العدد 21 - أردني
 

منصور معلا، خليل الخطيب ونهاد الجريري

عشرون عاماً تحت القّبة انتظمها صخب وخطابات نارية، تكتلات وكولسات. لكن تأثير النواب المخضرمين ظل محدوداً عبر المجالس الأربعة منذ عام 1989، وبالتالي بالكاد تركوا أثرا تشريعيا أو قوانين مفصلية في حياة الوطن.

سعد هايل السرور، عبد الكريم الدغمي من وجوه المفرق، ذات الصبغة العشائرية، حيث الولاءات لزعامات تقليدية تنحدر من أفخاذ انتزعت الزعامة في زمن الغزوات العشائرية. واليوم تنتقل آليات بناء الزعامة من السيف والخيل إلى القانون ومزاج الحكومات. تركيبة "النيابي"، التي واكبها الرجلان منذ عودة الحياة النيابية، لم تساعد على اتخاذ "موقف مبدئي أو جريء حيال قضايا مصيرية أو مواقف إصلاحية"، على ما يستذكر نقابيون وحزبيون. الشيخ حمزة منصور كان لسنوات رأس حربة للكتلة الاسلامية التي لم تثمر جهودها في سن قوانين تتماشى مع عقيدتها ومبادئها. رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة لمع في السجالات والمقارعات القانونية لكن مخزونه الفقهي لم يتحول الى قوانين مرتبطة به.

**

الروابدة

المتابعون لجلسات مجلس الأمة على مدى العقدين الماضيين يعتبرون الروابدة "قائد التشريع" في المجلس لتأثيره الواضح على عدد لا بأس به من النواب في اتجاه سير مناقشة القوانين وإقرارها. هذا الأثر كان واضحا مثلا لدى إقرار قوانين الأحزاب والإفتاء الوعظ والإرشاد.

إلا أن الروابدة الذي طبخ سلسلة قوانين غير شعبية حين انتقل من خندق النيابة إلى رئاسة الحكومة (1999-2000)، لم يساهم في تمرير قوانين يمكن أن تنسب إليه وهو تحت القبة.

ويصف برلمانيون مداخلات الروابدة المتخصصة بأنها كانت "تقلب أمزجة" النواب على نحو ما حدث في الدورة الثالثة لمجلس النواب الرابع عشر أثناء مناقشة أحد القوانين التي لها علاقة بالتعاون الدولي.

آنذاك، طلب النائب الإسلامي عبدالمنعم أبو زنط إضافة عبارة "تستثني اليهود" من التعامل. فرد الروابدة "نستثني اليهود ومن والاهم!". أبو زنط يقول: "إن الروابدة كثيراً ما كان يدخل الجد بالهزل والهزل بالجد". النائب موسى الوحش يزيد أن مداخلة الروابدة كانت تحمل نغمة "الاستهزاء". لكن التعديل أقر في مجلس النواب إلى أن قام الأعيان بشطب الجملة كاملة.

في المجلس الخامس عشر، قاد الروابدة مداخلات النواب المنتقدة للقانون المعدل لقانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي وقف ضد انطلاقها قبل ثماني سنوات. تجلى ذلك حين علق المجلس التصويت على مجمل القانون إلى أن تعيد اللجنة "المالية والاقتصادية" البحث في الفقرة 4 من المادة 7 منه والتي تجيز لمجلس سلطة إقليم العقبة "تأجير المشاريع أو نقل ملكيتها إليها" وذلك بعد أن حذّر الروابدة من خطورة أن يفهم النص على أنه يجيز "إمكانية بيع ميناء العقبة ومطارها."

ولربما كان لمنطقة العقبة الاقتصادية أهمية خاصة في تاريخ الروابدة السياسي. فلعلها كانت سببا في تسريع خروجه من الدوار الرابع في منتصف عام 2000.

**

السرور

باستثناء سعد هايل السرور، لم يتمكن أي من نواب البادية الشمالية من الصمود تحت القبة لأكثر من دورة برلمانية واحدة.، نجل هايل السرور عضو البرلمان السوري في مخاض الاستقلال، انتخب سعد لرئاسة المجلس النيابي لدورتين في مجلس النواب الثالث عشر، بعد أن أخذ فرصته في الدخول إلى الوزارة. مكتبه يغص بمراجعين يبحثون عن وظائف حكومية أو ينشدون مساعدات مالية من جهات حكومية. فيما يطمئن النائب مريديه أنه تلقى وعوداً من مسؤولين بتسيير أعمالهم إلا أن شاباً يلح على ضرورة إتمام معاملته حتى يتمكن من جني رزقه بيده.

تولى رئاسة مجلس النواب مرتين؛ في الدورة الثانية للمجلس الثاني عشر، والدورة الأولى للمجلس الثالث عشر. في المجلس الرابع عشر رشح نفسه للرئاسة مرتين ضد عبدالهادي المجالي؛ مرة في الدورة العادية الأولى، ومرة في الدورة غير العادية الأولى، لكن الحظ لم يحالفه في المرتين.

يقارن السرور بين مؤسسية أول مجلس نواب في العهد الديمقراطي وبين تشتت جهود النواب الآن بين الخدمات المناطقية والشؤون الشخصية.

في الذاكرة، يقول السرور، "أداء مختلفً لمجلس 1989 بسبب قوانين وتشريعات نالت شعبية، خصوصاً تلك المتصلة بالإصلاح السياسي وإطلاق الحريات". ويصر النائب المخضرم ووزير المياه والري والأشغال العامّة الأسبق أن تلك المرحلة كانت "الأغنى في مسيرته النيابية". لكنه يعتبر أن "القرارات والقوانين التي مرّرتها البرلمانات المتعاقبة - لا سيما الاقتصادية منها- ساهمت في إفقاد المجلس شيئاً من شعبيته".

السرور يجادل في واقع البادية الاقتصادي معتبراً أن انعدام توافر فرص العمل باستثناء الحكومي منها، ساهم في تردي الوضع الاقتصادي للبادية.

خبراء برلمانيون يلحظون أن السرور لم يتمكن من بناء تيار برلماني حقيقي قادر على تعزيز استقلالية السلطة التشريعية عن التنفيذية. ويدلل الخبراء على ما ذهبوا إليه في ارتفاع حجم الثقة النيابية بالحكومات مقابل فقدان السلطتين لثقة الشارع الأردني.

**

الدغمي

بعد "الحديث الودي" الذي دار مطلع العام الماضي بين ممثلي الأحزاب ورئيس اللجنة القانونية عبد الكريم الدغمي، وعد الأخير الأحزاب بإدخال تعديلات اقترحوها على نص مشروع قانون الأحزاب، خصوصاً إبقاء عدد المؤسسّين دون 250 عضوا وتخصيص دعم للأحزاب من موازنة الدولة، بحسب شيوعي مخضرم. وهكذا عدّلت اللجنة القانونية، برئاسة وزير العدل الأسبق، مشروع القانون بحيث رفعت عدد المؤسسين من 50 إلى 250 فقط وخصصت بندا لتمويل التنظيمات السياسية.

إلا أن "مزاودة" بعض النواب خلال جلسة التصويت على القانون في أيار الماضي، عطّلت تعديلات اللجنة القانونية وشطبت بند الدعم النقدي ورفعت عدد الأعضاء إلى 500.

في المقابل يستذكر برلماني سابق وأحد أبناء عشائر بني حسن الأداء "الحديدي" للدغمي الذي رشح نفسه لرئاسة المجلس 3 مرات ضد عبد الهادي المجالي؛ مرتين في المجلس الرابع عشر (الدورة العادية الأولى والثانية) ومرة في المجلس الثالث عشر (في الدورة العادية الثالثة)، لكن الحظ لم يحالفه في أي منها.

يرى برلمانيون أن الدغمي، صاحب السجل الأطول ب"المشاجرات بسبب حدّة طباعه"، لم يؤسس لتقاليد برلمانية عريقة يمكن أن تسجل لصالحه. وتبقى القضايا التي يثيرها تحت القبّة حول شبهات فساد أو تجاوزات جزءا من تكتيك يسعى من خلاله إلى إشعار الرسميين بمدى قدرته على إثارة الزوابع حولهم، حسبما يضيف أحد من زاملوه. الدغمي نال دائما الرقم الأول في انتخابات قصبة المفرق، فيما تلتف خلفه عشيرته المشاقبة، إحدى عشائر بني حسن. ويعلن الرجل في مهرجاناته الانتخابية أنه يمثلهم وحدهم لكنه يشدد خارج منطقته على أنه نائب وطن.

**

منصور

يستذكر الإسلاميون بحسرة مرحلة صعودهم التشريعي، ثم تجربتهم المرحلية في السلطة التنفيذية مطلع العقد الماضي، ويحمَلون "الوجود الأمريكي-الصهيوني" في المنطقة مسؤولية انكفاء الأنظمة العربية عن برامج الإصلاح.

رئيس كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي النائب المخضرم حمزة منصور يرجع ما يصفه بفشل "التجربة الديمقراطية"، التي انطلقت عام 1989، إلى تدخلات أميركية وإسرائيلية.

"لقد عشنا عامين من الإصلاح الديمقراطي في الأردن بعد 1989. لكن الوجود الأميركي الصهيوني في المنطقة قاد النظام الرسمي العربي للتراجع عن الإصلاح وعدنا للحياة في ظل أنظمة عرفية غير معلنة"، حسبما يشخص منصور، رئيس مجلس شورى جبهة العمل الإسلامي. الجبهة انبثقت عام 1992 عن جماعة الإخوان المسلمين، ورخّصت رسميا ذراعا سياسية للإخوان، المسجلين "هيئة اجتماعية" لدى وزارة التنمية الاجتماعية، منذ نشوء هذه الحركة في الأردن عام 1946. يستذكر منصور شروط دخول جماعة الإخوان المسلمين حكومة مضر بدران بعد الانتخابات النيابية عام 1989، حين ظفرت الجماعة ب 22 مقعدا، لتصبح القوة السياسية الأبرز على الساحة الأردنية.

يقول منصور: "قائمة شروطنا كانت تمثّل هموم الوطن الكبرى، كالحريات العامة، الإصلاح، الصراع مع العدو الصهيوني والتوجه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ودعم الشرائح الأقل حظا".

أهم ما تحقق خلال المرحلة 89-91، مرحلة الإصلاح الديمقراطي، بحسب رأي منصور: "إلغاء الأحكام العرفية، الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة جوازات سفر محجوزة إلى أصحابها، إعادة المفصولين إلى أعمالهم، توقف التدخل في المدارس الشرعية وكلية الشريعة".

حمزة منصور يرى أن مجلس النواب الحادي عشر لم يستطع الاستمرار في عمله الإصلاحي بعد التدخل الأميركي في المنطقة، فتحوّل إلى منبر خطابي للتعبير عن الرأي. ويقول: "خذ مثلا قانون من أين لك هذا؟ الذي اقترحناه في ذلك الوقت. لقد تم تقزيمه (الآن) إلى قانون الكسب غير المشروع ثم إلى قانون إشهار الذمة المالية".

ذلك القانون كان الوحيد الذي جهزّه الإسلاميون وعرضته كتلتهم أمام مجلس النواب، ليبقى في أدراج مجلس الأعيان عقدا من الزمن قبل أن يقر بعد تغيير عنوانه ومضمونه.

في مقابلة له مع موقع إسلام أون لاين في 10 /4 /2004 تنبأ منصور أن تشهد المرحلة المقبلة إقصاء الإسلاميين والعناصر والقوى المؤثرة عن منابر التعبير. بعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات تحققت نبوءته، بحسب رأيه: إذ "أقصي الإسلاميون وبعض المستقلين في الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2007، بعد مخالفات وتدخلات حكومية"، حسبما يرى منصور في حديث للسجل، مستشهدا بما جاء في تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات مجتمع مدني أخرى حول الانتخابات البلدية التي انسحب منها الإسلاميون في يوم الانتخابات نفسه، ومن بعدها الانتخابات النيابية التي شهدت تقلصا كبيرا في حجم تمثيلهم النيابي. منصور يتهم : "الحكومات الأردنية محكومة بالإرادة الأميركية الصهيونية في المنطقة، لذلك تتجاهل إرادة الشعب وتزور إرادته".

ويسجل أيضا أنها "تجاهلت إرادة القيادة الهاشمية التي تطالب بتغيرات ديمقراطية حقيقية في مجالات الأحزاب والتجمعات والانتخابات النيابية". ويؤكد: "يمكن لأي كان أن يراجع خطابات الملك في هذا الشأن".

**

جمو

برلماني عتيق عاش التجربة النيابية منذ الخمسينيات بعد أن أصبح نائبا عام 1956 كمرشح ضمن قائمة الأخوان المسلمين، ليخرج من بوابة مجلس الأعيان في نهاية 2001، بعد أن كان فشل في الانتخابات النيابية التي جرت في العام 1997 أمام منصور مراد.

جمو، العالم في اللغة العربية درس الشريعة في الأزهر عام 1947 حيث التقى خلال فترة دراسته بمؤسس جماعة الأخوان المسلمين حسن البنا. قبل ذلك كان قد التقى في الأردن عام 1945، بسعيد رمضان، أحد مؤسسي جماعة الأخوان المسلمين الذي كان يزور المملكة. يقول عن انتسابه للإخوان: "جاء إلى عمان وفد من جماعة الأخوان في مصر برئاسة الأستاذ سعيد رمضان عام 1945. التقيت معهم وشكلنا أول شعبة إخوانية في الزرقاء وكنت رئيسا لتلك الشعبة." بعد ذلك أصبح عضوا في مجلس شورى الأخوان والوكيل العام للجماعة الذي كان المنصب الثاني في الجماعة آنذاك إلى حين استقالته من الجماعة عام 1959.

عام 1956 ترشح جمو للانتخابات البرلمانية التي جرت في تلك السنة، ويقول إنه ترشح ضمن قائمة الأخوان المسلمين عن محافظة عمان والتي كانت تضم، إضافة إلى عمان، الزرقاء وما حول الزرقاء من عشائر بني حسن، جرش، صويلح، ناعور، مادبا وسحاب. وقد خصصت لها ثمانية مقاعد وفاز مرشحا الأخوان محمد عبد الرحمن خليفة وأنا. يستذكر جمو أن راتب النائب في الخمسينيات كان مقداره 70 دينارا. ويقول إنه لم يغادر البلاد طوال عمله في مجلس الأمة سوى عشر مرات ،في حين أن النواب هذه الأيام يغادرون في سفرات إلى جميع دول العالم ،حتى التي لا يمكن أن نستفيد منها ولو " شعرة".

"الحال الذي وصلت إليه النيابة في الأردن بحاجة إلى مراجعة شاملة، وذلك للوقوف على الأسباب التي أدت إلى تولي المناصب العامة من أشخاص ليسوا أهلا لها" يقول جمو. وهو يرى أن الأعطيات والسيارات والسفرات هي الشغل الشاغل لمعظم النواب، ألا انه يستدرك أن المجلس لا يخلو من النواب الحريصين على سمعة البلد وعلى اقتصاده وعلى خدمة الناس.

لمخضرمون.. خبرة تشريعية ونكوص في الإنجاز
 
10-Apr-2008
 
العدد 21