العدد 21 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: سكوت موريسون بعد مشروع الأصولية الذي قامت به جامعة شيكاغو، ومتابعة له، يشرع هذا الكتاب في إثبات الكيفية التي يجعل فيها ذلك النوع من الأصولية المقارنة الدينية الشاملة المتنورة أمراً ممكناً. يبني الكتاب على التشابهات العائلية التي أثبتها مسح للخطابات في المسيحية البروتستنتية المعاصرة والإسلام، بهدف تبديل تحليلات العالم التي تستحضر صدام حضارات بين الغرب والشرق، بتحليل يقوم على صراع الثقافات في إطار حضارة واحدة: دينية ومادية علمانية. بكلمات أخرى، فإن الأصولية الإسلامية والمسيحية تشبهان بعضهما بعضاً أكثر مما تشبه كل منهما زميلتها العلمانية أو الدينية الموازية. إن الإسهام الأكثر قيمة لهذا الكتاب هو بالتأكيد التماثلات المهمة – وأحياناً المثيرة للدهشة – التي يكشف النقاب عنها بين النصوص التي يستخدمها هؤلاء في تقديم أنفسهم بوصفهم مؤمنين بديانتين مختلفتين. فهي في الواقع تحطم المفهوم الخاطئ بأن الخطابين الأصوليين للإسلام والمسيحية البروتسنتية فريدان أو حتى إنهما نوع استثنائي من الإيمان والممارسة. ومن خلال مقارنة محكمة مع الماركسية (اللينينية) نستقصي في صورة كاشفة الحكمة التقليدية بأن الأصولية هي ظاهرة دينية ضرورية. وثمة فائدة إضافية خاصة بطلبة الدراسات الإسلامية أو الشرق الأوسطية، هي فرصة تعرفهم في صورة أكثر شمولاً وإثارة للتفكير على خطاب الأصولية المسيحية البروتستنتية. وتوفر سير الأصوليين المقتبسة في الكتاب منظوراً شخصياً غير عادي للوعاظ الإنجيليين، وترسم بعض التوازيات الخادعة التي تستدعي للمساءلة الشعور العام بأن "الأصوليين الإسلاميين" ليسوا سوى مخلوقات غريبة وعجيبة. سوف يجد ذوو التوجهات التاريخية في هذا الكتاب شيئاً من الإحباط، إذ إنه يحيد عمداً عن الإطارات الجغرافية والاجتماعية التي اختارتها الخطابات. ويرى كاتب هذه السطور أن هذا لا يقلل من شرعية الدراسة، لكنه يثير أسئلة حول الغرض منها. ومن الواضح أن نوايا الكاتب لا تتجه نحو شرح سبب موافقة الناس على المعتقدات الأصولية الخاصة بعبارات مقتصدة وسوسيولوجية أو نفسية أو سياسية. (يقدم الفصل الأول من الكتاب المكرس لـ"لخلفية التاريخية"، بعض السوابق الحقيقية للخطابات المعاصرة المقتطفة في متن الكتاب. غير أن شيئاً في هذه الخلفية لا يمثل شرحاً مسبباً للمجموعة التي اعتمدها المؤلف مثلا للأصولية. ومن المؤكد أن الفصل الأول لا يضيف سوى القليل للمعلومات العامة المتعلقة بانبعاث الإسلام السياسي، بالاعتماد على أدبيات عادية ثانوية الأهمية.) وبدلاً من الشرح المسبب أو التحليل التاريخي المفصل، يكتفي المؤلف بالتعريف بالصلات العقائدية. (تتعلق الفصول الأساسية للكتاب بمعاداة العلمانية والنصية والمواقف من "الدين، والسياسة، والدولة"؛ وبماضٍ هو العصر الذهبي؛ و"بالمعركة المعاصرة"؛ المحاور المميزة التي يزعم "الأصوليون" أنهم يميزون أنفسهم بها). رغم أن التعرف إلى أوجه التشابه والاختلاف بين الأفكار قد يستحق أن يكون هدفاً في حد ذاته، فإن حقيقة أن الكتاب يقوم على ما يعتبر أساساً جرداً غير نقدي لتصريحات قصيرة متناثرة في الزمان والمكان تؤدي دوراً سلبياً في تحقيق ذلك الهدف، ومثل هذا المسح هو بطبيعته غير قادر على الوصول إلى أوجه الشبه والاختلاف الكامنة تحت السطح، فالكتاب يضحي بالعمق لصالح الاتساع المقارن. ربما كانت تلك محدودية لا مناص منها، وقد جعلها كذلك الهدف المقارن للكتاب، غير أن استيعاباً صحيحاً لعقيدة الخطاب ومحتواه – ناهيك عن القضايا الدلالية الزلقة في الأسلوب والنبرة وأسلوب التبرير والتفويض- يتطلب، على الأقل، مقاربات نصية ثقافية للآراء المعزولة المذكورة في الكتاب، والمعروفة تماماً، وللتقاليد ومدارس الفكر- سواء كانت تلك الآراء متطابقة أو متناقضة مع السياق. وفي وضعيته الراهنة، فإن الأساس المنطقي لدراسة تصريح ما أو مؤلفه الأصولي، ومن ثم معيار تضمينه في الكتاب، هو أكثر القضايا المنهجية إزعاجاً. ومن الصعب استثناء الاحتمال المقلق بأن نوع الأصولية المنتشر هنا، وليس مساعدتنا على فهم العالم، إنما يخدم، بدلاً من ذلك، لإثبات الاستنتاج المقرر مسبقاً بأن الأصولية موجودة، وأنها تعرض بأمانة الملامح التي يتوقع منها أن تعرضها. بكلمات أخرى، حالة منهجية لوضع العربة أمام الحصان. أحد دفاعات ذلك النوع من الأصولية هو الإخفاق: فرغم أن من الصحيح، كما يقول الكتاب، أن حسن الترابي، وراشد الغنوشي يطبقان مصطلح الأصولية على نفسيهما، فإن العبارة العربية لا تملك سوى قليل مما هو مشترك مع الإيحاءات التي تستدعيها الترجمة الحرفية للمفردة العربية: "أصوليون." يجهد المؤلف نفسه للإشارة إلى الطبيعة الإشكالية والمنقولة لعبارة "الأصولية"، وهو يعبر عن القلق المعقول والأكيد الخاص به وبآخرين، من أن الكلمة قد تحمل مثل هذا المعنى العاطفي والسلبي تماماً بحيث تسقط بلا عودة من سجل العلماء. وفي رأيي أن المشكلة الأكثر جدية هي أن معنى "الأصولية" ليس محدداً، ولم يظهر هذا الكتاب ولا الأدبيات التي ذكرها، في رأيي، أن الأصولية يمكن أن تكون أكثر من مقولة حزبية، أداة للإقصاء والهيمنة أكثر منها أداة لتحليل جدي، وأن ذلك النوع من الأصولية هو، باختصار، ذريعة للتفكير الضحل. أي ملامح يمنحها هذا الكتاب للأصولية وللمواقف الفكرية منها؟ فيما يلي بعض الخصائص المحتملة والأمثلة المضادة لها. إن تقييماً وراثياً، تؤدي من خلاله "الأزمات التغريبية والاضطرابات"(ص 6) إلى نشوء أصوليات، هي إحدى الخصائص. وكمثال مضاد، هناك من يعتبر الليبرالي المكرس جون لوك، مستجيباً للحروب الدينية الإنجليزية المربكة والتغريبية في صورة شاملة، فهل كان جون لوك أصولياً؟ ويقول تعريف آخر مذكور أن الأصوليين يعبرون عن "المقاومة المشتركة للحداثة العلمانية (ص 8). وماذا عن العداء للعولمة وأنصار البيئة والناشطين من أجل حقوق الحيوان الذين يعترضون على ما يرون أنه مدمر في الحداثة؟ وماذا عن المؤمنين من جميع الطبقات الذين يقبلون الإساءة بهدوء، ويحتجون بأدب على تعبيرات الاحتقار لإيمانهم، التي يواجهونها حين يكونون في معية صحبة غير متدينة؟. ثمة سمة أخرى ترى أن الأصوليين يقيمون "نظاماً من الحقيقة المطلقة ضد مفاهيم الحداثة حول الحقيقة بوصفها نسبية وسياقية. إن الخطاب الأصولي جوهري، يهدف إلى تأسيس فضاء قائم على حقيقة مقدسة راسخة وقابلة للمعرفة موضوعياً" (ص 9). هل قيمة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية نسبية وسياقية؟ وماذا عن حقائق الرياضيات والعلوم الأساسية؟ هل كان أفلاطون، تلميذ سقراط، بما ورائياته المبهمة والفلسفة الألمانية لعمانوئيل كانط بخططه العقلانية للواجبات الموضوعية اللازمة أصوليين؟. إن الأصولية "أيديولوجية دينية تدعي امتلاك نص مقدس بوصفه مرجعيتها العليا، وهي أساساً حرفية في تعاملها مع النص" (ص 15). لكن ثمة معلومات أخرى مطلوبة؛ لنفرض أن الأفراد ينظرون إلى كتابهم المقدس أو نسختهم الخاصة من "رأس المال" بوصفه مرجعيتهم النهائية، فهل هم في العادة (أو أصلاً) يشيرون إلى تلك المرجعية النهائية، وحين يفعلون ذلك، كيف يفسرون مطالب تلك المرجعية؟. فيما يتعلق بالجذرية (الراديكالية)، فإنها في عين الناظر- ربما يكون المعتدل عندي متطرفاً بالنسبة لك، والحليف الذي تثق به هو بالنسبة لي راديكالياً خطيراً. وإن كانت الإقصائية هي المقياس، فهل أعضاء "MENSA" ونوادي نخب البلاد والدول السبع الكبرى أصوليون؟ وفيما يختص بالتشدد، فهل الحكومات التي تطبق سياسات خارجية عدوانية وتدخلية أصولية، بغض النظر عن السبب الذي تبرر به أفعالها، بما في ذلك الدفاع عن النفس؟. وسواء كان الوضوح التحليلي أو الملاءمة المفهومية أو الاعتماد المقارن هو الذي يستطيع في النهاية تخليص "الأصولية"، فإن من غير المحتمل لقارئ لم يؤمن بعد بصوابية أسبابها أن يكسبه هذا الكتاب إلى صفه. * بالتعاون مع مجلة International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||