العدد 22 - أردني | ||||||||||||||
السّجل- خاص سجّل قطاع الصحّة قفزات نوعية على مدى عقود، إلا أن قرارات عشوائية وغياب استراتيجية واضحة، حالت دون توسيع مظلة التأمين الصحي الشامل ورفع مستوى الخدمات بالتزامن مع هجرة كفاءات طبية في بلد أضحى مركز الصناعة الطبية عبر المنطقة. ويرى أطباء ومسؤولون سابقون أن تدني مستوى الخدمات في المستشفيات الرسمية يعود إلى خلل في التخطيط طويل الأمد، وإلى سوء إدارة متفاقم في وزارة الصحة، التي تعاقب عليها 33 وزيرا خلال ستة عقود، عشرة منهم خلال العقد الماضي. تقر الحكومة بوجود تشتت في القطاع الطبي إلى جانب ازدواجية في تقديم الخدمات، إذ إن واحداً إلى كل عشرة أردنيين يتمتع ب»بتأمين مزدوج»، مقابل حرمان عشرات الألوف من أي تأمين . وزير الصحّة الحالي صلاح المواجدة يتحاشى الحديث إلى الصحافة، رغم اتصالات متكررة معه. في تصريحات سابقة، أقر المواجدة بغياب قاعدة بيانات متكاملة، ما يحول دون نسج نظام تأمين صحي شامل. وهو يرى أن كثافة انتشار المراكز الصحية سبق تأمين كوادر طبية مؤهلة، ما أثر على مستوى الخدمات، فبعض المراكز أقيم "بسبب ضغوط مناطقية غير مبررة". بحسب تعليمات منظمة الصحة العالمية، يقام مركز صحي أولي لخدمة 5000 نسمة، في حين يخدم المركز الصحي الشامل مناطق بكثافة سكانية تزيد على 50 ألف نسمة. أما المستشفى فيبنى في مراحل متأخرة لخدمة 100 ألف نسمة. شهد الأردن توسعاً غير مبرر في اتجاهين؛ إقامة مستشفيات ومراكز صحية، كان يمكن أن يكون دورها تكميلياً ومتناغماً بعيداً عن الهدر وتداخل مهام الخدمتين، بحسب وزراء صحة سابقين وأطباء، غير أن سوء الإدارة وسياسة الاسترضاء حوّل الحل إلى مشكلة. وكانت الوزارة اتجهت أخيراً لمنح صلاحيات إلى الدوائر الحكومية في المحافظات بهدف تحسين الأداء، بحسب تعميم صادر عن رئيس الوزراء نادر الذهبي. وزير الصحة توقع في تصريحات سابقة إعادة هيكلة القطاع الصحي تمهيدا لرفع نسبة المشمولين بمظلة التأمين الصحي من 78 إلى 85 بالمئة بحلول 2009. نمو كمّي تشير الإحصاءات المقارنة إلى أن الأردن يحتل المرتبة الثانية في المنطقة لجهة حجم الإنفاق على الصحة. وزارة الصحة وأجنحتها تشكل ثاني أكبر مشغل في القطاع العام بعد التربية والتعليم. حدّدت موازنتها للعام المقبل بنحو 367 مليون دينار، بزيادة 129 مليونا عن العام الحالي. وهي تنفق 80 بالمئة من موازنتها السنوية على المستشفيات والمراكز الصحية. في الأردن 100 مستشفى حكومي يضم حوالي 11 ألف سرير بمعدل 18.5 سرير لكل 10 آلاف نسمة. فيما تقدم الوزارة خدمات الرعاية الصحية الأولية من خلال 700 مركز صحي شامل وأولي وفرعي. تتضارب المقاربات حيال هيكلية قطاع الصحة بأجنحته: الحكومي، العسكري، مستشفيات الجامعات والقطاع الخاص، فبينما يرفض وزراء صحة سابقون الدعوة لتوحيد مستشفيات القطاع العام تحت مظلة مشتركة، يطالبون في المقابل بتطوير المجلس الصحيّ شريطة أن يعود برئاسة وزير الصحة- المسؤول قانونيا عن جميع الشؤون الصحية في المملكة. المجلس الصحي(أنشىء بنظام عام 1986،) المفترض أن ينظم عمل القطاع الصحي بشقيه العام والخاص، يرتبط حاليا برئاسة الوزراء. ويؤكد حمزة أن البديل الصالح قائم حالياً، وهو المجلس الصحي العالي «الذي يمكنه أن يحقق التعاون والتنسيق داخل القطاع الصحي، لكن، شريطة أن يعود برئاسة وزير الصحة المسؤول قانونياً عن جميع الشؤون الصحية في المملكة». خلل المنظومة الصحية الطبيب الاختصاصي المخضرم ينتقد الصخب المفتعل الذي يرافق بعض الأخطاء الطبية، . فلدى انكشاف الخطأ يتم «البحث عن كبش فداء وتحميله منفرداً المسؤولية»، في إشارة إلى قضية وفاة المسن علي حسن الحفناوي الشهر الماضي في مستشفى الأمير حمزة. ويرى أن الحل يكمن في قرار «بسيط ولا يكلف فلسا»، يتمثل بالسماح ضمن ضوابط معينة لأطباء القطاع العام بفتح عيادات موازية في أوقات راحتهم لتحسين أوضاعهم المعيشية في ظل رواتب متدنية وغياب الحوافز. يفترض أن تساهم هذه الخطوة في تخفيف «هجرة العقول»، الحفاظ على الكفاءات ونقل الخبرات إلى الأجيال اللاحقة. كان حمزة طرح هذا المشروع حين كان وزيرا للصحة في حكومة زيد الرفاعي قبل عشرين عاما، إلا أن نقابة الأطباء أجهضته بحجة أنه يخلق منافسة مع أطباء القطاع الخاص. ويربط الوزير الأسبق بين عشوائية التخطيط في بناء مراكز صحية و»الفساد» بما في ذلك «استرضاء جهات وأشخاص لغايات انتخابية». كذلك ينتقد البيروقراطية لافتا إلى أن الإصلاح «غير مكلف» لكنه يتطلب قرارات جرئية من قبيل بناء أرشفة إلكترونية. حمزة يعارض فكرة إحياء المؤسسة الطبية العلاجية ويصفها بأنها «مقبرة الصحة «. ولم يستبعد أن يكون وراء إطلاقها عام 1987 «مكاسب شخصية». وكانت المؤسسة توقفت كمظلة شاملة في آب 1990. في الأثناء، ضخ مستثمرون زهاء بليون ونصف البليون دولار في بناء وتجهيز مستشفيات خاصة، أضحى بعضها محجا للمرضى من الرباط إلى مسقط، بحسب تقديرات مدير جمعية المستشفيات الخاصة فوزي الحموري. ويقر حمزه بأن الأخطاء الطبية والعرضية تحدث باستمرار في المؤسسات الصحية الأميركية والأوروبية ،لكن قوانين المساءلة الطبية في تلك الدول معتمدة من أعلى مرجعيات النظام الصحي، في حين ما زال قانون المساءلة الطبية في الأردن يسير ببطء «غير مبرر»، ما يؤثر على السياحة العلاجية الطبية التي اعتبرها الملك عبد الله الثاني «نفط الأردن»، إذ يقدر دخل الأردن السنوي من السياحة العلاجية بنحو 650 مليون دولار، بحسب رئيس جمعية المستشفيات الخاصة. في الإجمال، يستقبل الأردن 130 ألف مريض من 48 جنسية سنوياً. الخلل في قطاع الصحة واضح سببه سوء الإدارة، وعدم توافر إرادة سياسية للإصلاح، علماً بأن ذلك الإصلاح، بحسب مسؤولين كثر، لا يكلف شيئاً |
|
|||||||||||||