العدد 21 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان خسر الأردنيون الرهان على فرز "نواب وطن" في سياق عملية التحول إلى الديمقراطية، فغص مجلس النواب بأعضاء تمثل الغالبية العظمى منهم عشيرة أو فخذاً، أو حياً أو جهة، لا علاقة لهم بوظائف ممثلي الشعب في الرقابة والتشريع. علاوة على أن مجموع الأصوات التي يحصلون عليها تؤكد أنهم لا يمثلون سوى أقلية من المواطنين في سن الانتخاب، ما يؤثر سلباً على الدور التمثيلي لمجلس النواب. نقطة البدء فيما يتعلق بالسلطة التشريعية، تبدأ بقانون الانتخاب الذي يعدّ حجر الأساس في العملية الديمقراطية. فهو الذي يعزز نمطاً معيناً من الأداء السياسي وعلى صورته يأتي نواب الأمة. نقلات قانونية قانون الانتخاب، الذي تشكّل بموجبه مجلس نواب دشّن عودة الحياة التشريعية عام 1989، كان يرتكز إلى "القائمة المفتوحة"، بما يعطي الناخب حق انتخاب عدد من المرشحين يساوي أو يقل عن عدد المقاعد المخصّصة لدائرته الانتخابية. ذلك التشريع كان يسمح، إلى حد ما، بقيام ائتلافات سياسية بين أحزاب أو شخصيات سياسية، وبذلك كان يعطي من الزاوية العملية أفضلية للشخصيات العامة المعروفة على نطاق واسع، في دوائر انتخابية كان أساسها "المحافظة"، في حين كانت العاصمة مقسمة إلى عدة دوائر. حتى إن بعض التحالفات السرّية ساعدت مسيحيين للوصول إلى مجلس النواب بإسناد "ماكنة" جماعة الإخوان المسلمين اللوجستية والإعلامية، مثل سعد حدادين في مادبا، وفخري قعوار في عمّان، وغيرهم. عام 1993، وفي عهد حكومة عبد السلام المجالي، تم الانتقال إلى نظام "الصوت الواحد" الذي اختزل خيارات الناخب إلى صوت وحيد بغض النظر عن عدد المقاعد المخصصة للدائرة. ذلك القانون شكّل تراجعاً في سياق عملية التحول الديمقراطي، إذ أطلق العنان لتأثير النفوذ العشائري والجهوي على العملية الانتخابية. المجالي يرفض تسمية قانون 1993 بقانون "الصوت الواحد"، ويرى أنه يتناغم مع روح الدستور. في كتابه "رحلة العمر.. من بيت الشعر إلى سدّة الحكم"، يقول رئيس الوزراء الأسبق: "القانون السابق كان يبدو أنه يحمل شيء من الإجحاف أو شيء من مخالفة الدستور (..) وكان يخدش بشكل مباشر الحقوق المنصوص عليها في الدستور». ويستذكر المجالي هجوم جماعة الإخوان المسلمين،"التي كانت تحظى برعاية ودعم الحكومة كي تتمكن من التصدي للمد الشيوعي إذا اجتاح بلدنا". سابقاً كانت الجماعة "تضبط أفرادها في كل محافظة وتصب أصواتهم في مرشح أو لائحة تختارها هي"، حسبما يستذكر المجالي في كتابه. "أما في القانون الجديد لم يعد ممكناً لها أو لأي تجمع آخر. ولذلك تراجع الإخوان في انتخابات 1993 وقاطعوا اقتراع 1997". بعد ثمان سنوات أقر قانون انتخاب جديد مؤقت في عهد حكومة علي أبو الراغب، لكنه أبقى على نظام الصوت الواحد، ومثّل خطوة تراجعية كبرى بانتقاله بمعظم الدوائر الانتخابية من "المحافظة" إلى "اللواء". هذا التفتيت للدوائر الانتخابية، عمّق التراجع من خلال تأطير الهوية الفرعية، أي رابطة الدم، مبتعداً عن الأطروحات السياسية، ومكرساً العشيرة والعائلة كلاعب حاسم في القسم الأكبر من الدوائر الـ 45 التي بات يشتمل عليها قانون الانتخاب. وهكذا، تفاقم غياب البعد السياسي في العملية الانتخابية، فتعمق التنافس العشائري في الدوائر في الجولتين الانتخابيتين 2003، و2007، وأخذ المال وشراء الذمم يشكل عاملاً سلبياً آخر في تحديد هوية الفائز إلى مجلس النواب. شيخ المؤرخين الأردنيين عبد الكريم الغرايبة، عضو مجلس أعيان بين عامي 2005-2007، يرى أن آلية الصوت الواحد "أمر طبيعي معمول به في غالبية البلدان، لكن يلزمه قيود وضوابط". ويقترح الغرايبة أن يعطى الناخب ثلاثة أصوات؛ الأول لدائرته الانتخابية، الثاني للمحافظة، والثالث للأردن كدائرة واحدة على أساس القوائم النسبية". ويدعو الغرايبة، إلى تخصيص مواقع ضمن قوائم المرشحين للمرأة والأقليات. وهكذا تفرز الصناديق 45 نائباً في الدوائر، 12 عن المحافظات، و53 في محور الوطن. "الأجندة الوطنية" التي تمثل برنامج عمل للدولة الأردنية للفترة 2006- 2015، قدمت تصوراً، في محور التنمية السياسية والمشاركة، لنظام انتخاب يوصف بأنه نظام انتخاب مختلط يجمع ما بين التصويت لمرشح في دائرة انتخابية وما بين التصويت لقائمة نسبية. إلا أن لجنة الأجندة لم تتفق على عدد المقاعد التي يتعين تخصيصها لكل فئة، كما لم تتفق على ما إذا كان الأجدى أن يمنح الناخب صوتاً واحداً يعطيه لمرشح الدائرة أو للقائمة النسبية، أو يمنح صوتين؛ يوزعهما بين الدائرة والقائمة. المرشحون الذين لا يتخذون الحزب مرجعيتهم، يخوضون حملاتهم الانتخابية تحت شعارات تتضمن وعوداً لعشائرهم أو عائلاتهم أو لزمر من حولهم بمراعاة مصالحها وخدمة أبنائها. عشية الانتخابات، تزخر الصحف بإعلانات عن إجماع عشائر على مرشحين منها أو عن دعوات لاجتماعات عشائرية لحسم الموقف لصالح أحد المرشحين من أبنائها بالتوافق أو باللجوء إلى التصويت. وفي الصورة الجزئية، تعقد العشائر اجتماعات تمهيدية لفرز مرشح أو أكثر بـ "التزكية". طغيان البعد العشائري أمام تقزّم الحزبية، تجلّى في الانتخابات الأخيرة في تواري أسماء حزبية في أحزاب الوسط الإسلامي والرسالة وغيرها خلف يافطات عشائرية خشية اضمحلال فرص نجاحهم في حال إشهار انتماءاتهم الحزبية. "الإشكالية الجوهرية في الحالة الأردنية بشأن دور النائب أساسها غياب الأحزاب السياسية"، حسبما يرى الدكتور نظام بركات، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة. يضيف بركات أن "النائب الذي لا يخوض الانتخابات على أساس برنامج حزبي، يقوم برنامجه على خدمة أفراد دائرته الانتخابية"، لافتاً إلى أن ذلك من نتائج الانتخاب الفردي. لكنه يستدرك موضحاً "أن النظام الانتخابي البريطاني "نظام انتخاب فردي"، لكن المرشحين الذين يتنافسون على الفوز بالمقعد المخصص لكل دائرة انتخابية "ينتمون إلى أحزاب سياسية". وهو يتوقع أن يواجه نواب حزب جبهة العمل الإسلامي إشكالية نائب الخدمات "بدرجة أقل من الآخرين ما دام أنهم يتقدمون للجمهور ببرنامج انتخابي"، يروجون له، ويعلنون التزامهم به. خدمات وخدمات بارعة النقشبندي، أستاذة العلوم السياسية، تفرق بين نائب خدمات يوجه طاقته لمساعدة أقربائه ومحاسيبه، وبين نائب يهتم بالقضايا المشتركة للناس. وتعتقد من جهتها أن النائب معني في كل مكان "بأن يلتفت للجانب الخدمي، بما في ذلك نواب في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وسواها". وترى أن من يُنتخب عن دائرة انتخابية معينة عليه "تمثيل دائرته وخدمة مصالح أبنائها". وتضيف النقشبندي، المحاضرة في التربية الوطنية في جامعة "البترا" الخاصة: "الفرق الجوهري أن هؤلاء النواب لا ينشغلون في حل المشاكل الفردية لناخبيهم، بل في إيجاد حلول لمشاكل تلك المناطق مع الجهات المعنية، لافتة إلى أن النواب في البلدان المتقدمة يستعينون بأجهزة تعاونهم في أداء وظائفهم ذات السمة الخدمية. العشيرة أو العائلة كبنية اجتماعية قائمة، تتقدم لملء الفراغ الناجم عن ضعف الحياة الحزبية بخاصة والحياة السياسية بعامة. ونتيجة لذلك، تتحول بعض العشائر إلى "ميليشيات غير مسلحة"، تتنازع على النفوذ باحتلال أكبر حصة ممكنة من "كعكعة الانتخابات". الأمور لا تقف دائماً عند هذا الحد. لأن "المليشيات"، حتى وإن كانت غير مسلحة، فإنها لا تتمتع بروح رياضية. لذلك شهدت البلاد أكثر من أي انتخابات سابقة وقوع حوادث عنف في التنافس على الجمهور الانتخابي، أو احتجاجاً على عدم فوز مرشح العشيرة أو على خسارة مقعد كانت تشغله. وتكررت هذه الحوادث في دوائر انتخابية في أقاليم الشمال والوسط والجنوب وبعض دوائر العاصمة. في ظل مناخات التنافس العشائري، لا تعد مؤهلات المرشح لأداء الدور النيابي في التشريع والرقابة على الحكومة هي الأساس. فالمهم هي الأدوات المتاحة للمرشح وقابليته لإقناع أبناء عشيرته بقدرتها على إيصاله إلى النيابة بسبب عددها أو تحالفات تقيمها في المنطقة المعنية. هنا يكون للامتيازات التي يتمتع بها بعضهم لدى دوائر الدولة مفعول السحر. في هذه الأجواء يتشكل سلوك المرشح ثم النائب الذي يجد نفسه منشغلاً في العمل لخدمة من أوصلوه إلى قبة البرلمان. فكيف يملك ألا يستجيب لطلباتهم بتأمين معالجات طبية مجانية لهم أو إيجاد وظائف لأبنائهم أو "تدبير" منح دراسية لهم. وفي حالات كثيرة جداً، يقوم مشرعون عملياً بالسطو على المال العام، وكسر القانون. ويقول محمد الجريبيع، رئيس مركز الثريا للدراسات، إن "نسبة كبيرة من النواب تخفق في تأدية الخدمات المطلوبة منها لعشائرها، لذلك تفشل في حشد الأصوات اللازمة لفوزها مرة أخرى". وحول مدى اختلاف حالة الأخوان المسلمين عن الآخرين، يوضح الجريبيع أن "النواب الإسلاميين هم مخرجات المؤسسة الدينية" التي توفر فرص الفوز لأنصارها ليس بسب البرنامج الانتخابي وتميز الأداء السياسي بقدر ما لـ"لمرجعية الدينية" من دور حاسم في توفير شروط الفوز. ورغم أن النواب يشاركون، بدرجات متفاوتة، في مناقشات مجلسهم للتشريعات المعروضة عليه، ويمارسون أشكالاً من الرقابة، إلا أن المجالس النيابية لا ترتقي إلى مرتبة المصالح الوطنية العليا في أداء الدور التشريعي والرقابي، فينخفض الرضا عند الناس على أدائها حسب استطلاعات الرأي. فمعظم الناخبين الذين ينتخبون ابن العشيرة ينقلبون ضده، لأنه لم ينجح في تلبية طلباتهم وخدمة مصالحهم. |
|
|||||||||||||