العدد 21 - دولي
 

لم يمنع حضور الرئيس الأفغاني حامد قرضاي قمة بوخارست التي حضرها رؤساء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، من بروز خلافات بين الدول الأعضاء في الحلف حول الوضع في أفغانستان وحول الطريقة المثلى للتعامل معه.

فقد شهدت الشهور الأخيرة تصعيداً في العمل العسكري الذي تقوم به حركة طالبان، مدعومة بموسم جيد للأفيون الذي يعد مصدر التمويل الرئيسي للحركة الأصولية وأنشطتها العسكرية. في هذا السياق جاء عرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بدعم قوات حلف الناتو بنحو ألف من الجنود الفرنسيين الذين قال إنهم سوف يرسلون إلى شرقي البلاد، حيث ترابط وحدات من جنود المارينز الأميركيين، ما يجعل من الممكن لهذه الوحدات التخلي عن الجزء الذي ترابط فيه والاتجاه جنوباً، حيث تدور أعنف المعارك مع حركة طالبان التي تملك وجوداً قوياً هناك، وكذلك لدعم القوات الكندية التي تتمركز في المنطقة، والتي فقدت منذ بدء المعارك عام 2002 نحو 80 جندياً.

ساركوزي، الذي قدم وعده هذا في كلمته التي ألقاها في قمة بوخارست، قصد أن يعلن أن فرنسا التي كانت قد انسحبت من الذراع العسكري لحلف الناتو قبل أكثر من أربعين عاما بقرار من الرئيس الفرنسي شارل ديغول سوف تعود إليه. لكن ذلك الوعد لم يمر مرور الكرام في فرنسا ولا في أروقة مؤتمر الحلف، وهو ما كان توقعه الرئيس الفرنسي حين قال "إن وعدا مثل هذا لن يكون شعبياً ولا مرحباً به في فرنسا."

وقد حدث ما توقعه ساركوزي حتى قبل أن يعود إلى بلاده، فسرعان ما صدرت تصريحات، من المعارضة، وبخاصة عن الاشتراكيين الفرنسيين الذين حققوا لتوهم انتصارات يعتد بها في الانتخابات البلدية الأخيرة على حساب اليمين الذي يقوده ساركوزي، الاعتراض على القرار لاعتبارين: أن الرئيس الفرنسي قدم وعده هذا، وهو خارج البلاد وليس داخلها، حيث كان يجب، بحسب المعارضة الفرنسية، أن يطرح الوعد في كلمة لساركوزي أمام الجمعية الوطنية الفرنسية وليس أمام رؤساء حلف شمال الأطلسي. والاعتبار الثاني يتمثل في خطورة القرار، فهو وعد بإرسال وحدات عسكرية فرنسية إلى بلد تعتبره المعارضة الاشتراكية مرشحاً لأن يكون فييتنام ثانية بالنسبة للأميركيين وحلفائهم هناك.

جاء قرار ساركوزي بإرسال قوات فرنسية إلى أفغانستان، لإقناع دول الحلف بإرسال مزيد من الجنود إلى أفغانستان، وهو ما استجابت له دولة لم تصبح بعد عضواً في الحلف، هي جورجيا، التي قررت إرسال قوة من 300 جندي، إضافة إلى قواتها المتواجدة هناك.

كما جاء في وقت كان فيه الرئيس الأميركي جورج بوش يكثف ضغوطه على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لإرسال مزيد من القوات الألمانية إلى أفغانستان، إضافة إلى الوحدات التي كانت أرسلتها عند بدء الحرب، التي تتمركز في المناطق الشمالية، وهي مناطق هادئة، بعكس المناطق الجنوبية الملتهبة، ولكن من دون جدوى.

غير أن وعد ساركوزي الذي كان يعتقد أنه سوف يكون موضع ترحيب من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، لم يلق الترحيب المنتظر، بل ووجه ببرود غير متوقع، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، التي قالت إن الحليفين جورج بوش وغوردون براون اللذين لم يفترقا كثيرا طوال جلسات المؤتمر، قد أبديا بعض البرود تجاه الاقتراح الفرنسي. وقد فسرت الصحيفة البريطانية هذا البرود بأنه جاء على خلفية الخشية من فرنسا الجديدة التي يقودها ساركوزي، والتي رأى الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني أنها تأتي في إطار الطموحات المعلنة وغير المعلنة للرئيس الفرنسي في تعظيم الدور الفرنسي في السياسة الدولية، وفي إطار حلف شمال الأطلسي. كما رأوا في حماسة فرنسا لإرسال جنودها إلى أفغانستان محاولة من جانب ساركوزي لتدعيم قوة أوروبا وإشراكها في عمليات حلف الناتو بوصفها عماد القوة الأوروبية، وهو ما رأوا أنه قد يكون مقدمة لإقامة نظام دفاعي أوروبي مستقل في المستقبل، وهو ما لا تريده أميركا ولا بريطانيا.

ومن المعروف أن علاقات بريطانيا بالولايات المتحدة الأميركية أقوى من علاقاتها بدول القارة الأوروبية والاتحاد الأوروبي الذي تتمتع بعضويته، وأنها إن خيرت بين أوروبا وأميركا فإنها ستختار أميركا، وهو ما حدث بعد كل المحاولات التي بذلها ساركوزي خلال زيارة أخيرة قامت بها لبريطانيا، لجرها في اتجاه علاقات أقوى مع أوروبا، لكنها فضلت عليها علاقاتها المميزة مع أميركا.

فرنسا: عودة عسكرية للناتو من البوابة الأفغانية
 
10-Apr-2008
 
العدد 21