العدد 21 - اقليمي | ||||||||||||||
إدمون غريب* نجحت الحـرب الاميركية على العراق فـي إسقـاط نظـام اعتبـرتـه واشنطـن معـاد لها ولحلفائها ومصدر خطر على اسرائيل وأدت إلى السيطرة على العراق وإقامة قواعد ضخمة فيه وإلى تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدولة الإقليمية الأعظم كونـها الدولة الأقوى في العـالم حيث أصبحت جـارة للدول المحاذية للعراق وفتحت أبواب العراق أمام الشركات الأمريكية و لكن بعد 5 سنوات يبدو أن هناك نتائج أخرى للحرب على العراق وأميركا والمنطقة. بالنسبـة للعـراق أدت الحـرب إلى انهيار الدولة العراقية التي بناها فيصل الأول وشركاؤه وأجيال من العراقيين ومزقـت النسيج الاجتمـاعي للمجتمـع العراقي وهددت بتقسيم العراق إلى دويلات إثنية وطائفية كما دمرت الحرب مؤسسات الدولة المركزية الرئيسية ولاتزال بعض مراكز الأبحاث التي تقدم النصح للإدارة ومن بينها معهد السلام الأميركي الذي أصدر قبل يومين تقريـرا يقـول أنه لابديل عن اللامركزية و استمـرار الفكفكة و تعزيـز القوة والمؤسسات والشخصيات المحلية كوسيلة للاستقرار في العراق. كما أدت الحرب إلى قتـل مئـات الآلاف من العراقيين ووقعت إصابات بأعداد أكبر من ذلك بكثير كما تم تهجير وتشريد حوالي 4.5 إلى 5 مليون عراقي نصفهم في الداخل ونصفهم الآخر في الخارج كما أدت إلى مقتل العديد من العلماء و الأطباء والطيارين والصحفيين ومهنيين آخرين. و نفخت الحرب في بوق الولاءات و الهويات الدينية والمذهبية والهوية القبلية والإثنية وأدت إلى بروز التطـرف والمليشيات التي تقبل على الاقتتال والخطف والمحاصصة الطائفية التي دفعت بالعراق إلى أعتاب حرب أهلية تهدد بتمزيـق أوصـاله، كمـا أدت الحـرب وأثـارها إلى استشـراء الجريمـة والفسـاد بشكل غير مسبـوق وأعادت المرأة العراقية التي صارت تعاني التهميش والتهديد والتي كانت قد حققت الكثير من التقدم في العقود التي سبقت حرب 90 - 91 أعادتها عشرات السنوات إلى الوراء، كمادمـرت الحرب والحصار الذي سبقها الطبقة الوسطى التي كانت تشكل العمود الفقري للاستقرار والتماسك والتقدم، كما تركت الحـرب أجزاء كبيرة من البـلاد بدون خدمـات أساسية كالماء والغذاء والدواء والكهرباء والعناية الصحية. وقد عززت الحـرب وضع الأحزاب والقوى الكردية المطالبـة بالحكم الذاتي وبالفيدرالية وجلبت نوعا من الاستقرار والحركة الاقتصادية والبناء إلى كردستان العراق ولكن مطالب أكراد تركيا وإيران ونشاط أحزابهم التي ستجعلهـا إنجازات أكراد العراق تهـدد بالتدخلات الخارجيـة من دول الجوار وبتقويض الإنجازات. وزادت الهجمات على الأقليات الدينية و رموزها. وعلى الرغم من سرعة الانتصار والنجاح في إسقاط النظام إلا أن الأخطاء الناجمة عن غياب التخطيط وعن فكفكة مؤسسات الدولة العراقية وغياب الأمن وتأمين الخدمات اليومية بعثت برسائل سلبية عن السياسة الأميركية، ولكن العامل الأقوى أيضا كان بروزا سريعا ومتناميا لقوى عراقية عبرت عن معارضتها العنيفـة للقوات الأميركية ولقوات الحكـومة الجديدة ووجدت الإدارة والحكومة العراقية نفسيهما غارقتين في الرمال العراقية المتحركة وأمام بروز قوى عراقية تقاوم القوات الأميركية وقوات الحكومة العراقية الجديدة. ودمرت الحرب التوازن الإقليمي التقليدي بين العراق و إيران و عززت نفوذ إيران وإلىحد ما تركيا و إسرائيل على الرغم من أن الإدارة كانت تأمل بأن احتلال العراق وإسقاط نظامه ستبعث برسالة واضحة إلى الدول التي وصفتها الإدارة بأنها تشكل أطرافا في محور الشر وتدفعها إلى التخـلي عن الممارسات والسياسات التي تعارضها واشنطن كما فتحت الحرب أبواب العراق أمام منظمة القاعدة التي لم تكن موجودة على الساحة العراقية و عززت نفوذها فيه. ومع أن الحرب أظهرت القدرات الهائلة للقوة الأميركية إلا أنها أيضا أظهرت محدودية هذه القوة وبيّنت أن التفوق العسكري لن يحل المشاكل السياسية المستعصية حيث أن الشرق الأوسط منطقة معقدة والعراق من أكثر دوله تعقيدا وليس جزيرة يمكن عزلها عن جوارها حيث أن هذا البلد بسبب ارتباطاته الدينية والمذهبية والإثنية والقبلية والقومية يشكل جسرا إلى دول الجـوار التي لهـا أيضا مصالحها وعلاقـاتها وتأثيـراتها داخـل العـراق وبدأت تتحرك على هذا الأساس بدعم قوى عراقية موالية لها. وبالنسبـة للولايـات المتحدة الأميركية أظهرت هذه الحرب التي تحـدث عنـها بعض قـادة المحافظين الجدد الذين طبلوا لها واعتقدوا بأنها ستكون سهلت وبمثابة أكل كعكة وغير مكلفة ماديا وبشريا وأن العراق الغني بالنفط سيدفع تكاليف الحرب و أن تكلفتها لن تفوق 50 مليار دولار. إلا أن حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر فبالإضافة إلى الغرق في الرمال العراقية المتحركة بسبب سوء التخطيط وعدم فهم طبيعة البلد المحتل رأى الكثيرون في العراق و في العالم بأن ماجرى تم خارج إطار الشرعية الدولية وبعد تهميش الأمم المتحدة ولذا لم تحصل على الدعم الدولي. وأثرت الحرب ونتائجها على القوى الإقليمية التي بدأت تخشى مضاعفات الأحداث العراقية على أمنها حيث أخذت تتحرك على هذا الأساس بدعـم قوى عراقيـة لها ارتباطـات تاريخية معها لحماية مصالحها. وبدلا من أن تمنع الحرب دولا كانت الإدارة تعتبرها أعضاء في محور الشر من العمل على تطويرقدراتها النووية فإنها تركت آثارا عكسية حيث دفعت هذه الدول للعمل على اقتناء هذه التقنية لتفادي مصير العراق. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن الحرب تركت آثارها على هذا البلد حيث وصلت الخسائر البشرية إلى مايزيد على 4000 جندي وحوالي 30 إلى 50 ألف جريح (إصابة بعضهم مزمنة ومكلفة) وإصابة الآلاف بأمراض نفسية، وكانت الحرب مكلفة لمصداقية وسمعة الإدارة لدى الكثيرين الذين رأوا أنها حرب غير شرعية جرت خارج إطار الشرعية الدولية وبسبب الانتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات التعذيب في أبو غريب وغيرها وعلى الساحة الأمريكية أضعفت الحرب والمخاوف من الإرهاب مبدأ التوازن والفصل بين السلطات أي بين الكونغرس والجهاز التنفيذي والحريات المدنية كما أدت إلى توجيه انتقادات لوسائل الإعلام الأمريكية التي رأى النقاد أنها تخلت عن دورها كرقيب على السلطة وكادت أن تتحول إلى بوق لها في فترة ماقبل الحرب والفترة التي تلتها. وتم إضعاف برامج التضامن الاجتماعي وتقلص الإنفاق على الشؤون التربوية والعناية الصحية والبنى التحتية. وأضعفت الحرب أيضا المؤسسة العسكرية الأمريكية التي كان بعض قادتها أكثر معارضة للحرب من المؤسسة السياسية، كما شجعت الحرب بـدء بـروز تكتلات دوليـة تخشى تزايـد القـوة والنفوذ الأمريكيين وتسعى للاستفادة من الأزمة الأمريكية في العراق. وقد ساهمت آثار الحرب في رفع أسعار النفط إلى أعلى مستوياته الأمر الذي ترك آثارا مدمرة على الفقراء في أمريكا والعالم وعلى الشركات الأمريكية كما تركت وتترك آثارا سلبية هائلة على الاقتصاد الأميركي حيث وصلت تكاليف الحرب إلى حوالي 12 مليار دولار شهريا ويرى بعض الخبراء أن كلفتها قد تصل إلى أكثر من 3 تريليون دولار كما انخفض سعر الدولار مقابل اليورو إلى أدنى مستوياته. وكان الرئيس بوش قد أعلن في مايو 2003 "اكتمال المهمة في العراق" ولكن إسقاط النظام وتدمير مؤسسات الدولة والفوضى التي تلت ذلك دون أي رادع من القوات الأميركية وبروز مقاومة عراقية أظهرت أن الدخول إلى العراق كان أسهل بكثير من الخروج منه. وعكس القول بأن الحرب ستجلب الترياق من وإلى العراق وستعالج آفات المنطقة ومشاكلها المزمنة فأنها قد غيرت البيئة الإقليمية ولكن ليس بالطريقة التي كان يأمل بها صانـعو القرار والمحـافظون الجدد في واشنطن حيث ستترك هذه الحرب آثارا بعيدة الأمد عرفنا بعضها وبعضها لن يعرف قبل سنوات وربما لعقود. وهناك حاجة ماسة لإعادة النظر في سياسات الولايات المتحـدة ودول المنطقـة والقيـادات العراقيـة التي دفع العراق والعراقيون بالإضافة إلى الشعب الأمريكي وشعوب المنطقة ثمنها باهظا، وسأعود إلى هذا الموضوع في مقالة قادمة. * إدموند غريب: أستاذ الدراسات الدولية بجامعة جورج تاون و مؤلف عدة كتب من بينها: قاموس تاريخ العراق ، حرب الخليج 90 - 91، الحركة القومية الكردية والمسألة الكردية في العراق. |
|
|||||||||||||