العدد 21 - اقليمي
 

سليم القانوني

ما أن مر الأحد الماضي على القاهرة والإسكندرية بسلام، بعد الدعوات التي استخدمت فيها الرسائل الإلكترونية ورسائل الموبايل، لتوجيه دعوة للإضراب والامتناع عن الإلتحاق بمراكز العمل، حتى وقعت اشتباكات شمال مصر في المحلة الكبرى ذات الثقل العمالي.

وقع إضراب جزئي زاد من وطأته جو خماسيني، الإضراب الجزئي الذي سمّاه صحفيون آخرون رمزياً وقع بعضه استجابة لنداء قوى سياسية وحزبية هي «حركة كفاية وحزب الكرامة الناصري، والوسط الإسلامي، وحزب العمل (المجمد)». إضافة لنقابة المحامين، وتجمع لأساتذة الجامعات وتجمع آخر لموظفي الضرائب العقاري وعمال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى. وبعضه الآخر وقع خشية من احتكاكات بين الجمهور ورجال الشرطة. وزارة الداخلية المصرية، تهيأت للحدث كمن يستعد لمواجهة حرب. طوقت نقابة الصحفيين ومقرات بعض الأحزاب واعتقلت رموزاً من الناشطين، وبالخصوص من حركة كفاية، وهو ما أدى الى تراجع الحركة عن تنظيم تظاهرات. وأصدرت الوزارة بيانات حازمة تحذر من الإخلال بالنظام العام ومن عرقلة العمل ومن التحريض.القوى التي دعت للإضراب لم تكن مندفعة للتصعيد ولا حتى التقيد بالإضراب الذي قصد من ورائه التوجه الى عصيان مدني بشل الحياة العامة.

المطالب المرفوعة اقتصادية ومعيشية تتمحور حول الارتفاع المتواتر لأسعار المواد الأساسية. أزمة رغيف العيش (الخبز) شكلت رافعة لشحن الناس وإظهار أن الإضراب أمر لا بد منه. كان تجار قد باعوا لتجار آخرين كميات هائلة من الدقيق المدعوم، فوقع نقص في إنتاج المخابز. السلطات أدركت خطورة الأمر في ظل القناعة الثابتة للجمهور بأن رغيف العيش خط أحمر، فتحرك محافظون ومفتشون حكوميون وضباط شرطة نحو المخابز، وبخاصة في المناطق الشعبية المكتظة، للإشراف على وصول إمدادات الطحين وعدم تسربها. إضافة الى السرعة في استيراد المزيد من الدقيق الأميركي.

كان وقع الإضراب ملحوظاً في العاصمة المصرية حتى لو لم يكن هناك إضراب واسع. بعض قادة «كفاية» مثل: المفكر عبدالوهاب المسيري، رأوا ان «التحرك الشعبي قد حقق هدفه وأن الرسالة وصلت إلى الحكومة».

ما أورده المسيري صحيح، فحالة الطوارىء والأجواء شبه الحربية تدلل على صحة حديثه.غير أنه من الصحيح أيضاً أن الجمهور العريض يخشى من تداعيات الاحتكام الى الشارع، في مدينة شديدة الاكتظاظ ووسط بطالة واسعة في صفوف شبان ريفيين وغير ريفيين، وفي ظل حياة سائلة تزخر بمختلف أشكال تجاهل وازدراء القوانين، بما يشجع حكماً على الانفلات. بهذا فالقاهريون أصغوا بأذن الى دعوات الإضراب وبأذن أخرى الى التحذيرات الحكومية، ولو كانت هناك أذن ثالثة لأصغوا من خلالها إلى المخاوف من خروج الإضراب عن أهدافه، نحو الفوضى.

الأحزاب الرئيسية، أدركت هذه المحاذير. جماعة الإخوان المسلمين لم تصدر أي نداء للإضراب وإن أبدت تفهمها للمطالب المرفوعة.وكان الظن لدى كثيرين أن الجماعة سوف تستثمر حرمان آلاف من مرشحيها من التقدم لانتخابات المحليات (البلديات) كي تؤلب الجمهور على الحكومة. أثبتت الجماعة حنكة سياسية، وتصرفت ك«حزب مسؤول» وكان بوسعها استثمار التذمر الشعبي. علماً أن الجماعة ما زالت محظورة قانوناً.

بقية الأحزاب، وبخاصة الوفد وحزب التجمع اليساري، اتخذت مواقف مشابهة،ونأت عن الانغماس في الإضراب، خلافاً لتاريخها السابق، وبالذات حزب التجمع الذي كان يعرف عنه تصعيده لقيادات عمالية الى مراتب عليا في الحزب وفي الترشيح للانتخابات. الراجح أن سجالاً سوف يدور بين القوى الناصرية وحزب التجمع حول «التواصل مع الجماهير والأداء والنضالي» في ضوء الموقف الحذر الذي اتخذه التجمع ‘ إلا إذا غير هذا الحزب موقفه مما يجري. والبادي أن انقساماً أو فرزاً قد أحدثته هذه التطورات، بين القوى الحزبية وبين تيارات شعبية جديدة نسبياً مثل: الكرامة الناصرية، وحركة كفاية اليسارية، فيما تراجع دور حزب «الغد» الذي كان يرأسه أيمن نور، الذي يقضي عقوبة بالسجن، وبات تأثير هذا الحزب يقتصر على صحيفته الأسبوعية التي تحمل اسم الحزب نفسه.

وقد لوحظ ان الصحف اليومية (القومية المملوكة لمجلس الشورى) وقفت ضد الإضراب وشنت حملات على الداعين إليه.باستثناء المصري اليوم المستقلة، التي تعكس آراء مختلف الفرقاء. أما الصحف الأسبوعية وغالبيتها معارضة مثل «الدستور»، و«الأسبوع»، فوقفت مع الإضراب

أما الأزمة الاقتصادية الداخلية، فلن تجد لها حلولاً ناجزة في الأمد المباشر، إذا ما استمر الحزب الوطني الحاكم في رسم السياسات وتنفيذها بصورة منفردة،وبمعزل عن القوى السياسية الأخرى التي ما فتأت تطالب بمؤتمر وطني وحوار قومي، فيما الحزب الوطني لا يبدي رغبة سوى بالتباحث مع «نفسه».

الإضراب العام في مصر وقع جزئياً وبأقل الخسائر
 
10-Apr-2008
 
العدد 21