العدد 21 - كتاب
 

مضت فترة زمنية طويلة تحقق خلالها اندفاع دورة انتعاش عميقة في القطاع العقاري الأردني اتسمت بتدفق رؤوس أموال كبيرة محلية وخارجية إليه للمتاجرة في الأراضي، كما في شراء وإنشاء الأبنية السكنية، والتجارية، والسياحية التي دفعت بأسعارها الى الارتفاع والى دخول أفراد وشركات عقارية ومالية جديدة إليه.

تضافرت عدة عوامل اقتصادية، وسياسية، وبشرية للتأثير في هذا الاتجاه، ومن ذلك ما حدث من ارتفاع متواصل في أسعار النفط، وتراكم الفوائض المالية في الأقطار المنتجة له، وتنامي مدخرات العاملين الأردنيين هناك، وتزايد التحويلات إلى البلاد التي أنصب وانفاق واستثمار الجزء الأكبر منها في القطاع العقاري.

وتعمق الانتعاش العقاري أيضاً في الفترة التي تلت الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق، واضطرار مئات الألوف من العراقيين الى الانتقال إلى الأردن مع ما أمكن لهم حمله أو نقله من رؤوس أموال نقدية تركز انفاق أو توظيف معظمها في شراء الأراضي والمباني للإقامة أو لنشاطات استثمارية ما ساهم في تعزيز وتعميق طلب عام على العقار بمختلف أشكاله، وتحقق ارتفاع آخر في مستويات أسعاره.

وفي موازاة ذلك، توسعت معظم وحدات الجهاز المصرفي كثيراً في صرف القروض للأفراد والمؤسسات والشركات لمختلف فروع البناء السكني، والتجاري، ولإنشاء الفنادق والمنتجعات والمرافق السياحية وما تزال.

ولأنه لا يمكن في الاقتصاد الرأسمالي أن يتواصل مسار الانتعاش أو الركود في الدورة التجارية في الاتجاه نفسه، فإننا لم نفاجأ بظهور مؤشرات عكسية في سوق العقار الأردني، وبروز فائض وعدم توازن في مكوناته بنمو زائد في الأبنية الضخمة، ومشاريع النخبة مقابل نقص واضح في الوحدات المطلوبة من محدودي الدخل.

تسارع التباطؤ في القطاع العقاري مع تزايد وتيرة التراجع في الطلب الخارجي عليه، بل والتحول إلى عرضه وبيعه أحياناً كما في الحالة العراقية.

القفزات الأخيرة في معدلات التضخم في الاقتصاد الأردني انعكست بوضوح، وضمن عوامل احتكارية أخرى، في ارتفاعات متتابعة في أسعار الحديد، والإسمنت، ومدخلات البناء الأخرى وارتفاع موازٍ في كلفة وأسعار العقار المعروض في وقت تراجعت فيه دخول وقدرات المواطنين الشرائية، وقدراتهم.

وإذا كان قطار الانتعاش في القطاع العقاري قد حمل معه أيضاً ازدهاراً موازياً في معظم النشاطات الاقتصادية المتصلة والمكملة له، فإنه من المنطقي الآن التحسب من مخاطر ابتداء التباطؤ إليها وربما بوتيرة أشد. سيكون الوضع الانكماشي الحالي صعباً، وسيكون الخروج منه أكثر صعوبة كلما تأخر الاعتراف بمشكلة التباطؤ الناجمة، أو محاولة التبسيط والتخفيف منها، ومع تواصل التخلي عن نهج التخطيط في الاقتصاد الأردني، وعن مرتكزات الإصلاحات الكثيرة في ضرورات التدخل الحكومي في الانفاق والتشغيل والتقنين والتملك المؤثر للمرافق الاقتصادية الأساسية وإدارتها التي ساهمت في السابق في الحد من تفاقم أزمات اقتصاد السوق الرأسمالي، وساعدت في الخروج منها بأقل الخسائر: اقتصادياً، واجتماعياً.

الإدارة الأردنية لتباطؤ الاقتصاد عموماً، والعقاري خصوصاً لم تستفد من معطيات ودروس وعبر أزمة الانكماش المتزايدة في الاقتصاد الأميركي التي كانت الاشكالية العقارية وقروضها أحد أسبابها الرئيسة، حيث تتشابه الحالتان هنا وهناك في المقدمات والتداعيات إلى درجة كبيرة.

أحمد النمري: صدمة عقارية في الطريق
 
10-Apr-2008
 
العدد 21