العدد 20 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري «كم شخصا قتلت اليوم؟» كان سؤالا كتب على بطاقات وزعت على السائقين منتصف 2006 ضمن حملة لوزارة البيئة للتنبيه من خطر عوادم السيارات. السؤال قد يبدو مبالغا فيه للوهلة الأولى، لكن تقارير دولية لوكالة حماية البيئة الأميركيةمثلاً، تؤكد أن قيادة المركبة هو النشاط الأكثر تلويثا للبيئة الذي يمارسه معظم البشر في العالم. ويؤكد المجلس الوطني الأميركي للسلامة أن الغازات المنبعثة من عوادم المركبات تتسبب في نحو 1500 حالة سرطان كل عام في الولايات المتحدة، فيما تقول دراسة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC في 2005 أن تلك الغازات تتسبب في وفاة نحو 24 ألف شخص في المملكة المتحدة متأثرين بأمراض الجهاز التنفسي. دراسة حديثة نشرتها المجلة الطبية العريقة LANCET قالت إن الأطفال الذين يعيشون بالقرب من الشوارع المزدحمة يعانون من اضطرابات في نمو الرئتين واحتمال تعرضها لتلف دائم. دراسات أخرى أثبتت أن أول أكسيد الكربون المنبعث من العوادم يتسبب في نقص الأكسجين من مجرى الدم ما يؤدي إلى تلف في الدماغ. لا تتوفر إلى الآن أرقام دقيقة عن حجم الانبعاثات من عوادم السيارات ودرجة تلويثها للهواء، وذلك لعدم توفر أجهزة القياس الخاصة بهذا الغرض. عيسى الشبول الناطق الإعلامي باسم وزارة البيئة يقول "وصلنا منذ فترة 30 جهازا لقياس الانبعاثات من عوادم السيارات، وقد وزعت على الشرطة البيئية ليتم التدرب عليها واستخدامها، وذلك ضمن مشروع وطني لمراقبة نوعية الهواء الذي جاء بمنحة فرنسية بقيمة 2 مليون يورو لتركيب نقاط إلكترونية لفحص نوعية الهواء ورسم خارطة لقراء تلوث الهواء وأسبابه". الشبول توقع إنجاز الخطة خلال الأشهر المقبلة. الأرقام المتوفرة حتى الآن تقول إن وسط البلد التجاري، باعتباره نقطة ازدحام مروري، يشكل واحدة من أكثر البؤر الملوثة هوائيا في العالم. التقرير الربعي الصادر عن مديرية صحة البيئة التابعة لوزارة الصحة يشير إلى أن "التجاوزات في حجم الأغبرة العالقة الكلية في وسط البلد تجاوزت الحد الأدنى المسموح به عالميا بنسبة 88%، وأن نسبة التجاوز في الغبار العالق الدقيق الذي يؤثر تأثيرا مباشرا على الصحة كانت 38% في المنطقة نفسها". هذه الأرقام تأخذ صدقيتها من تناغمها مع تقرير سابق للجمعية العلمية الملكية نقلا عن مؤشر الاستمرارية البيئية الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة في الأردن، جاء فيه أن منطقة وسط البلد تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث نسبة تلوث الهواء بعد القاهرة ودلهي. البنزين الخالي من الرصاص وزير البيئة خالد الإيراني صرح مؤخرا بأن نسبة السيارات في المملكة التي لا تتمتع بالمواصفات البيئية الخاصة بالأردن, والتي تنبعث منها غازات مضرة قد راوحت بين 18% و 22%، إما بسبب رداءة نوعية الوقود المستخدم أو لعدم صيانة المركبة. يضيف الإيراني، أن الأردن خطا خطوة للحد من خطر هذه الانبعاثات، بتوجهه إلى تحسين نوعية الوقود المستخدم، من خلال استثناء المركبات التي قد تؤدي انبعاثاتها إلى نسبة عالية من السمية مثل الرصاص (كما في البنزين العادي) والكبريت ( كما في الديزل أو السولار). قرار التحول إلى البنزين الخالي من الرصاص الذي دخل حيز التنفيذ قبل أكثر من شهر أثار كثيرا من الجدل حول مادة MTBE (مركب الإيثير ميثيل ثالث البوتايل) التي يرى البعض أنها ترفع من كفاءة المحرك وتسرع عملية احتراق الوقود ما يقلل من خطر الانبعاثات، فيما يتخوف آخرون من المحاذير الصحية لمادة MTBE. المهندس أحمد الكوفحي، رئيس جمعية حماية البيئة الأردنية، يقول إنها "مادة مسرطنة، ما حدا بالدول المتقدمة إلى حظر استعمالها". وبالفعل، أعلنت 17 ولاية أميركية من بينها كاليفورنيا ونيويورك حظر المادة مع نهاية 2004، كما يذكر موقع وزارة الطاقة الأميركية. إلا أن سميتها السرطانية لا تزال محل خلاف. الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية أعلنت في التسعينيات أن هذه مادة لا تسبب السرطان في البشر. لكن تقرير أصدرته في العام الماضي وكالة البيئة الأميركية قال إن التعرض لكميات كبيرة منها يسبب السرطان. إلا أن الجميع يتفق على ضرورة التعامل بحذر مع هذه المادة، سواء عند التخزين أو عند ملء خزانات الوقود في السيارات، فهذه المادة خفيفة شديدة التطاير، وهي تختلف عن الرصاص الثقيل، ما يجعل استنشاقها من قبل المتعاملين بها أو تسربها إلى التربة والمياه الجوفية أمرا يسيرا. وهذا يؤدي إلى تلويث لا يمكن تداركه إلا بإنفاق بلايين الدولارات، بحسب وزارة الطاقة الأمريكية. ولهذا فإن التزام المقاييس العالمية يقضي ببناء خزانات محكمة ذات جدارين لحفظ هذه المادة. مصدر في وزارة الطاقة رفض الكشف عن هويته قال إن "الخزانات الجديدة التي تبنيها محطات الوقود منذ عام أو عامين مطالبة ببناء الجدارين، أما الخزانات القديمة فهي صالحة للاستعمال بغض النظر عن الوقود المستخدم!" حاتم عرابي نقيب أصحاب محطات الوقود يقول "إن لجنة من وزارة الطاقة ومؤسسة المقاييس والمواصفات كشفت على الخزانات في المملكة ووجدتها مطابقة للمواصفات العالمية،" وأضاف أن "المقاييس التي كانت تصلح قبل عام لا تصلح بالضرورة لهذا العام!" كبريت في الديزل أحد الأطراف المشاركة في هذا الجدل يحبذ لو انتظرت الحكومة 5 سنوات على الأقل لتطبيق القرار إلى حين معالجة أمور أكثر إلحاحا مثل الكبريت في الديزل، والذي يتجاوز المقاييس العالمية المسموح بها، بحسب مؤسسة المواصفات والمقاييس. وقد أكدت المؤسسة أن كل كيلوغرام من الديزل يحوي 11 ألف ملليغرام من الكبريت، في الوقت الذي يجب ألا تتجاوز النسبة 350 ملليغرام لكل كيلو. مديرية الصحة البيئية في وزارة الصحة نشرت العام الماضي دراسة عن تركز الرصاص في الدم لدى 1000 طفل من مناطق مختلفة من المملكة. الدراسة وجدت أن نسبة التركز كانت أقل من 5 ميكروغرام لكل 100 مللتر من الدم. وهو ما شرحه مدير المديرية المنهدس صلاح الحياري بقوله: «هذا أقل بكثير من الحد الحرج الذي يعتبر تسمما يستدعي التدخل الطبي وهو 45 ميكروغرام لكل 100 مللتر من الدم». وعودة إلى التقرير الربعي للمديرية، فقد أشار إلى أن نسبة تركز الرصاص في الهواء في منطقة مرورية مزدحمة مثل وسط البلد كان 0.05 وهو أقل بكثير من المعدل الفصلي المسموح به عالميا ومقداره 1 مايكروغرام لكل متر مكعب من الهواء، بحسب الحياري. مصادر في المديرية فضلت عدم الكشف عن هويتها تقول إن «الأردن لا يعاني من مشكلة صحية من الرصاص، وعليه كان قرار التحول إلى البنزين الخالي من الرصاص قرارا متسرعا، وأن الأولى هو التخلص من الكبريت في الديزل»، وهو إجراء يؤكد عيسى الشبول الناطق باسم وزارة البيئة أن العمل جار عليه من خلال مصفاة البترول للوصول إلى سولار آمن الاحتراق مطابق للمواصفات العالمية. الحلول المقترحة للحد من خطر انبعاثات العوادم يجب ألا تتوقف عند تحسين الوقود المستخدم، خاصة مع الارتفاع الهائل في أسعار النفط عالميا. فبعض مواقع حماية البيئة تقترح العودة إلى وسائل النقل العام واختصار عدد السيارات التي تسير في الطرقات. لكن هذا يفتح الحوار على ملف آخر للحديث فيه شجون. |
|
|||||||||||||