ يجد الناس أحياناً أن "الفاتورة تزيد على طاقتهم فينزعجون". لكن ذلك الوضع، كما يشدد الدجاني، "لا يتفاقم عادة، إذ إننا نتفهم الموقف وإذا كان بإمكاننا المساعدة فإننا لا نتأخر". غير أن طبيباً يعمل في أحد المستشفيات الخاصة في جبل عمان يقول: "المشكلة بين المريض وطبيب المستشفى الخاص ناجمة عن أزمة ثقة". ويشرح الطبيب الذي يعمل في مجال الطوارئ منذ عامين أن "المريض يظن أن كل إجراء طبي يتخذه الطبيب يهدف إلى ابتزازه، وإذا أمر الطبيب بإدخاله تزيد المشكلة سوءاً." منبع المشكلة في رأي هذا الطبيب هو "وجود اعتقاد بين الناس بأن إدارات المستشفيات الخاصة تضغط على أطباء الطوارئ لزيادة الفحوص وعمليات الإدخال". مستشار الجودة في مستشفى الأردن، هاشم ارشيد، يعلق على مقاربة الطبيب بالقول: "معظم المستشفيات الخاصة في الأردن هي مستشفيات محترمة وعليها ضغط كبير وهي ليست بحاجة لهذه الأساليب". الطبيب محمد الفارس، يتساءل مستنكراً: "كيف لا ينفعل المواطن، إذا طلب الجراح 500 دينار عن عملية كالزائدة الدودية لجيبه الخاص"؟ الجانب القانوني لعل الخلل في قضايا الاعتداء على الأطباء يتركز في البعد القانوني. فقانون العقوبات يخلو من أي نص يساعد على التعامل مع المعتدين على الأطباء قانونياً. يقول محامي نقابة الأطباء وائل عيسى: " لا يوجد نص في القانون يغطي هذه القضية بوصفها اعتداء على موظف عام"، وهو ما يعطي الفرصة للمعتدين، بحسب عيسى، "لتقديم شكوى ضد الطبيب بالاستناد الى تقارير طبية وهمية، ما يجعل القاضي مضطراً للفصل في القضية بوصفها مشاجرة فيضع الطرفين في الحجز الإحترازي حتى يتم الصلح بينهما". ويتابع عيسى "الطبيب في هذه الحالة يتنازل، غالباً، عن حقه الشخصي حفاظا على عمله". أما بالنسبة لتعميم رئاسة الوزراء الذي يطلب تصنيف هذه القضايا ضمن "الاعتداء على الموظف العام فلا قيمة قانونية له أمام القضاء". ويرى عيسى أن التعميم "قد يسهل على الطبيب إجراءات الشكوى، أما في المحكمة فالقاضي لا يأخذ إلا بالقانون". المدير الفني في المستشفى الإسلامي، محمد فؤاد، يقول: "الطبيب الذي يتعرض للاعتداء لا يجد إلا الشكوى بصفته الشخصية، وهو أمر صعب، ويتجنبه معظم الأطباء". الشاكي والمشتكي في النظارة ويعلق على هذه النقطة أحد أطباء الطوارئ في مستشفى خاص في شرق عمان: "لا أستطيع أن أتقدم بشكوى، لأن الشرطة تتعامل مع الموضوع على أنه مشاجرة فتضع طرفيها في النظارة وتحيلهما لمحكمة الصلح". يؤكد هذه المعاملة للطبيب زاهدة، ويضيف: "تم التعامل مع قضية الاعتداء علينا على أنها مشاجرة". دور النقابة نقابة الأطباء كانت لها مقاربة صريحة في جميع حالات الاعتداء؛ الاعتصام لمدة ساعة في المستشفيات التي وقعت فيها الحادثة، ومطالبة الحكومة ومجلس الأمة بحماية منتسبي هذه النقابة. كما تضمنت المطالب تخفيف ضغط العمل عن أطباء القطاع العام، وتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، وتزويدهم بالتدريب اللازم على مهارات الاتصال، وضبط أقسام الطوارئ بما يكفل عدم احتكاك مرافقي المرضى مع الأطباء. وقبل كل ذلك إصدار تشريع قانوني يكفل حماية الأطباء في مثل هذه الحالات.
*** إضربوه.. رأسماله فنجان قهوة!
الاعتداء على الأطباء لا يقتصر على العاملين في الطوارئ والمستشفيات. بلال أبو هاني، طبيب في مديرية صحة إربد، كان أنهى عمله وانطلق إلى منزله كالعادة. وعند وصوله دوار الشونة استوقفه صاحب أحد المحلات التجارية. لم يكد أبو هاني يتوقف حتى فوجئ بشخصين يتجهان نحوه من جهة الشارع الآخر راكضين، وهاجمه الثلاثة وهو ما يزال خلف مقود سيارته. وكان الشخص الذي استوقفه يحرض الآخرين قائلاً: "إضربوه، رأسماله فنجان قهوة". هكذا لخّص طبيب الصحة أبو هاني حادثة الاعتداء عليه عام 2005. وكان السبب، حسبما قال لـ"ے"، إنه "كان حرّر لصاحب المحل إنذاراً بسبب وضعه اللحوم المجمدة مع الألبان قي الثلاجة نفسها". ويؤكد أيضاً أن الإنذار لم يحرر "إلا بعد سنتين من محاولات تصويب وضع هذا المحل صحياً. شرحنا للرجل خلالها خطورة وضع الألبان مع اللحوم على صحة الناس ونبهناه أكثر من مرة".
*** مات أخوكم.. قتلوه! يروي زاهدة قصة الاعتداء الذي وقع عليه وعلى زميله زيدون عليان: "في الثانية فجراً من إحدى ليالي شهر آب، حضر مريض ومعه خمسة مرافقين؛ أربعة شبان وامرأة. فحص زيدون المريض فوجده يعاني من حالة توتر عصبي، فطمأن مرافقيه، وطلب من جهاز التمريض إعطاءه حقنة مهدئة. لكن المرافقين عادوا بالمريض مرتين آخريين خلال أقل من عشرين دقيقة مطالبين بعلاجه، وهم في حالة قلق وتوتر. وأثناء محاولة زيدون إفهامهم بأن مفعول الحقنة يحتاج إلى بعض الوقت، ارتفع صراخ امرأة قائلة: "مات أخوكم! قتلوه!". ويتابع زاهدة "كان المريض قد استرخى من مفعول الحقنة المهدئة وغفي. ولكن الأخوة لم ينتظروا ليتأكدوا بل راحوا يضربون ويكسرون، وأصابونا إصابات دخلنا إثرها إلى المستشفى".
|
|
|||||||||||||