العدد 21 - علوم وتكنولوجيا
 

محمد عدي الريماوي

عند ظهورها في العام 1952، بدأت الشبكة العنكبوتية العمل لغايات عسكرية بحتة، قبل أن تنطلق إلى فضاءات تعليمية تقتصر على الجامعات. ثم واصلت هذه الشبكة التوسع والانتشار، ودخل الاقتصاد والسياسة والفن على الخط، وما زالت المعرفة تنتظر.

نادرة هي المواقع التي توفر المعلومات القيمة للمستخدمين. فمن الممكن أن نجد مواقع توفر لنا الكتب في جميع المجالات، وأغلبها مجاني، وهنالك الكثير من المواقع التي تقدم الأخبار والمقالات على مدار الساعة. وهنالك المنتديات التي يبرع في إنشائها العرب، وتحتوي على القدر القليل من المعرفة.

كانت مهمة البحث عن المعلومات صعبة ولا تفي بالمطلوب، خصوصاً إذا كانت اللغة العربية هي المستخدمة، فبعد البحث في مواقع الأخبار، أو المواقع الرسمية لا يحصل المتصفح إلا على كم قليل من المعلومات التي لا تفيد الباحث في الوصول إلى ما يريد.

في العام 2001 انطلقت موسوعة "الويكيبديا" باللغة الإنجليزية، وكانت الفكرة قائمة على توفير أكبر قدر ممكن من المقالات، في شتى المجالات لتوفير المعرفة لجميع المستخدمين، مجاناً بالطبع، ثم انطلقت بعدها اللغات الفرنسية، والألمانية، وبدأت الموسوعة بعد ذلك بالتوسع، ليصل عدد المقالات الآن إلى أكثر من ثمانية ملايين مقال منشورة في 250 لغة.

يقدر عدد المشتركين في هذه الموسوعة بنحو 3.4 مليون مستخدم، يقومون بإضافة المقالات بشكل شبه دوري، من جميع دول العالم، وتحتل اللغة العربية المركز 31 في قائمة المقالات بمجمل 56000 مقال، ولكن للأسف، فإن أغلب المشاركات قصيرة وغير مفيدة، ولا تفيد الباحث عن المعلومات، لذا فهو يعمد إلى الوصول للمقال بلغات أخرى وترجمته بعد ذلك للعربية.

تتالت بعدها المشاريع التي تقدمها شركة ويكيميديا، فأصبحت تقدم خدمة الويكشينري (Wikitionary) في أواخر العام 2002 الذي يوفر خدمة القاموس لأكثر من 170 لغة، تحتل لغتنا العربية المركز التاسع فيها، وتوفر من خلالها كثيراً من معاني ومرادفات اللغة العربية، وتعد المشاركة العربية في هذا القسم مميزة وجيدة.

وتعد الويكيكوت (Wikiqoute) التي انطلقت في أواسط العام 2003 من الخدمات المميزة في هذا الموقع، فهي تقدم الأقوال المشهورة للعظماء والعلماء التي سجلت في الخطب والكتب، وبعض الجمل الشهيرة في الأفلام السينمائية، وشعارات وأقوال مأثورة وحكم وأمثال. تتوافر هذه الخدمة في 50 لغة تحتل اللغة العربية فيها المركز 30، بمجمل 1400 مشاركة، تحتوي على الكثير من الاقتباسات من الشعارات والخطب التي تملأ عالمنا العربي.

انطلقت بعد ذلك سلسلة من المشاريع الكبيرة، مثل الويكيبوك (Wikibook) التي توفر عدداً هائلاً من الكتب المميزة، والويكينيوز (Wikinews) التي تقدم خدمات إخبارية لجميع المستخدمين، والويكيسورس (Wikisource) التي توفر نصوصاً في مجالات مختلفة أخذت من كتب وجرائد ومجلات، لتوفيرها من خلال موقع واحد.

وهنالك مشاريع كبرى أخرى تقدمها الشركة التي يمكن أن تغيّر وجه العالم، مثل الويكيفيرستي (Wikiversity) التي تقدم للمستخدمين فرصة دراسة مساق ما من خلال توفير الكتب والنصوص اللازمة. وبتدرج، يمكن للمستخدم الوصول إلى معرفة كاملة بموضوع ما، وويكيسبيشيز (Wikispecies) التي تعد مصدراً موثوقاً لعلماء الأحياء، والطب، في توفير المعلومات الحيوية عن جميع أجناس المخلوقات.

الويكيميديا مؤسسة غير ربحية، تعمل من خلال مكتبها الرئيسي في كاليفورنيا، وتعتمد على مساعدات المستخدمين من خلال الموقع نفسه، ويتبرع الكثير من المستخدمين بشكل دوري لإبقاء هذا الموقع صامداً على الشبكة، إضافة إلى قائمة من كبار المتبرعين بينهم شركات ورجال أعمال كبار. ويخلو هذا الموقع من أي إعلانات، ما يجعله في خطر دائم للإغلاق أو الإفلاس، وتظهر توجهات لدى بعض القائمين على الموقع للاستفادة من شهرة هذا الموقع، لتحقيق أرباح ستعد خيالية إذا ما تم الاعتماد على الإعلانات.

ويعد هذه الموقع من المشاريع الثورية التي تقوم بها الشركات، وتساهم في تغيير وجه الإنترنت، ويحقق قدراً أكبر من الفائدة في مجال العلم. ومن المواقع التي باتت تغزو العالم الآن مثل الـFacebook وYouTube التي تعتبر جزءاً من الإنترنت الثانية التي بدأت تجتاح العالم، وتمكن المستخدمين من تداول المعلومات بسهولة، ولكن المشاركة العربية تبقى خجولة، ولا تحقق وجوداً للعرب على الشبكة العالمية.

وما زالت شبكة الإنترنت تخلو من مواقع عربية تقدم هذا النوع من الخدمات، فالباحث العربي قلّما ما يجد معلومات قيمة من مواقع عربية، وجميع ما نبحث عنه هو فروع عربية لبعض المواقع العالمية التي تقدم خدمات المعلومات والحقائق. المعرفة، للأسف، ليست من أولوياتنا، ولا يعني أصحاب المواقع العربية نشر المعلومات والمعرفة لمستخدميها.

لنأخذ “ويكيبيديا” مثالاً: هل ساعدت الإنترنت في نشر المعرفة؟
 
10-Apr-2008
 
العدد 21