العدد 20 - اقليمي
 

سليم القانوني

نجحت القمة العشرون في الانعقاد في مكانها وزمانها المحددين بمشاركة سائر الدول الأعضاء باستثناء لبنان الذي كان غيابه متوقعاً إن لم يكن محتماً لشغور منصب الرئاسة.الانعقاد، بحد ذاته، شكل نجاحاً، كما تحدث بذلك وزير خارجية البلد المضيف (سورية).ولم تشهد قمة دمشق توترات ذات شأن عدا ما أثارته كلمة العقيد معمر القذافي من بعض ردود الفعل التي ظلت هادئة، وقد كان حجم الإثارة في الكلمة أقل من المتوقع.

سوى ذلك فقد تولى وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي إضافة إثارة من جانبه حين اعترض، وهو من دعي القمة، على قرار القمة بدعوة طهران للتفاوض بخصوص الجزر الثلاث.فقد رفض التفاوض ببساطة.معتبراً أن إثارة المسألة «تفيد الكيان الصهيوني». ربما باعتبار أن حل المسائل الخلافية مع الجارة المسلمة إيران بالتفاوض هو أمر مرذول..وأن على العرب الارتضاء بالأمر الواقع لقطع الطريق على الكيان الصهيوني.

منطق «الممانعة» هذا، خيم على القمة قبل انعقادها. فقد تم وصف تخفيض مستوى التمثيل لعدد من الدول العربية بأنه «استجابة للضغوط الأميركية». ويعرف القاصي والداني أن ثمة خلافات جدية بين دمشق وعدد كبير من الدول العربية منها مصر والسعودية والأردن، وأن عدم حل هذه الخلافات، هو ما حمل قادة البلدان الثلاثة على إيفاد ممثلين عنهم، علماً بأن هذه الدول لم تصف تشبث دمشق بمواقفها الخلافية شبه المنفردة على أنه من قبيل الاستجابة لـ«ضغوط إيرانية» مثلاً. وكان المعلم صرح غير مرة قبل انعقاد قمة دمشق بأن تغيب عدد من القادة أمر مألوف في القمم..فكيف انقلب الأمر وأصبح غير مألوف ويستجيب لإرادة أميركية؟.

لأميركا بلا مراء تأثير نافذ على العالم العربي، وهو ما جعل دمشق مثلاً تتعاون معها في «مكافحة الإرهاب»، غير أن عدم قيام علاقات عربية بينية سليمة لا يعود للنفوذ الاميركي، والمقصود علاقات تبتعد ابتداء عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة، وتحتكم لمصالح مشتركة لا لمصالح قطرية فحسب.ولم تكن أميركا هي من سمت العماد ميشيل سليمان رئيساً توافقياً، بل هي المعارضة اللبنانية المتحالفة بالباع والذراع مع دمشق، ليصار بعدئذ لتعطيل الانتخاب وفرض شروط متناسلة.

واقع الحال أن امتناع ممثلي الدول التي غاب قادتها عن الرد على الاتهامات النمطية، جنب قمة دمشق الاهتزازات، ومكنها من المضي في أعمالها في أجواء عادية شبه روتينية فالنجاح الذي حققته القمة يتمثل في أنها نجت من الفشل على صعيد الشكل وسلاسة الانعقاد.

لقد تردد أن الجلسة المغلقة شهدت حوارات صريحة وعتابات لفترة ثلاث ساعات، وهو أمر جيد، غير أن المفاتحة وحدها على أهميتها لا تكفي، فالأهم من ذلك وضع آليات وتصورات للحلول وهو ما حمل ممثل السعودية أحمد القطان على التعقيب متسائلاً: ما قيمة القرارات التي تتخذ ( بعد المصارحات) إذا لم تجد طريقها الى التنفيذ؟.

ذهب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أبعد من ذلك، في مؤتمره الصحفي الذي عقده في الرياض صبيحة انعقاد القمة السبت الماضي، حين دعا الى معاقبة الدول التي لا تلتزم بتنفيذ قرارات الجامعة العربية. وكان يقصد بذلك المبادرة العربية بشأن لبنان التي تم إصدارها بالإجماع ولم تدخل حيز التطبيق، فبقي لبنان البلد المؤسس في الجامعة العربية دون رئيس، وهو ما لا يؤرق البعض..

جددت قمة دمشق التمسك بالمبادرة : انتخاب رئيس توافقي ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع قانون انتخابات، لكن أين الضمانة لتنفيذ هذا القرار بـ«المتمسك» ما دامت خبرة الأشهر الماضية تفيد أن هناك من لا يريد إحياء المؤسسات الدستورية من رئاسة الجمهورية الى البرلمان الى الحكومة؟.ليس هناك من ضمانة. الخشية أن تتواصل المناورات وربما تشتد.

بذلك وفرت القمة مجالاً للتعايش مع الأزمات والحؤول دون انفجارها لكن دون التقدم لمعالجتها،أو حتى إبداء الحاجة ناهيك عن التصميم لحلها.لا يحتسب ذلك نجاحاً.فالفيصل هو في التكيف الإيجابي مع الأزمات بالاعتراف بوجودها ثم إبداء الاستعداد لمعالجتها والانتقال من ذلك الى وضع آليات ملزمة للتنفيذ. هذا لم يحدث.حدث للأسف ضرب من التكيف السلبي. « نمنع بمناسبة القمة انفجار الأزمات..لكننا نتركها لتتعفن أو تحل من تلقاء ذاتها لاحقاً».

لم ينجح مقترح قطري بتشكيل لجنة للنظر في الخلافات والسعي لحلها. ترك الأمر لرئاسة القمة والأمانة العامة للجامعة دون طرف ثالث يمثل دولة عربية أخرى. الخشية أن يكون تم اعتماد سياسة لكسب الوقت.

في تصريحات لافتة للامين العام للجامعة العربية اطلقها مع اختتام القمة الاحد الماضي قال عمرو موسى "إن منطقتنا كلها على كف عفريت ولبنان سيكون المتضررر الأول بما يملي معالجة العلاقات العربية». التصريحات التي نشرتها «السفير» البيروتية غداة اختتام القمة جاءت بعد يوم واحد من انفضاض القمة التي أثنى رئيس الدبلوماسية السورية على « الأوجه المتعددة لنجاحها».

لم يجر التعامل بجدية مع الانقسامات العربية وبعضها داخل البلد الواحد كما في الانقسام الفلسطيني، فقد جرى ترديد مبادىء ضد التغول الإسرائيلي، ودعم السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وتأييد المبادرة اليمنية بخصوص الحوار بين حماس ومنظمة التحرير.بينما المطلوب تصليب الموقف ضد الاحتلال الإسرائيلي ودعم الوحدة الفلسطينية بصورة لا مواربة فيها بما في ذلك وقف المنحى الانقسامي لدى حركة حماس لا تشجيعه. لقد زارت الوزيرة الاميركية رايس المنطقة في أثناء انعقاد القمة. كان الواجب يقضي أن تمنح القمة أملا للشعب الرازح تحت الاحتلال،بما يمكن من عدم التعويل على رايس وإدارتها. أو في الحد الأدنى مخاطبة الإدارة بلغة واضحة بأن الطرف الذي يستحق بذل كل الضغوط عليه هو الاحتلال القائم منذ أربعة عقود لا الطرف الضعيف والمستضعف.

على أنه يسجل للقمة اتخاذها موقفاً يربط بين استمرار التمسك بالمبادرة السلمية العربية : سلام شامل مقابل انسحاب كامل، وبين التزام تل ابيب بها. هذا الموقف صائب ومنطقي، وإن كان الخلاف السوري السعودي يلقي بظلاله على بواعث هذا الموقف. المهم هو فصل هذا الموقف السليم عن الخلاف الثنائي، والأفضل إزالة أسباب الخلاف وعدم التغطية عليها بالتذاكي، حتى يمكن الانطلاق لمجابهة التحديات الخارجية التي تهدد الجميع، في اجواء من الثقة المتبادلة بين مكونات النظام العربي ومن الاستجابة الأمينة لتطلعات الشعوب.

واقع الأمر أن الشعوب باتت مهددة بتداعيات الانقسامات الناشئة،التي تضاف الى أعباء التحديات الخارجية الجسيمة.فبعد الفشل في التعامل بنجاعة مع المخاطر الوافدة من الخارج، ها هي بعض مكونات النظام العربي تخفق في الحفاظ على الحد الأدنى من التوافق العربي بما ينعكس سلباً على استقرار الدول والشعوب.

لقد جابه لبنان، على سبيل المثال، حرباً إسرائيلية وحشية وشرسة، وها هو هذا البلد ينوء مجدداً تحت وطأة مخاطر تفكيك كيانه ودولته نتيجة التنازع على النفوذ والتشكيك الفعلي بسيادة هذا البلد.بذلك يتبدد الصمود اللبناني الذي تجسد أمام العدوان الإسرائيلي، في حماة الصراعات الداخلية التي تتغذى من الخارج. هذا مثال صارخ على الإخفاق الذي يهدد الداخل العربي بعواقب وخيمة كما حذر موسى.

أما الملف العراقي فقد شهد عجزاً من ممثليه عن التقدم بمطالب متكاملة تجمع بين مناوأة العنف الداخلي والانشطارات الأهلية ووقف التدخلات الخارجية وبين استعادة سيادة بلاد الرافدين ورؤية نهاية للاحتلال الأميركي.فلا أصحاب الشأن في بغداد عازمون حتى الآن على بلورة مطالب تعكس أكبر توافق وطني، ولا أشقاؤهم قادرون أو راغبون في مساعدة ملموسة.فهناك من يرغب في استثمار حالة الخراب، وهناك من يخشى انتشار العدوى الطائفية الى الإقليم.وفي هذه المتاهة فإن خسائر العراقيين تبدو خالصة ومتراكمة. ولا ينفع الاحتجاج بأن القمة لم تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً من «الإرهاب» على ما تحدث محتجاً الوفد العراقي الى القمة.فقد تعددت مصادر الإرهاب ومظاهره في السنوات الأخيرة وعمت بركاته على جميع العراقيين.

تبقى بعدئذ مسألة لعلها على جانب من الأهمية. فسورية تتولى رئاسة القمة حالياً وحتى انعقاد القمة المقبلة في الدوحة. هذا يملي حكماً على دمشق أن تعتمد سياسة وفاقية فعلية على الصعيد العربي، وأن تسهم بتسهيل الوفاق واحترام الشرعيات في فلسطين ولبنان، احتكاماً لمصالح عربية عليا نص عليها إعلان دمشق للقمة العشرين. رئاسة القمة فرصة لدمشق للبرهنة، انها في مناوأتها للمشروع الأميركي الإسرائيلي تنشد بلورة مشروع عربي ذاتي لا مشروعاً إيرانياً أو تركياً !.

قمة دمشق تنجح في الإنعقاد.. التكيف الإيجابي مع الأزمات مرهون بإزالة أسباب الانقسام
 
03-Apr-2008
 
العدد 20