العدد 21 - اقليمي
 

السجل - خاص

في أواخر الشهر الماضي، نشرت صحيفة العرب اليوم نبأ عن عزم محمد رشيد المعروف باسمه السري "خالد سلام"، الذي كان يشغل منصب المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إدارة مشروع استثماري بقيمة 600 مليون دولار على الشاطئ الجنوبي للعقبة.

وقد كان هذا النبأ حافزاً لكل من وسائل الإعلام الفلسطينية والأردنية للتحري عن دقته ومعرفة خفايا المشروع، الذي ينفذه رجل أعمال فلسطيني على الأراضي الأردنية.

كما كان النبأ حافزاً للأجهزة المعنية في السلطة الوطنية الفلسطينية لأن تتحرى عنه. فقد كان خالد سلام على مدى عقود شخصية إشكالية، بدءا من "لجوئه" إلى منظمة التحرير الفلسطينية هارباً من تعسف النظام العراقي السابق حين جرّد حملة على الحزب الشيوعي العراقي الذي كان "محمد رشيد"، كما كان يعرف آنذاك محسوباً عليه، وحـــتى تحـــوله إلى رجل أعمـــال يدير مشاريع بمئات ملايين الدولارات، مثل مشروع العقبة الأخير، مروراً بمشاريعه الاقتصادية التي اقترحها على الزعيم الفلسطيني الراحل حين كان مستشاراً اقتصادياً له. وأكثرها إشكالية كان مشروع كازينو أريحا الذي أقامته السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1998 بمشاركة شركة نمساوية، والذي انتهى مع حملة إسرائيل التدميرية على مؤسسات السلطة وممتلكاتها في العام 2002.

النائب العام الفلسطيني، المستشار أحمد المغني، أعلن فور نشر الخبر أنه سيحقق مع سلام لمعرفة مصادر الأموال التي سيستثمرها في العقبة، وما إذا كانت تعود للسلطة أم لجهات أخرى، وبخاصة أن اسم سلام ارتبط بما عرف غداة وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل بـ"أموال عرفات"، التي كان يعتقد أنه يمتلك الكثير منها تحت أسماء بعضها حقيقي وبعضها وهمي. فقد كان سلام بحكم منصبه، مشرفاً على كثير من الاستثمارات الفلسطينية وراء البحار، فمن المعروف أن منظمة التحرير الفلسطينية، كذلك حركة فتح، كانت تقوم باستثمارات لتمويل جزء من أنشطتها السياسية، وكانت تسجل هذه الاستثمارات بأسماء شخصيات معروفة بانتمائها للحركة أو المنظمة. ومعروف أيضاً أن بلداناً إفريقية عديدة، وبلداناً من المعسكر الاشتراكي السابق كانت مسرحاً لهذه الأنشطة الاستثمارية.

بحسب فلسطينيين، عرفوا محمد رشيد، عن قرب، فإنه شخصية شديدة الذكاء وبالغة الدهاء. فهو يعرف تماماً كيف ينجو من المآزق التي واجه الكثير منها خلال فترة نضاله في الحزب الشيوعي العراقي، وكذلك خلال عمله في المؤسسات الفلسطينية فور وصوله بيروت أواخر سبعينيات القرن الماضي، هرباً من حملة النظام العراقي آنذاك، على الحزب الشيوعي العراقي الذي ارتبط اسم محمد رشيد به، فقد كان رشيد، وهو تركماني من منطقة كردستان العراق، عضواً في الحزب، وحين اشتدت الحملة القمعية هرب مع آلاف آخرين من أعضاء الحزب وأنصاره إلى الدول المجاورة، وكانت سورية هي محطة رشيد الأولى، قبل أن ينتقل إلى لبنان.

ولكن نجم رشيد لمع بعد الخروج الفلسطيني من بيروت عام 1982، حين بدأ في إدارة مشاريع بعضها إعلامي في قبرص التي تحولت إلى ساحة للنشاط الإعلامي والثقافي الفلسطيني بعد الخروج من بيروت، وذلك قبل أن يتجه إلى المشاريع الاقتصادية التي كانت تديرها منظمة التحرير الفلسطينية، إلى حين تسلمه منصب مستشار اقتصادي لياسر عرفات.

فور تسلمه طلب التحقيق من النائب العام الفلسطيني أعلن سلام استعداده الكامل للرد على أي استفسارات يريد النائب العام التحقق منها، وإبراز أصول جميع الوثائق والعقود والمستندات الخاصة بالمشروع المذكور «بهدف توضيح الحقائق للنائب العام، وللرأي العام الفلسطيني»، كما صرح لوكالة أنباء «معا» الفلسطينية. بعد أيام من تصريحات سلام التقى، به النائب العام الفلسطيني في عمان. وفي أعقاب اللقاء أعلن المغني أنه اطلع على وثائق وعقود ومستندات متعلقة بالمشروع، وبأنه تبين بعد دراسة تلك الوثائق والمستندات أن هذا المشروع ملك لصندوق استثماري متعدد المساهمين باسم «جود 4» وأن خالد سلام هو المشرف على المشروع.

وبحسب تصريحات النائب العام، فإن الهيكل التمويلي للمشروع يقوم أساساً على المبيعات المستقبلية للزبائن، وأن التكلفة الاستثمارية المباشرة من قبل المالك هي 19 مليون و600 ألف دولار، سدد المالك الدفعة الأولى منها بوصفها قيمة الأرض التي سيقام عليها المشروع بموجب شيك بقيمة 3 ملايين و595 ألف دولار، أكد النائب العام الفلسطيني بأنه اطلع عليه. أما مبلغ 600 مليون دولار الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام فهو يمثل القيمة الاستثمارية المتوقعة للمشروع خلال 8 سنوات في حال اكتماله.

وكان سلام قد تعرض لمساءلة مماثلة عقب وفاة ياسر عرفات في خريف العام 2004، حين استدعي للتحقيق فيما عرف ب«أموال عرفات»، ولكن شيئا لم يثبت ضده، بخاصة وأن أي جهة لم تؤكد وجود أموال خاصة بعرفات بعد وفاته، أو أن هذه الأموال انتقلت من بعد عرفات إلى خالد سلام. وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حينه براءة خالد سلام مما قيل عن تصرفه ب«أموال عرفات» المزعومة.

لقد انتشر كثير من القصص عن استثمارات خالد سلام، ربما كان بعضها حقيقيا، ولكن من المؤكد أن كثيراً منها يدخل في باب الأساطير.

خالد سلام.. من مناضل شيوعي عراقي إلى مستثمر فلسطيني!
 
10-Apr-2008
 
العدد 21