العدد 3 - عمارة
 

بعد إغفاءة طويلة استمرت 120 عاماً دون أن يوقظه أحد من سباته جاءت أدوات المرممين لتستفز ذاكر ة الحجر وتزيل الغبار عن الجدران، وتشرّع الباب على تاريخ البيت العتيق.

منزل من منازل السلط القديمة يعود تاريخ بنائه للعام 1875 كان له موعد مع التجديد والترميم بعد أن قرر مالكه الجديد الدكتور رجائي المعشر أن يبعث الحياة بين جنباته كمنزل شيّد بفن وحرفيّة تدل على مهارة من بناه.

بدأت حكاية البيت العتيق مع عمليات الترميم قبل ثلاث سنوات على أيدي كفاءات أردنية ممثلة بالمهندس عماد الدباس وعدد من الشباب الحرفيين التابعين لمؤسسة الأراضي المقدسة للصم والبكم بإشراف مديرهم (برذر آندرو) لتكون النتيجة منزلاً خلع عنه غبار السنين وأضاء بحلّة جديدة كشفت عن ألوان للحجر بالغة الجمال.

ويتميز المنزل بطراز معماره الباروكي الذي عرف في العهد الروماني ونفذه بذوق رفيع المرحوم عبدالرحمن النابلسي، وهو الشخص ذاته الذي شيّد معظم بيوت السلط القديمة ليعطي هوية مميزة للمدينة، بمنازل أصبحت من كنوز التراث.

كسائر البيوت العتيقة يشعر من يفتح أبوابها ويدخل بسحر وغموض لا يمكن الشعور به في البيوت الحديثة، إذ تبدأ الأسئلة بالقفز إلى الذهن عن الزمن الذي عاصرته والأشخاص الذين مروا بها ومضوا. وتبدو عتبات الأبواب هي الأكثر تحفزاً للحديث مستذكرة من داست خطواتهم عليها لتوثق أفراحهم وأحزانهم، واليوم هم في ذمة الذاكرة بعد أن مضوا وتركوا المكان ليصبح مشروع مكتبة أو متحف.

وليست كل البيوت تصلح لأن تصبح متاحف بعد عشرات أو مئات السنين، وهذا ما يوقن به من يقف على شرفة بيت المعشر، التي تتميز بوجود أعمدة مجدولة ومصنوعة من الحجر على نوافذ البيت المطلة على الشرفة من الخارج، وتعلو كل عمود قبّة مزخرفة بالحجر تدل على مهارة ودقة ميزت أنامل من قام على زخرفتها.

يقول المهندس عماد الدباس عن أعمال الترميم التي أشرف عليها إن صيانة مثل هذه البيوت فيها حفظ لتراث المدينة العريقة، وحماية لرموز هذا التراث، والمتمثلة بالبيوت التي شهدت حقباً زمنية من عمر الأردن.

مبنى المعشر يقع في شارع الدير في حي الجدعة التحتة، ويمثل نموذجاً للأبنية الصغيرة والمتميزة جداً في واجهتها الأمامية.

ويقوم المبنى على طابقين: يتكون الأول من غرفتين تستخدم كمخازن، بينما يستعمل الطابق الثاني كشقة سكنية ويعود تاريخ البناء، بحسب الدباس، إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وبني البيت من حجر السلط الأصفر على يد البناء النابلسي عبد الرحمن عقروق.

وكان المبنى مملوكاً لصلاح أبو جابر ولم تدم ملكيته طويلاً، إذ قامت عائلة المعشر بشراء المبنى والإقامة فيه لفترة طويلة.

ويضيف الدباس أن المبنى من المباني ذات الواجهات المميزة التي تمثل نمطاً في التماثل بين نصفي البناء، وتتألف واجهته الرئيسية من أربعة شبابيك في الطابق الثاني، يفصلها باب قوسي مصحوبة جميعها بأعمدة متعرجة مزخرفة ثلاثية الإطار كمؤطر للشبابيك نصف الدائرية من الأعلى.

أما الديكورات الخشبية للشبابيك فهي فريدة من نوعها وذات لون متناسق مع الحجر تضفي على المبنى مظهراً جذاباً يعكس الرقي والذوق السائد لتلك الفترة التي كانت تتمتع بها مدينة السلط وفي بعد إنساني بحت جاء القرار بأن يقوم على أعمال الترميم شباب من الصم التابعين لمؤسسة الأراضي المقدسة.

ترميم منزل المعشر في السلط إحياء جماليات التراث المعماري – لبنى خلف
 
22-Nov-2007
 
العدد 3