العدد 20 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات تتناقض مستويات المديونية الداخلية الخارجية مع تصريحات مسؤولين يتحدثون منذ سنوات عن السعي لتخفيضها، إذ سجلت ارتفاعاً قدره 1.4 مليار دينار مقارنة مع عام 1989، بعد نحو عقدين من «التقشف» والامتثال لشروط صندوق النقد الدولي. صافي الدين العام «الداخلي والخارجي» قفز خلال أيلول/سبتمبر الماضي إلى 7804.9 مليون دينار بزيادة 455.4 مليون دينار عن رصيده في نهاية عام 2006، وفقاً لنشرة البنك المركزي. بموازاة ذلك ارتفعت خدمة الدين العام عام 2007 إلى 405.1 مليون دينار. الإحصاءات ذاتها عام 1993، كانت تقدر المديونية الخارجية بـ 5409.4 مليون دينار والداخلية 995 مليون دينار عام 1989- الذي شهد دخول صندوق النقد الدولي عقب انخفاض العملة الوطنية بواقع النصف وانكشاف رصيد احتياطات المملكة من النقد الأجنبي. من بين خطط الحكومة للجم سقوف الدين، محاولة شراء جزء منه من الدول الدائنة ضمن نادي باريس. بعد مفاوضات مكثفة بإشراف ملكي، اشترى الأردن 2.4 مليار دولار/ أي نصف دينه المستحق لعشر دول دائنة في نادي باريس، وبسعر خصم 11 بالمئة، وبالتالي يوفر 277 مليون دولار ويخفض حجم دينه الخارجي من 7.4 مليار إلى خمسة مليارات. وقعت الاتفاقية الدول الدائنة باستثناء اليابان- كبرى الدول الدائنة للأردن- التي يحظر دستورها إعادة بيع الدين بخصومات. الدول التي وقعت الاتفاقية هي كندا، ايطاليا، بلجيكا، الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، سويسرا، والنمسا. الولايات المتحدة، التي تتمتع بعلاقات استراتيجية مع الأردن منذ أبرم معاهدة سلام عام 1994، انضمت إلى الدول الموافقة على إعادة شراء الدين عبر استثناء بموافقة الكونغرس، علماً أن القوانين الأميركية لا تسمح عادة بمثل هذه العملية. يبلغ دين الأردن تجاه دول نادي باريس 4.5 مليار دولار، موزعة بين 2.5 مليار دولار ديون تصديرية غير ميسرة (NODA) بمعدل فائدة 5.6 بالمئة، ومليارين ديون ثنائية ميسرة (ODA) بمعدل فائدة 2.1 بالمئة. مولت عملية إعادة الشراء من صندوق التخاصية، حوالي مليار و500 مليون دولار، و500 مليون دولار أخرى من صندوق "عوائد الاستثمار". وزير المالية حمد الكساسبة، يؤكد أن الاتفاقية خفّضت رصيد الدين العام الخارجي من 7.4 مليار دولار،كما هو في نهاية عام 2007 إلى حوالي خمسة مليارات دولار، وبالتالي هبوط نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي من 46 بالمئة إلى 32 بالمئة. كذلك ستخفض بند خدمة الدين العام في الموازنة بشقيه الأقساط والفوائد بمعدل 240 مليون دولار بواقع 100 مليون دولار فوائد و140 مليون دولار كأقساط، أي تقريبا 25 بالمئة من فوائد وأقساط الدين المقدرة بـ 800 مليون. منذ تعرض الأردن لهزة اقتصادية ونقدية عام 1989، نجحت الحكومات في تخفيض نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي من 190 بالمئة في عام 1990 إلى حوالي 46 بالمئة أواخر عام 2007، بحسب تقديرات وزارة المالية. وزير المالية يؤكد أن فوائد وأصول الديون التي سددها الأردن منذ مطلع العقد الماضي تصل إلى 6.1 مليار دولار. الانتقادات التي تتعرض لها الاتفاقية ليس حول مبدأ شراء الديون وتخفيض عبء المديونية على الاقتصاد الوطني، ولكن حول الشروط التي تم الشراء وفقاً لها، كما يرى الخبير الاقتصاد يوسف منصور، مضيفاً أن سلبيات الاتفاق تفوق ايجابياته في هذا الوقت بالذات الذي يمر فيه الدولار المرتبط به الدينار بتراجع متواصل أمام العملات الأخرى. كذلك، يعتبر منصور أن استخدام 700 مليون دينار من أموال التخاصية في شراء هذا الدين من بين المآخذ على اتفاقية الشراء كون هذه الأموال حقاً للأجيال القادمة لتنتفع بها في مشاريع تنموية تسهم في تخفيض معدلات الفقر والبطالة. وزير المالية لا ينكر الأثر السلبي لتراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى على حجم استفادة المملكة من هذه الاتفاقية الكساسبة يؤكد أن اللجوء لعوائد التخاصية في شراء الدين هو «الاستخدام الأمثل لهذه الأموال التي ينص قانون التخاصية على استخدامها لشراء الدين». ويضيف أن لعملية الشراء «مردود إيجابي للاقتصاد الأردني وفائدة للأجيال القادمة من خلال تخفيض رصيد وأعباء خدمة الدين الخارجي خلال السنوات الأربع عشرة القادمة. يساهم الاتفاق أيضاً في تخفيض النفقات الجارية بمقدار الفوائد، وبالتالي تخفيض عجز الموازنة العامة بهذا المقدار سنوياً. وسينعكس ذلك ايجابياً على نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.6 بالمئة عام 2008 هذا بالإضافة إلى الانعكاس الايجابي على موازنة التمويل لعام 2008 والأعوام التالية. ثمة تشكيك في المعايير التي توظفها الحكومة لإشهار نتائج مرضية عن حجم المديونية، بما في ذلك احتساب نسبة المديونية الى الناتج المحلي الإجمالي قياساً للقول إن المديونية ارتفعت أو انخفضت، علماً أن الناتج المحلي في نمو مطرد. الحكومات، وعلى مدى 14 عاماً مضت تحدثت باقتناع، عن إنجاز حقيقي في معالجة المديونية الثقيلة، يتمثل في تخفيض نسبتها تحدثت باقتناع الى الناتج المحلي الإجمالي نزولاً الى 72 بالمئة منه، أما تقليل الدين بالقيمة المطلقة فلا يلقى بالا لديهم طالما نما الناتج المحلي وازداد الدخل. في هذا الإطار تقدمت الحكومة بمشروع قانون معدل لقانون الدين العام بهدف تخفيض حجم الدين العام بحيث لا يتجاوز 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. يبدو طبيعياً أن تنخفض المديونية وفق هذا المقياس في ظل تنامي الناتج المجلي الإجمالي خلال السنوات الماضية، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، نما الناتج المحلي الإجمالي لعام 2007 بنسبة 6.0 بالمئة بالأسعار الثابتة مقارنة بعام 2006 ، في حين بلغ معدل النمو بأسعار السوق الجارية 12.3 بالمئة ليصل إلى ما مقداره 11225.3 مليون دينار في عام 2007 مقابل 9997.4 مليون دينار في عام 2006. ثبات قيمة الدين كرقم مطلق، أمر يقره الكساسبة، ويوضح في الوقت نفسه أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تظهر تراجع المديونية الخارجية الى الناتج المحلي، لكنه يسلم بأنها معدلات مرتفعة هي فوق الحدود الآمنة وفقاً للمعايير الدولية. يبلغ معدل التضخم لعام 2007 نسبة 5.97 بالمئة مقاساً بالتغير النسبي في مخفض الناتج المحلي الإجمالي إتباع هذا النهج لا يخفض قيمة الدين الإجمالي، ولكن تبقى مسألة واحدة تثير القلق تتمثل بالقدرة على الالتزام بسداد أقساط وخدمة الدين التي تبلغ سنوياً حوالي 800 مليون دولار، ما يشكل 22 بالمئة من إجمالي الإيرادات المحلية المقدرة بـ 4 مليارات دينار. المستغرب في سياسة معالجة المديونية أن الحكومات المتعاقبة لم تتخل عن نهج الاقتراض، إذ تضمنت موازنة العام الحالي بيانات تؤكد أن الحكومة تسعى للاقتراض، ولكن من جهات محلية، وهي سياسة كانت أعلنت في حكومة فيصل الفايز (2003 - 2006). يقدر حجم القروض الداخلية خلال العام الحالي، كما جاء في قانون الموازنة بملياري دينار وللأعوام 2009 و2010 على التوالي 7ر1 و2 مليار دينار، فيما يبين القانون أن المبالغ المخصصة لتمويل مشاريع تنموية من القروض تتجاوز 81 مليون دينار. بدأت الحكومة، بحسب وزير المالية، التركيز على الاقتراض الداخلي كونه لا يحمل في طياته مخاطر تقلبات أسعار صرف العملات المرافقة لعمليات الاقتراض الخارجي وغيرها من المخاطر الأخرى. تكبدت الخزينة خسائر بقيمة 400 مليون دينار جراء التأخر في تحويل جزء من احتياطات المملكة الى عملات أخرى بحسب خبرء اقتصاد. يضاف إلى ما سبق أيضاً توجه الحكومة في إدارة الدين الخارجي إلى إعادة شراء جزء كبير من المديونية الخارجية ذات الفوائد المرتفعة نسبياً وبخصومات ومبادلة جانب من الديون الأخرى باستثمارات محلية، وبهدف تخفيض رصيد الدين الخارجي وأعباء خدمته على الموازنة العامة. شكلت مديونية العامة إشكاليه دائمة لراسمي السياسة الاقتصادية، وازداد حجمها برغم أنها استنفدت الكثير من موارد المملكة المحدودة. |
|
|||||||||||||