العدد 21 - حريات | ||||||||||||||
كثيراً ما حالت عادات اجتماعية متأصلة، أو متطلبات اجتماعية مستجدة، دون إتمام قصص الحب الحقيقي، التي يهدف طرفاها للزواج، وبخاصة تلك التي تنشأ في أثناء سنوات الدراسة الجامعية بين الشبان والشابات. فقد تمانع أسرة أحد الطرفين في قبول نسب أسرة الطرف الآخر لاعتبارات تتعلق بالمستوى الاجتماعي، وربما ترفض الطرف الآخر لمستواه الشخصي، سواء أكان التعليمي أم المالي. وفي حالات أخرى، قد يكون "نجاح" قصة الحب ممكناً بين الشاب والفتاة، لولا عدم توافر المتطلبات المالية اللازمة لمقتضيات الزواج عند الشاب، وفي هذه الحالة لا يكون المجتمع بريئاً تماماً، إذ إنه هو الذي "شرّع" تلك المقتضيات والنفقات التي يعجز عنها الشاب. المشكلة لا تنتهي مع نهاية "قصة الحب" بالفشل، وتفرق الحبيبين، فالطرفان قد يتزوجان فيما بعد من آخرين. وفي هذه الحالة فإن عدم نجاح أي منهما في تجاوز تجربة الحب الفاشلة، ستفرض عليه تعاسة أبدية، ما قد ينعكس على أسرته الجديدة التي كوّنها، فتتحول إلى أسرة متوترة، تشهد مشكلات كثيرة، وربما تنتهي بانفصال الزوجين. تروي سُهاد طاهر (37 عاماً) قصة الحب التي عاشتها مع زميل لها في أيام الدراسة الجامعية، ولم تستطع تجاوز الآثار النفسية التي ترتبت على فشلها حتى الآن، برغم مرور وقت طويل عليها. كان زميلها متفوقاً في دراسته، وطموحاً لإكمال دراسته العليا بعد تخرجهما في الجامعة. حصل على بعثة من الجامعة إلى ألمانيا، فيما تابعت هي دراستها العليا في الجامعة نفسها في عمان. واستمرت لقاءاتهما في كل زيارة كان يعود فيها إلى الأردن، حتى أتم دراسته، وعاد ليعمل محاضراً في الجامعة. انتظرت سُهاد أن يفاتحها "حبيبها" بموضوع الزواج، لكنه تأخر كثيراً، وفهمت فيما بعد أن عائلته كانت ترفض أن تخطبها له، لأن عائلتها كانت من مستوى اجتماعي ومالي أقل. في ردة فعل نفسية عنيفة على ذلك، لم تتوقف سُهاد عند حد الابتعاد عن ذلك الشاب الذي كانت تتمناه زوجاً، بل إنها عرضت عليه أن تعرفه على صديقة لها، كانت ظروفها تتناسب وشروط عائلته، وقد تم ذلك فعلاً، وباتت تلك الصديقة الآن زوجة حبيبها الذي أبعدته عنها شروط المجتمع وعاداته "غير المعقولة"، برأيها. علي زريق (29 عاماً)، عانى هو الآخر وضعاً شبيهاً في محصلة "قصته"، إذ قررت عائلة خطيبته فسخ الخطبة لتأخره في إتمام الزواج، بسبب عدم تمكنه من توفير متطلباته المالية. أصيب علي بصدمة نفسية، وحاول وسطاء كثيرون ثني عائلة الخطيبة عن قرارهم، إلا أنهم جميعاً لم يفلحوا، وتزوجت تلك الفتاة من شخص آخر سريعاً. بعد سنوات، تزوج "علي" من أخرى، لكنه يصر على أنه لا يستطيع –رغم مضيّ السنين- أن ينسى خطيبته الأولى، فهي "حبّه الأول" كما يقول، لكنه يضيف أنه يحاول دائماً كبح جماح مشاعره، حتى لا تنعكس سلباً على استقرار أسرته، وبخاصة على أبنائه الذين يحبهم كثيراً، ويقول إن آخرين يمكن أن تؤدي بهم تجارب كهذه إلى الفشل في تأسيس أسر، أو في الحفاظ على تماسك أسرهم، ويرى أن المجتمع وشروطه وعاداته "البالية" هي السبب في كل هذا، مضيفاً أنه "يحسد" المجتمعات الغربية على الحرية التي تعيشها، وتمكّن كل محبين من تحويل قصة حبهما إلى زواج وأسرة ناجحة، من دون "عُقد"، حسبما يقول. في تحليل نُشر على الإنترنت، يقول الدكتور شوقي العقباوي، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن العصر الذي نعيشه، يعاني فيه الشباب من كمّ كبير من الضغوط والإحباطات التي تجعل فكرة اقتران الحب بالزواج فكرة صعبة، بسبب العقبات المادية التي يواجهها أغلبهم. وعليه يكون الحب، بشكله المجرد، هو المتنفس النفسي للشاب والفتاة، رغم أن كثيرين منهم يدركون أن الطريق مسدود في النهاية. ويرى العقباوي أن حل المشكلة يكمن في توجيه الشباب منذ الصغر إلى الأنشطة الرياضية، وتحصينهم بالالتزام الديني، ما يعني أنه لا يرى أن المجتمع هو المسؤول بعاداته وتقاليده، ولا يطالبه من ثم بتعديل تلك العادات. لكن منير أبو سيف (28 عاماً) يؤكد، مثل سُهاد وعلي، أن المشكلة كلها تكمن في عادات المجتمع، التي يتعاطى الناس بها وكأنها مقدسة، رغم أنها في الحقيقة تخرب المجتمع، وتمنع عن كثير من أفراده «الراحة النفسية» التي تلزمهم للنجاح في الحياة العملية. ويؤكد منير، الذي فشلت قصة حبه بسبب رفض أهله فتح موضوع الزواج وهو على مقاعد الدراسة، أن تغيير تلك العادات، يعد حاجة ملحّة، مطالباً في الوقت نفسه بالتفريق بين الحب البريء، الذي ينبع من مشاعر صادقة تهدف إلى الزواج، والعلاقات الغرامية غير البريئة، بل وغير «العُذرية»، مؤكداً أن هذه الأخيرة ليست حباً من حيث المبدأ، وأن من الظلم تصوير الحب على أنه علاقة مشبوهة بين شاب وفتاة، مشيراً إلى أن ثمة في المجتمع من لا يُفرق بين الحالتين، وهذا بذاته يمثل ضغطاً على طرفي «حالة الحب»، إذ يخشيان، في العادة، نظرة المجتمع غير الإيجابية تجاههما، وشكوك بعض أفراده التي قد تؤثر سلبياً على سمعتهما، وبخاصة سمعة الفتاة، ولهذا نجد –كما يقول- أن أسرة الفتاة تكون أكثر تشدداً تجاه هذا الموضوع، ما يدفع الفتاة لإخفاء مشاعرها عادة، أو عدم التصريح بوجود هذه المشاعر في حال تقدم خاطب لعائلتها، فتضطر للزواج منه تحت ضغط عائلتها، منهية قصة حبها فجأة، رغماً عنها، لعدم تمكنها من الإفصاح عن رغبتها بالزواج من شاب آخر. |
|
|||||||||||||