العدد 21 - أردني
 

عبد الكريم غرايبة*

فوجئت بالتلفزيون يعلن أنني أصبحت "عيناً" في وقت لم أكن أسعى فيه لعضوية "الأعيان"، بيد أنني سعيت لذلك قبل ثلث قرن.

في مجلس الأعيان قلت إن عملنا الرئيسي هو التصديق على القوانين الآتية من مجلس النواب. ولاحظت أن القوانين كثيرة، وبدأت ألفت الانتباه إلى ذلك، وبخاصة أن بعض القوانين القائمة تكفي بالغرض. لم أكن أقصد آنذاك محتوى القوانين، وإنما صلة ذلك بمفهوم الدولة ودور مجلس الأعيان.

القانون هو تنظيم للأمر الواقع. القانون يصور واقع المجتمع. ليس وظيفة القانون إصلاح وضع المجتمع، إنما المجتمع هو الذي يصلح القوانين.

لاحظت في مجلس الأعيان أن مجلس النواب الرابع عشر يدخل تعديلات صياغية كثيرة على القوانين القادمة من ديوان التشريع. واستغربت أن يكون نواب أبرع من ديوان التشريع في بعض الصياغات، الأمر الذي دعاني للاستفسار عن الكفاءات المتخصصة لغوياً في الديوان. واقترحت إضافة كفاءات جديدة مختلفة. نستذكر أن أول ديوان تشريع في الأردن أواخر أربعينيات القرن الماضي، ترأسه رئيس وزراء سابق هو إبراهيم هاشم الخبير في الشؤون القانونية.

استعرضت الكفاءات الموجودة في مجلس النواب الرابع عشر، فوجدت أنها أفضل من الكفاءات الموجودة في مجلس العموم البريطاني أو الجمعية الوطنية الفرنسية. لكن هذين الأخيرين أكثر فعالية. يوجد بالمناسبة في مجلس العموم البريطاني نواب في الصفوف الخلفية وظيفتهم "رفع أصابعهم"، أي التصويت. لكن الحزب هو الذي يقرر، والحزب لا يعطي رأياً إلا بعد دراسة والرجوع إلى يبوت خبرة تابعة له.

تحدث عوض خليفات في مجلس النواب الثاني عشر في مناقشة الموازنة العامة، باسم 12 نائباً من زملائه. لكن هؤلاء جميعاً عادوا، وقدّم كل منهم مداخلة باسمه.

ومما يلفت الانتباه أن الدستور الأردني لا يعطي الحق للنواب بزيادة النفقات. ومع ذلك تجد النواب يتسابقون في طلب تنفيذ مشاريع وخدمات.

من الخطأ أن لا يصبح النواب وزراء. والمناصب السياسية ليست بحاجة دائماً إلى كفاءات عالية. الأحزاب مهمة جداً للحياة السياسية. ولا بأس من ولادة أحزاب من الكتل النيابية. ومصلحة النائب أن يكون عضواً في كتلة متماسكة وليس فقط أي كتلة، لأن هذا يعزز قوة النواب.

لقد بلورت مقترحاً لنظام انتخاب جديد، يستند إلى تقسيم عضوية مجلس النواب إلى ثلاثة أقسام: قسم لممثلي الدوائر الحالية، وعددها 45 دائرة بحيث يكون لكل دائرة مقعد واحد فقط. وقسم ثان لتمثيل المحافظات بواقع مقعد لكل محافظة. والقسم الثالث لممثلي القوائم النسبية بعدد مقاعد يساوى 53 مقعداً على أن تشتمل على نساء وأقليات في مواقع متقدمة ضمن ترتيب الترشيحات. ويمنح هذا النظام كل ناخب ثلاثة أصوات: صوت للدائرة الفردية، وصوت للمحافظة، وصوت للقائمة النسبية.

جلسة الموازنة أهم من جلسة الثقة. لأنها منح ثقة على أساس واضح ومعلوم، وهذا ما لا يتوافر في "الثقة"، لكن هذا لا يعني الكثير في الأردن.

مجلس الأعيان لجانه نشيطة جداً. جلساتها طويلة، خصوصاً اللجنة القانونية التي كان يرأسها زيد الرفاعي. الرفاعي كان يحضّر عمله جيداً، وكان جاهزاً لتوضيح أية مسألة أو تصويب أي مقترح. لكن في الجلسات العامة كان يميل إلى الاختصار.

في موضوع المرأة، ينبغي أن تعطى الأولوية لحماية الحقوق القانونية للنساء. اقترحت ذات يوم تشكيل وزارة باسم "وزارة الاحترام العام"، لتأخذ على عاتقها نشر الوعي لكي تحترم المرأة المرأة، ويحترم الرجل المرأة وبالعكس، ويحترم الصغير الكبير وبالعكس، ويحترم الحيوان الحجر والشجر. وعندها لا نواجه مشكلات في البيئة.

مجلس الأعيان الحالي الذي لست عضواً فيه يضم كفاءات جيدة. ففيه ستة رؤساء جامعات سابقين، وهم أعضاء في لجنة التربية.

عضوية مجلس الأعيان مثل أي نوع من الهيئات يجب ألاّ تقتصر على ذوي الاختصاص. ويجب أن يكون إلى جانب هؤلاء أعضاء يتمتعون بعقلية منفتحة يستطيعون استخدام إدراكهم العام لموازنة المتخصصين الذين يقيدهم تخصصهم.

(*) شيخ المؤرخين الأردنيين. يحمل درجة الدكتوراه في التاريخ. اختير عضواً في مجلس الأعيان للفترة من عام 2005 - 2007.

ذكرياتي في مجلس الأعيان
 
10-Apr-2008
 
العدد 21