العدد 20 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمّان
أداء أقرب ما يكون إلى الفزعات والارتجال. تركيبة ترتكز إلى المحاصصة تطغى عليها سطوة المال والامتداد العشائري على أنقاض روافع حزبية وسياسية، وفي المحصلة صورة باهتة لمجلس نيابي بدون رؤية. تلك المعادلة تعمق الفجوة بين رجل التشريع وطموح وأحلام الناخبين وترميه في حضن الحكومات. تتجلى هذه المثالب في أداء المجلس النيابي الحالي الخامس عشر، إذ يتراجع مؤشر شعبيته منذ انتخابه أواخر العام الماضي. ساهمت في رسم صورة سلبية عنه سلسلة قرارات وقوانين وضعت النواب في خندق مقابل للناس، في مقدمتها تمرير رفع الأسعار، رغم قناعة الناس بوقوف عوامل خارجية وراءه، لاسيما القفزات في سعر النفط. أتى هذا المجلس في ظروف تم فيها إفراغ المجتمع من الانشغال بالشأن السياسي، فافتقرت الحملات الانتخابية، على العموم، الى برامج ومواقف بخصوص الوضع الداخلي، واستمرت القطيعة بين الأحزاب والقوى السياسية عموما والمرشحين .وأسوأ من ذلك تمزيق المجتمع وشحن الولاءات والانتماءات الفرعية وتضخيمها بين أبناء المجتمع الواحد. منذ انتخاب المجلس في خريف العام الماضي، ظهرت بوادر مقايضة جانبية- على غرار المجالس السابقة- بين خدمات فرعية وواسطات مقابل الثقة بالحكومة وتمرير الموازنة. وهكذا، ينهمك- نواب معظمهم يدينون بولاء جهوي أو عشائري في المطالبة بحصص في خدمات ومشاريع لمناطقهم. فمعظمهم يطالب بجامعة حكومية أو كلية مجتمع، وبحصة من وظائف الدولة العليا. حتى إن نواباً لم ينسوا ذكر أن مستشفاهم المحلي بحاجة إلى سيارة إسعاف وأن مجلسهم البلدي تنقصه سيارة جمع نفايات. وكما كان الحال في مجالس سابقة ، فإنه يندر ارتباط اسم نائب بتشريع معين ذي نفع وأثر على حياة الناس.أما الرقابة على الاداء الحكومي فتحل مكانها الخطابات الرنانة والطويلة وباستثناءات محدودة . لا يضير النائب طرح مطالب فرعية لكن ليس على حساب الإطار السياسي العام لمجلس نوّاب مؤتمن على مراقبة أداء الحكومات، بحسب خبراء في القانون. ثمّة فجوة بين كلام النائب والاستحقاقات على الأرض. في مناسبات الثّقة والموازنة، يتسابق أعضاء المجلس في "فتل عضلات" الخطابة فيتحدث غالبيتهم على مدى أيام. ثم تأتي البصمة على الثقة أو الموازنة بعد أن يشبعوا "الحكومة ضرباً قبل أن تفوز بالإبل". محلس النواب يواصل أداءه الرتيب، دون أدنى محاولة للتطوير. حتى إن حراك المجلس الرابع عشر باتجاه تعديل نظام "النيابي" الداخلي لم يعد له أثر. إذا كانت "ذاكرة" المجلس حيّة، فلا بد أن "قدامى" نوابه يتحملون مسؤولية أدبية في إثارة الحاجة إلى تعديلات دستورية وقانونية لتخليص "النيابي" من "آلية النظر البائسة في الطعون بصحة نيابة أعضائه، وردّها إلى القضاء". وفي مقدمة أسباب نكوص ومحدودية فعالية مجلس الأمة- بشقيه الأعيان والنواب- اقتصار فترة انعقاده على ربع عام، بينما تجول وتصول الحكومات على مدار تسعة أشهر. حتى الآن يخفق رجال التشريع- الذين يتمتعون بتقاعد مريح وإعفاءات ضريبية، في تمديد الدورة البرلمانية بحيث تقتصر العطلة على شهر واحد، وإغلاق بوابة إصدار القوانين المؤقتة أو إنشاء "محكمة دستورية" تبت في قضايا مصيرية. فيما عدا كتلة جبهة العمل الإسلامي بأعضائها الستة، هناك 104 أعضاء في مجلس النواب يتحرك كل منهم "على رأسه"، بحسب تعبير سابق لنائب رئيس مجلس النواب ممدوح العبادي. في الانتظار، ثمّة مراهنة على قيام كتل نيابية لتعويض هذا النقص والتشتت في الأداء. مع أن تشكيل ثلاث كتل غير حزبية في المجلس الخامس عشر، تم بقدر من البطء، إلا أن ولادة كتلة التيار الوطني بعضوية تتجاوز نصف عدد النواب، ولدّ انطباعاً بأن تلك الكتلة ستقوم بتنظيم عمل أعضائها على نحو يرفع من سوية أداء المجلس. لكن ما جرى هو انهيارات بالجملة. إذ تفككت كتلة "الوفاق" برئاسة توفيق كريشان مع نهاية الدورة الأولى، ومراوحة كتلة "الإخاء" الشبابية في المكان، فشل "التيار الوطني" في إثبات ذاته وبداية انسحاب نواب منه. هذا هو مآل كل الكتل إذا لم تتحول إلى جزء من المنظومة المؤسسية لمجلس النواب، بامتيازات وواجبات ينص عليها النظام الداخلي. شيخ المؤرخين العين السابق عبد الكريم غرايبة، يؤكد أن نواة أحزاب المعارضة والحكم في الدول الغربية انبثقت من كتل نيابية وتشريعية. لتعزيز عمل التكتل النيابي وصولا إلى عمل مؤسسي، يقترح غرايبة "فرض ضريبة على كل نائب وعين، يذهب نصفها إلى صندوق اجتماعي والنصف الآخر إلى الكتلة التي ينتمي إليها رجل التشريع، على أن تنفق لدعم مرشحي الكتل في الانتخابات اللاحقة". النائب محمد الشرعة، رئيس قسم العلوم السياسية السابق في جامعة اليرموك من بين من غادروا كتلة التيار الوطني. يعزو الشرعة مشكلة الكتل النيابية إلى "غياب المؤسسية"، معتبراً أن "عملها غير منظم حتى الآن، وليس لديها برامج. وهي أقرب إلى كونها تجمعات شخصية منها إلى المأسسة السياسية". تتشارك المجالس النيابية في خلل جوهري، أساسه عدم الاكتراث بتجهيز المجلس ببنية متكاملة مساندة لعمله في مجال البحوث والدراسات. لجان المجلس تضطر أحياناً إلى استشارة متخصصين وخبراء في مسائل فنية، لكن هذا غير كاف. ثلثا أعضاء مجلس النواب الحالي جدد، ومن اختصاصات مختلفة. كم يلزم هؤلاء من سنين عمل حتى يتقنون صنعتهم في التشريع والرقابة ،في غياب مركز يضع تحت تصرفهم الخبرات اللازمة، الاستشارات والدراسات التي يتعين الاستناد إليها كأرضية لاتخاذ قرار أو التصويت على مشروع قانون؟ أم المطلوب أن يبقى هؤلاء جهلة في مجال وظيفتهم الأساسية التي انتخبوا لأدائها؟ يتساءل خبراء قانون. محمد الشرعة، وهو المدير السابق لمركز الدراسات الأردنية في جامعة اليرموك، يدعو مجلس النواب إلى تخصيص أو البحث عن موارد لبناء مركز أبحاث متكامل. ويذكّر الشرعة بأنه طالب في جلسة الثقة "بمكتبة برلمانية لوضع موارد المعلومات بكل أشكالها ومصادرها في خدمة أعضاء مجلس النواب". يميل النواب عادة إلى تقييم عملهم بالاستناد إلى حجم القوانين المنجزة، وعدد جلسات المناقشة العامة والأسئلة الموجهة للوزراء. ومع أن "الإنجاز الكمي هو أحد معايير التقييم"، كما يشرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم التطبيقية نظام بركات، إلا أنه ليس الوحيد. يتحدث عن معايير أخرى مثل "تقييم أداء المؤسسة نفسها، النواب كنخبة، وعملية تفاعل المجلس مع التأثيرات الداخلية والخارجية ومعطيات خاصة بصناعة القرار في المجلس". ما يهم المواطن بالدرجة الأولى، هو مضامين الأشياء ومدى انعكاس القوانين بالنفع عليه، وليس عددها. المجلس الحالي الذي فاته عقد جلستين من جلساته -مرة بسبب عدم وجود قوانين جاهزة للمناقشة وثانية لعدم توافر النصاب- أقر 40 قانوناً في أربعة اشهر. لكن حجم المساهمين في هذا الجهد محدود، فهذه القوانين نتاج عمل خمس لجان من بين 14 لجنة دائمة، وتتوزع بين 23 قانوناً للجنة المالية والاقتصادية، 11 للجنة القانونية، 5 للجنة التربية و 4 لكل من لجنتي الطاقة والإدارة. رغم أن اللجنة المالية قدمت قراءة جيدة في مشروع قانون الموازنة العامة، فإن مجلس النواب مرّر سياسة تحرير الأسعار، مقابل تحسينات طفيفة على شبكة الأمان الاجتماعي. كذلك رغم وجود مناخ جيد في مجلس النواب مناهض للتوسع في فرض ضرائب إضافية على المواطنين، فإن المجلس قدّم للحكومة اقتراحاً بمشروع قانون لإنشاء صندوق دعم الثروة الحيوانية وحمايتها، على غرار "فلس الريف" الذي يضاف على فواتير الكهرباء. كذلك الأمر بما يتعلق بمشروع القانون المعدل لقانون رعاية الثقافة، إذ عارض المجلس لدى بحث المشروع فرض ضريبة على المؤسسات الإعلامية بقيمة 5 بالمئة على حصيلة الإعلانات لدعم الثقافة، ثم عاد في الجلسة التالية، فأقره، ما أثار حفيظة هذه المؤسسات التي تعدّ الداعم الرئيسي للثقافة. بما يخص جلسات المناقشة العامة، وهي من أهم أدوات الرقابة على الأداء الحكومي، فقد عقد المجلس ثلاث جلسات لمناقشة أربعة مواضيع: عمال المياومة ،غلاء الأسعار، سياسة العمل والتشغيل، وجدلية استكشاف البترول في الأردن. رغم أهمية تلك القضايا لقطاع واسع من الأردنيين، فإن المجلس لم يخرج بأي نتائج منها سوى الاطلاع على السياسة الحكومية في الموضوع المثار، والتعليق على هذه السياسة وإطلاق التمنيات، دون استدراج التزامات حكومية محددة. أما تكليف لجنة الطاقة ببحث احتمالات وجود بترول قابل للإنتاج مع خبراء، ، فيشكل هروباً إلى الأمام، وإفراغاً للرقابة من مض |
|
|||||||||||||