العدد 20 - دولي | ||||||||||||||
لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لبريطانيا طويلة، ولكنها بالتأكيد كانت مهمة فيما توصلت إليه، في الاختلافات التي برزت بينه وبين مضيفه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، وكذلك بالدلالات المهمة للزيارة. على مدى يومين أثار ساركوزي عدداً من القضايا المتعلقة بحال الاتحاد الأوروبي الراهن، وبالعلاقات بين الجارين اللدودين تقليدياً، مقدماً اقتراحات جديدة لعلاقات جديدة بين البلدين ليكونا نواة جديدة لأوروبا وقلباً نابضاً جديداً لها، وهو ما يعني ضمناً، أن قلب أوروبا الذي كان يمثله الرئيسان السابقان لفرنسا وألمانيا: فرانسوا ميتران، وغيرهارد شرودر، في سبيله للانتقال إلى باريس ولندن، مع ما يعنيه هذا الانتقال من تغير في خارطة التحالفات الأوروبية - الأوروبية والأوروبية - الأميركية. على عادة الفرنسيين، تميزت خطابات ساركوزي بالطابع العاطفي الذي يميز البلدان اللاتينية الأوروبية، ولكنها عند ساركوزي تخطت الطابع العاطفي، إلى ما طابع إنشائي حيناً ومتملق لبريطانيا حيناً آخر. فقد توجه إلى رئيس وزراء بريطانيا بحرارة مبالغ فيها قائلا إن أوروبا كلها تحتاجها، "نحن نحتاج بريطانيا لكي ندفع أوروبا للأمام"، وأن فرنسا تتخذ من "سجل بريطانيا المتقدم على مدى ثلاثين عاماً مثالاً يحتذى"، مقترحاً إقامة تحالف بريطاني فرنسي يقوم على "الأخوة" بين البلدين لتحل محل التنافس التاريخي بينهما. وفيما يشبه تبادل الأدوار مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي كان يعلن ولاء شبه مطلق للولايات المتحدة، قال ساركوزي: إن فرنسا ملتزمة بإقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وأعلن استعداد بلاده لدعم قوات حلف الناتو في أفغانستان، مشيراً إلى أن قوات التحالف هناك لا تستطيع المغامرة بخسارة الحرب. رئيس وزراء بريطانيا المتحفظ عادة حين يتعلق الأمر بالعلاقة مع "القارة"، وجد نفسه منطلقاً في الحديث عن "رؤية" لأوروبا كونية، وعلاقة رائعة مع فرنسا معلناً استعداد بريطانيا لأن تكون مع فرنسا ما وصفه بقلب أوروبا. غير أن براون وجد نفسه غير قادر على مجاراة ساركوزي في بعض الأمور مثل قضية الصين/التيبت، ففي حين هدد ساركوزي بعدم حضور حفل افتتاح الألعاب الأوليمبية التي ستجري في الصين في الصيف المقبل، أعلن براون تحفظه على ذلك، مشيراً إلى أن بريطانيا سوف تحضر حفل الافتتاح، وأن الدلاي لاما نفسه لم يطلب مقاطعة الألعاب الأوليمبية. وترك لساركوزي أن يتحفظ بدوره على بقاء بريطانيا خارج منطقة اليورو، مفضلة الإبقاء على الجنيه الاسترليني، وكذلك على بقائها خارج اتفاقية "شنغن" للحدود المفتوحة، مؤكداً أن وجود بريطانيا داخلهما أفضل لها. ومع ذلك فقد وجد ساركوزي وبراون اللذان تعود العلاقة بينهما إلى ما قبل وصولهما إلى أعلى منصبين في بلديهما، الكثير مما يتفقان عليه، فوقعا عدداً من الاتفاقات ذات الفائدة المشتركة لكليهما مثل: خطط مكافحة "الإرهاب النووي" عبر القنال الإنجليزي الذي يربط بين البلدين، ووضع ضوابط ومعايير مشتركة للهجرة وقبول طلبات اللجوء إليهما، ووضع تعريفات مشتركة في هذا المجال. كما اتفقا على التعاون في مجالي الدفاع والسياسة الدولية والأنشطة النووية السلمية التي تتفوق فيها فرنسا على بريطانيا في صورة واضحة. وإن كانت برزت بعض الخلافات في القضايا الداخلية، فإن الاتفاق كان الغالب فيما يتعلق بالقضايا الخارجية مثل: قضايا دارفور، وميانمار (بورما) وأفغانستان، وكذلك بالنسبة إلى ضم دول مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والمكسيك إلى الدول الثماني الكبار. وقد توقفت صحيفة الإندبندنت البريطانية عند تصريحات ساركوزي التي أعلن فيها استعداده لتوثيق التعاون مع بريطانيا في مجال التسليح، ورأت فيه محاولة من جانب الرئيس الفرنسي لمد خيوط تسليحية، عبر بريطانيا، مع الولايات المتحدة التي لم تبد يوماً اهتماماً بهذا النوع من الصناعات الفرنسية. |
|
|||||||||||||