العدد 20 - كتاب | ||||||||||||||
يحسد المرء المصريين على مدى تعلقهم بتاريخهم وعلى مبلغ تجذرهم في المكان، وقناعتهم التامة بمدى اتساع أرضهم وتنوعها . لربع قرن خلا كان السفر بالنسبة لغالبية المصريين يعني الانتقال داخل الوطن.من تيسرت أحواله يتجه للتصييف في الاسكندرية او مرسي مطروح . ومن يلتمس الدفء يتجه للأقصر وأسوان.أما الوصول الى القاهرة ومسماها المتداول" مصر" فيعني الانتقال الى مركز العالم " أم الدنيا" . في الرواية الفائزة بجائزة بوكر "واحة الغروب"، يسافر المؤلف بهاء طاهر عبر الزمان والمكان المصريين. تدور روايته حول واحة سيوة في القرن التاسع عشر الكائنة في الصحراء الغريبة قريبا من الحدود مع ليبيا.أهل سيوة في تلك الأثناء كانوا مجرد سيويين ولم يكونوا مصريين تماماً. رغم أنهم يخضعون لسلطة القاهرة المركزية وهي سلطة غير مصرية بريطانية، وهم يتخاطبون بلغة خاصة بهم ليست العربية المصرية . سيوة واحة عامرة بالمياه وبساتين النخيل والزيتون والآثار، لكن الرمال تحيط بها ومع الرمال يهددهم بدو الصحراء في غاراتهم وغزواتهم المتعاقبة عليهم .الآثار جذبت اليها الغزاة بمن فيهم الاسكندر.وهناك شكوك بأن يكون مثوى الفاتح الكبير فيها، بعدما تعلق بالإله آمون واستمد قبسا "الهياً" منه. في رواية "واحة الغروب" فصل فاتن عن الاسكندر المقدوني وصراعه الداخلي بين نوازع متضاربة.أما بقية فصول الرواية فتتحدث عن مأمور بمثابة وال أو محافظ مهمته جمع الضرائب ،التي تنقل على الجمال عبر الصحراء الى القاهرة . تتضمن الرواية دراسة شيقة وتفصيلية عن التكوين الاجتماعي لسكان الواحة حيث يحتدم صراع بلا نهاية بين قبيلتي الشرقيين والغربيين، وما يتصل بذلك من طقوس مثل الحداد باللون الابيض وحرمان الارملة من الاغتسال لفترة اربعة أشهر وعدم مخالطة أحد، مخافة نشر الخراب في الديار في حالة الخروج على هذه الطقوس.ومنها أن الأجانب بمن فيهم المصريون يفدون للواحة لاقتناص كنز قابع بين الآثار . يضيف المؤلف الى المشهد حضورا للانجليز والشراكسة المصريين وزوجة المأمور الإيرلندية وشقيقة لها تفد الى الواحة التماسا للعلاج من مرض يشبه الربو. تبدو الرواية نشيد حب للواحة عبر استحضارها ومحاولة استجلاء أبعادها والتأمل الدقيق في صورتها ومفرداتها. لم تلبث أن تحولت سيوة الى اقليم مصري ، ويبرع الكاتب في رسم لوحة لغنى الخريطة الاجتماعية وتنوع المكونات البشرية وتالياً الإرث الثقافي. في النهاية يقوم المأمور منفرداً وبقرار ذاتي بإحراق جانب من الآثار ويعرض نفسه لخطر الحريق. الرسالة او الرؤية أن التاريخ يثقل على المصريين ، ويسبغ عليهم شعوراً بالثقة المفرطة فيما حاضرهم ينوء تحت تحديات جسيمة. ليس إحراق شواهد التاريخ القديم حلاً، غير أن المؤلف يتمتع بجسارة مساءلة الارتباط بتاريخ غائر،من موقع الارتباط العميق بالمكان والتوحد مع أهله. |
|
|||||||||||||