العدد 21 - احتباس حراري
 

من الصعب أن يتصور مستهلك للزيوت النباتية في الأردن أن إرتفاع اسعار هذه السلعة بنسبة تزيد على 40بالمئة في الأشهر الستة الماضية يعود سببه إلى خطط دولية لحماية البيئة. لقد بدت فكرة "الوقود الحيوي" المصنوع من الذرة والصويا فكرة جذابة من الناحية البيئية قبل سنتين بشكل خاص حين أعتبرت منظمات حماية البيئة الدولية أن استخدام الوقود الحيوي بديلاً عن النفط في المركبات سوف يساهم في تقليل انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري وبالتالي إنقاذ العالم.

ولكن الفكرة البرّاقة تحولت إلى استثمار لأصحاب الملايين وبعض الدول التي وجدت في الوقود الحيوي فرصة لتقوية صادراتها واستغلال وجود المياه والمساحات الزراعية الشاسعة والتكنولوجيا الملائمة فأصبح تحويل المساحات الزراعية من المحاصيل الغذائية إلى الوقود سببا في رفع أسعار كل مشتقات الذرة والصويا وقصب السكر في العالم وهذا ما أثار هلع المنظمات البيئية والتنموية مؤخراً.

شركات الوقود الحيوي الكبيرة بثت المزيد من الذعر في تصريحات إعلامية نقلتها وكالات الأنباء مؤخراً. حيث قالت ستيفاني ديلودر الشريك الإداري لدى آي فيول الاستشارية ومقرها هولندا إن مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء ستستمر لبضع سنين. لكن في نهاية الأمر ستساعد قوى السوق على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ولا سيما في الأسواق غير الخاضعة لرقابة تنظيمية كبيرة بيد أن هذا قد يستغرق وقتاً.

وأضاف فيكتور ديكي، مدير تطوير الوقود الحيوي، لدى نوفوس أوروبا التي مقرها بلجيكا قائلاً: "مواسم الحصاد الكبيرة ستخفف الضغط عن الأسعار" لكنه أردف قائلاً إن إنتاج الغذاء يواجه مشكلات هيكلية ومن شأن تغير المناخ أن يخفض الإنتاج مما يدفع الأسعار صعوداً.

ولكن ديكي بث أيضاً رسالة من الطمأنينة قائلاً إن: ما يسمى "الجيل الثاني" من الوقود الحيوي الذي ينتج من محاصيل غير غذائية ونفايات سوف يخفف الحمل عن أسعار الغذاء لأن الكثير منه لا يزاحم الغذاء على الأرض.

ويشار إلى نبات الجاتروفا كلقيم محتمل لإنتاج الوقود الحيوي الذي يمكن إنتاجه أيضاً من عشب الحلفاء الصينية وعشب قصب الكناري.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة العالمية إن تضاعف حجم إنتاج وقود الايثانول المستمد من الذرة وبعض المنتجات الأخرى في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والبرازيل والصين والذي يصل حالياً إلى أكثر من 10ملايين طن ومن المقرر أن يرتفع إلى 21مليون طن قبل عام 2016م متناغما مع موجة الجفاف التي تلف أجزاء كبيرة من الأرض، سوف يفضي إلى رفع أسعار المواد الغذائية بما في ذلك المصادر الحيوانية ويخلق مشكلة في توسع دائرة الجوع وارتفاع معدلات الفقر.

ومن الطريف أن حالة القلق تجاوزت المنظمات التنموية والبيئية لتصل إلى بعض الشركات العالمية، إذ حذر رئيس مجموعة نستله بيتر برابيك من ان زيادة الاعتماد على المحاصيل الغذائية لانتاج الوقود الحيوي يعرض للخطر تزويد سكان العالم بالغذاء. وصرح برابيك في مقابلة مع صحيفة "ان ز ز ام سونتاغ" "إذا كانت الخطة تقوم كما يجري الحديث الآن على توفير 20بالمئة من الطلب المتزايد للمنتجات النفطية من خلال الوقود الحيوي لن يبقى ما يؤكل».

وأضاف مسؤول المجموعة السويسرية "ان تقديم الدعم الكبير لانتاج الوقود الحيوي غير مقبول أخلاقياً وغير مسؤول" مضيفاً أن ملايين الأطنان من الذرة المخصصة للوقود الحيوي تؤخذ من طريق القطاع الغذائي. وأضاف برابيك أن هذه الظاهرة تؤدي الى رفع أسعار الذرة والصويا والقمح فيما تصبح الأراضي القابلة للزراعة نادرة وتشح مصادر المياه حيث يستلزم انتاج ليتر من الايثانول الحيوي أربعة آلاف ليتر من المياه.

وفي النهاية يبقى السؤال: هل فتح العالم صندوق باندورا الجديد ليتسبب في زيادة جوع مئات الملايين من الناس؟

الوقود الحيوي يقود العالم النامي إلى الجوع
 
10-Apr-2008
 
العدد 21