العدد 20 - أردني
 

سليمان البزور

وسط الزحام والضجيج السكاني وبين مئات المنازل في جبل الأشرفية، بقيت حارقة مستشفى البشير، وعلى مدى سنوات طويلة تحرق النفايات الطبية، متأرجحة بين التعطل وتلويث الأجواء. على مدى تلك السنوات ظلتّ حارقة أكبر المستشفيات الحكومية موضع شكوى سكان الأحياء المجاورة، والذين أبدوا تخوفهم على صحتهم وصحة أطفالهم.

لكن هذه العملية الخطيرة توقفت مع نهاية عام 2006 حين قرر المستشفى إيقاف الحارقة عن العمل واستبدالها بجهازي تعقيم قدمتهما وكالة التعاون الفني الألماني، لتعقيم النفايات الطبية فتتحول إلى نفايات عادية قبل إتلافها كباقي النفايات الأخرى.

يستوعب الجهازان نحو 600 كيلو غرام من النفايات الطبية يومياً. ويتبقى قرابة 100 كيلو من النفايات الناتجة عن عمليات الولادة يجري تغليفها وتجميعها كل يومين في ثلاجات خاصة وإرسالها إلى مستشفى جميل التوتنجي في سحاب لتحرق هناك.

غير أن ما حدث في مستشفى البشير، لم يتكرر مع 34 حارقة أخرى تحرق مخلفات 100 مستشفى تحوي نحو 1000 سرير، وهو ما جعل مسؤولين واختصاصيين يدقون ناقوس الخطر إزاء محارق النفايات الطبية في المستشفيات الأردنية، مذكرين بخطورة تلك المحارق على البيئة، المياه الجوفية والمواطنين على حد سواء. يفرز الأردن سنويا نحو 3 آلاف طن من النفايات الطبية. يتعهد وزير البيئة خالد الإيراني بحل مشكلتها جذرياً، متوقعاً أن يرسو خلال أيام عطاء دوليا بقيمة 20 مليون دينار طرحته الحكومة لهذه الغاية على ائتلاف يضم شركتين "عربية وأجنبية".

وسيبدأ ائتلاف الشركتين بالعمل الفعلي في المنطقة الوسطى التي تضم عمان والزرقاء، التي تفرز 60 بالمئة من مخرجات المستشفيات. وستحل المشكلة جزئيا خلال خمسة شهور، عبر إنشاء حارقة مركزية متخصصة في منطقة "الغباوي" للتخلص من النفايات الطبية، وفق الوزير الذي يشير إلى أن القانون يفرض على المستشفيات والمختبرات التعاون مع الائتلاف، ويمنع التخلص من النفايات الطبية مع المنزلية تحت طائلة المسؤولية. بعد تنفيذ هذا المشروع، وأن 10 بالمئة من رماد النفايات الطبية المحروقة سيذهب إلى مكب سواقة وبانخفاض ما نسبته 90 بالمئة من النفايات التي كانت تذهب في السابق إلى ذات المكب.

الصحي والبيئي

تتوزع المشاكل التي تولدها حارقات المستشفيات على شقين؛ الأول صحي يتمثل في انتقال عدوى الأمراض مثل التهاب الكبد، الإيدز والتفوئيد وغيرها من الأمراض، والمشاكل البيئية الناجمة عن خطورتها على المياه الجوفية، والمتمثلة في انبعاث غازات ملوثة ومسرطنة كغاز الديوكسين، بحسب مدير سلامة البيئة في مستشفى البشير الطبيب نشأت الطعاني.

مدير مديرية الصحة البيئية في وزارة الصحة صلاح الحياري يرى أن "الحارقات في مستشفيات المملكة متفاوتة الكفاءة؛ بين مقبولة، شبه المقبولة والسيئة. ولكن عدم وجود مشروع مركزي يمكننا من التخلص من النفايات الطبية يفرض علينا أن نقبل بما هو موجود." ويضيف أن معظم الحارقات مخالفة من ناحية المكان الخاص بالحارقة، إذ بحسب تعليمات إدارة النفايات الطبية الصادرة عن وزارة الصحة في 2001، يجب أن تبعد الحارقة عن المناطق السكنية ما لا يقل عن 500 متر. "لكن لا يوجد بديل، ولن نتمكن من إغلاق الحارقات كافة في مستشفيات المملكة، يقول الحياري. لكنه يؤكد أن المديرية استطاعت التغلب على المشكلة في الشمال من خلال استخدام الحارقة المركزية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في محافظة إربد. ويضيف: "نحن بصدد تطوير المشروع بتمويل سويسري. ونتوقع أن يبدأ العمل في مكب الغباوي (شرقي عمان) في منتصف العام الحالي".

تتوقع أمانة عمان أن تصل تكلفة المشروع حوالي 25 مليون دينار.  تقر وزارة البيئة بلسان ناطقها الإعلامي عيسى الشبول بوجود مشكلة تتعلق بالمحارق في المستشفيات، لاسيما في إقليم الوسط- العاصمة، البلقاء، مادبا والزرقاء- التي يتركز فيه نصف سكان المملكة. في هذا الإقليم 66 مستشفى، 8 منها تتبع لوزارة الصحة، يتوافر لدى 17 منها حارقات. وتقدر الكمية الإجمالية للنفايات الطبية المتولدة في هذا الإقليم ثمانية أطنان يومياً. بحسب الشبول، "يفترض عند ترخيص المستشفى وجود حارقة (بحسب أنظمة وزارة البيئة) ، إلا أن كثيرا من المستشفيات التي تأسست قبل وجود الوزارة (عام 2004) لا تحتوي على حارقات ونعمل الآن على محاولة إدخال حارقات لغالبية المستشفيات." كما يؤكد الشبول على أهمية مشروع" الغباوي" الذي سيخدم مدينة عمان وإقليم الوسط خلال ربع القرن القادمة معلقاً عليه آمالاً كبيرة.

ويشير إلى أن دور وزارة البيئة يتمثل في الكشف الدوري على هذه المحارق تبعاً للشكاوى الواردة من المواطنين أو أي من المتضررين. تتمثل إجراءات الوزارة في توجيه إنذار أول وثان. وفي الإنذار الثالث يتم الإغلاق والتوقف بشكل حاسم وعدم السماح بحرق النفايات فيها مرة أخرى.

"خلال الأسبوع الماضي فقط تم توجيه ثلاثة إنذارات لمستشفيات خاصة، من بينها إنذار نهائي بالتوقف بشكل حاسم عن خلط النفايات الطبية"، حسبما يؤكد.

خلال العامين الماضيين تم توجيه ستة آلاف إنذار في مختلف المراحل للعديد من المنشآت لإيقاعها أضراراً على البيئة من بينها عدد كبير من المستشفيات، ذات المحارق المضرة بالبيئة.

تصرفات كارثية

يصف الشبول تصرفات بعض المستشفيات في التخلص من النفايات الطبية في الطمر والحرق داخل الأرض بأنه "كارثي على البيئة والمياه الجوفية والهواء نتيجة إخراجها مركبات كيميائية"، مشيراً إلى قيام "البعض بدفن وتحويل تلك النفايات إلى منطقة سواقة"، 75 كيلو مترا جنوبي عمان على الطريق الصحراوية العقبة-عمان.

أمين عام وزارة الصحة السابق علي أسعد أقر أواخر العام الماضي بأن مشكلة النفايات الطبية تعاني منها جميع مستشفيات المملكة، وحتى تلك التي تتوفر فيها محارق خاصة للنفايات الطبية. إذ أن "معظم حارقات مستشفيات الوزارة تعاني من مشاكل تشغيلية تتسبب في تعطلها لفترات طوال ما يؤدي إلى تراكم النفايات الطبية بكميات ضخمة"، كما تلجا مستشفيات أخرى "إلى التخلص منها بحرقها في حارقات أخرى، ما يشكل عبئاً إضافيا عليها ويؤثر سلبا في كفاءتها، أو تتخلص منها بطرحها مع النفايات البلدية".

بينما يبتعد "البشير" عن نشر نذر الخطر على السكان المحيطين به، ينتظر السكان المجاورون لمستشفيات أخرى فرصة للخلاص من انبعاث الأبخرة وسحب الدخان المضرة بالبيئة والإنسان.

حارقات المستشفيات.. خطر محدق بالإنسان والبيئة
 
03-Apr-2008
 
العدد 20