العدد 21 - كتاب
 

الأردن ليس بلد التماسيح، كما يعتقد البعض. فالتماسيح، آخر مخلفات عصر الديناصورات، لها جلود سميكة جداً لا تحس بجهنم جوع الشارع الأردني أو برد شتائه. فحين يبكي أب لأنه لم يستطع أن يطعم صغاره نتيجة الغلاء، فهو لا يخرج فائض ماء من عينيه بل يعبر عن غبن أصاب من يحبه، غبن لم تقترفه يداه.

الأردنيون ليسوا تماسيح تعيش في السبخات والمستنقعات، فأردننا أحد أفقر عشر الدول مائياً في العالم، ونحن أمة تعودت التقشف في الإنفاق حتى في استهلاك الماء، ولم نكن يوماً كالتماسيح الذين يعضون الأيادي، فلماذا يريدون منا أن نصبح تماسيح؟

أسئلة كثيرة تدور في البال: لماذا حين يقوم أحدهم باقتراح عقلاني يحتج صاحب القرار؟ ويعلن بأن الاقتراح هجوم شخصي على مقامه ومنصبه، فيتشنج ولا يصغي برغم أن مصلحة الوطن هي الهدف الأسمى. لماذا لا يعتقدون ذلك؟ أليست شعار الأردنيين هو "كلنا الأردن"؟، فهل نحن بلد لا يسأل فيه المسؤول عما جنته يداه؟ قد نكون كذلك، وقد يريدون لنا أن نصبح تماسيح ولكن طبيعتنا الأبية لم تكن يوماً كذلك.

كما أننا لسنا بلاد السوبرمان، وبصراحة الأردن لا يحتاج الى أي سوبرمان. في بلد "الأردن أولاً" و"كلنا الأردن" لم نكن نحتاج يوماً أكثر من مؤسسات تعمل وتحاسب على ما أنجزت يداها أو اقترفت. لم ولن ينفعنا سوبرمان الذي يأتي، فيبهر الناس بكم لغة يتقن، وكم ساعة يعمل، وكيف أنه متحدث لبق، ثم يتركنا لنتعامل مع أنقاض مؤسسات تحطّمت لأن سوبرمان لم يسأل أحداً رأياً أو يسأله أحد عما يفعل، فأتى وفعل بهذه المؤسسات ما لا يفعل من أجل تمجيد قدره وقدراته ثم طار الى قمم أعلى بينما بقيت مؤسسات الوطن متخلفة تعاني من تراكم الأخطاء ومخلفات سوبرمان.

سنقبل بدلاً من كل سوبرمانات الأردن بأناس عاديين جداً يحترمون مبدأ أن موظف الحكومة هو بكل بساطة، خادم للشعب. فيتعلم خادم الشعب حين يعلم أنه أجير لدى الناس، وظفوه ليساعدهم على تداول مصالحهم العامة ليتفرغوا هم لمصالحهم الخاصة، ولينفذ إرادتهم بأمانة ووعي وإحساس تام بأنه مسؤول أمامهم وليس عليهم. مع غير السوبرمانيين، سنبني مؤسسات تقدّر المواهب وتجمعها لنعمل بروح الفريق، وتحد من تسرب وهجرة العقول إلى الخارج، فتترابط المؤسسات وتنمو بدلاً من ان يترابط السوبرمانات وينمون على حساب المؤسسات والوطن والمواهب الحقيقية التي هربت بقدراتها إلى بلاد تحترم فيها المؤسسات العقول والابداع.

نعم، الأردن لم يكن يوماً بلداً للتماسيح وليس بحاجة إلى سوبرمان، فليس لدينا دم بارد أو مياه وفيرة لنكون تماسيح، وسوبرمان شخصية يضحكون بها على الصغار، فهو قصة خرافية، صانعها مات مفلساً، ولا يستسيغها الكبار إلا في دور السينما والأفلام. بل إن كريستوفر ريف الذي أبدع أداءها في السينما شُلّ وأقعدته قفزة فروسية قبل أن يفارق الحياة على أرض الواقع.

رأفة بهم وبنا، لا نريد سوبرمانات، أو أشخاصاً يعتقدون بأنهم فوق المحاسبة والحساب، فإن لم تحاسبهم الحكومات الآن سيحاسبهم الوطن حتى نهاية الزمان. لذلك، دعونا نودع سوبرمان أياً كان.

حين نتحدث عن فواتير وكلف السياسات النقدية أو المالية التي أثرناها مراراً هنا وهناك ووضحنا وحللنا وتحملنا هجوم هذا وذاك في سبيل طرحها للحوار وناقشناها حتى في البرلمان لم تجد من يصغي لها في بلاد "لا تفعل شيئاً، نحن بلاد التماسيح والسوبرمانات".

لا ننسى الحكمة التي تقول "حتى كلارك كنت (النسخة البشرية لسوبرمان في سينما الخيال) ليس سوبرماناً في كل الأوقات".

العبر كثيرة من قصة سوبرمان كم منهم مات على قارعة الطرقات، لأنه تخيل أنه فعلاً أصبح خارقاً فقفز ليطير ووقع ومات.

يوسف منصور: بلد التماسيح وسوبرمان
 
10-Apr-2008
 
العدد 21