العدد 20 - ثقافي | ||||||||||||||
جعفر العقيلي تتخذ دورة هذا العام من مهرجان أيام عمان المسرحية (الفوانيس) طابعاً مختلفاً عن الدورات الأخيرة السابقة، ليس بسبب استئناف الانفتاح على فنون أدبية وبصرية أخرى كالشعر والتشكيل، والسينما فحسب، وإنما لأن المهرجان أصبح "أكثر نضوجاً" بحسب تعبير رئيس اللجنة العليا عامر البشير، و"أصلب عوداً" بحسب مدير المهرجان نادر عمران، وأكثر اعتماداً على الدعم الوطني في وقتٍ يشهد فيه قلة عدد الداعمين خارجياً،أو تلاشي هذا الدعم الذي ظل مثار جدل واسع في الساحتين الثقافية والفنية منذ انطلاقة المهرجان قبل خمسة عشر عاماً. والحديث عن الدعم ومصادره يستدعي غيرَ قضية ذات صلة باستقلالية المهرجان واستمراريته، فإذا كان صحيحاً أن "من يدفع للزمار يحدد النغمة التي يود سماعها" وفقاً لنقيب الفنانين السابق محمد البرماوي، وهو يقرر مقاطعة النقابة للمهرجان في وقت سابق، فما "النغمة" التي سمعتها مؤسسة "فورد فاونديشن" وسواها وهي تدعم مهرجاناً لعروض الفرق المسرحية المستقلة، أطلق اسم "الدورة الانتفاضية" على إحدى دوراته (سنة 2001) تحية للشعب الفلسطيني، وتأكيداً على "وطنية" المهرجان وانتمائه للقضايا العربية؟ هذا سؤال برسم الإجابة منذ زمن طويل. ورغم ما يثيره غياب التمويل الخارجي من تخوّف على مستقبل المهرجان، تبدو إدارة المهرجان مطمئنة وتراهن على استمراريته الذي لم يغب عن محبّي المسرح سوى مرة واحدة (سنة 2003) بسبب الحرب الأميركية على العراق. ويجيء هذا الاطمئنان تحصيلَ حاصل لما كان أدلى به نائب أمين عمان م.عامر البشير، من تصريحات خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن فعاليات هذه الدورة، التي أكد فيها أن المهرجان "وطني"، وأن دعم أمانة عمان له قائم على "وعي مؤسسي واستراتيجي غير قابل للتراجع أو الفتور"، ولافتاً إلى أن علاقة الأمانة بالمهرجان أصبحت "مؤسسية لا ترتبط بأشخاص بعينهم". وفي الوقت الذي يُخشى فيه أن يؤدي غياب التمويل الخارجي الذي لم تتضح أسبابه بعد، إلى "التقشف" على صعيد استضافة الفرق المسرحية التي يتطلب مجيئها وتقديم عروضها في عمّان كلفة عالية، ثمة قلق من أن يتسبب هذا في تقليص عدد أيام المهرجان أو عدد الأعمال المشاركة فيه، وربما أيضاً في تراجع مستوى العروض. لكن "تطمينات" الأمانة (شريك "الفوانيس" في تنظيم المهرجان) بدت كافية، إلى جانب ما تقدمه وزارة الثقافة من دعم للمهرجان، ليستعيد ما كانت اسـتـنّـتـه إدارته في دورات سابقة من استضافة فعاليات تشكيلية وسينمائية وشعرية على هامش العروض المسرحية التي تقام في المركز الثقافي الملكي، إلى جانب ورش العمل، فضلاً عن عروض مسرح الشارع التي يتضمن برنامجها التجوال في عدد من الأماكن العامة في العاصمة، كشارع الوكالات في الصويفية، وحدائق الحسين، وحدائق الجويدة، بالإضافة إلى الانطلاق من مطعم هاشم وصولاً لمقر الأمانة في رأس العين. واتسم حفل افتتاح المهرجان في دورته الأخيرة التي تستمر حتى السادس من نيسان الجاري بـ"الكرنفالية"، إذ شاركت فيه موسيقات القوات المسلحة، وقدمت فيه فرقة التنورة المصرية "رقصة التنورة"، فيما اختار المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية في مدينة الكاف التونسية تقديم عرض "المشي على العصي". وإضافةً إلى هذا العرض، تشارك تونس في هذه الدورة بثلاثة عروض: "over dose" أو "حرارة الروح" الذي أعده وأخرجه حسام الساحلي عن رواية "اللجنة" للمصري صنع الله إبراهيم؛ "وسنديانة" من تأليف وإخراج زهيرة بن عمار، و"ساعة زايدة" من نص وإخراج الزين العبيدي، وهو العرض الذي حالت اللهجة التي قُدم بها دون تواصل المتفرجين معه، ما يعيد إلى الواجهة ذلك السؤال حول جدوى تقديم الأعمال المسرحية باللهجات المحلية، ودور الحوار في العرض المسرحي، وهل تغني السينوغرافيا والأداء الحركي عن النص المنطوق؟. وإذا كان المهرجان استضاف تونس هذا العام في مبادرة من إدارته، فإن النية تتجه في الدورة المقبلة إلى استضافة عروض مسرحية من فرنسا التي تشارك في الدورة الحالية من خلال عرض "أوسكار" المسرحي الأدائي الراقص الذي يرتكز على تقنيات إخراجية ذات وعي جمالي معاصر. إذ يقيم الراقصون في هذا العرض (تصميم لوس بيتون) علاقة جدلية تفاعلية مع الخشب الذي يحضر بشدّة في سينوغرافيا العمل، ساعين إلى معاينة السلوك الإنساني والفعل ورد الفعل بعمق يلامس شغاف القلب. أما العرض النمساوي "coppercity" فيكشف عن التطورات المستمرة في فن المسرح، وتفاعله مع الرقص والتشكيل الأداء التعبيري الصامت. وعن قصة للكاتب طه محمد علي أعد المخرج إسماعيل الدباغ عرض "الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة" من تمثيله أيضاً، متناولاً فيها القدس بما تمثله من حضور كبير في الوجدان العربي. ومن لبنان، يشارك بعرض "نساء السكسو.. فون" من إخراج العراقي جواد الأسدي الذي أفاد من مسرحية لوركا "بيت برنارد ألبا". وهو عرض يحاكي الواقع العربي المعاصر، مقترباً على صعيد الحوارات من شعرية لوركا. ويشارك الأردن في المهرجان عبر عرض "الصعود للهاوية" من تأليف ناجح أبو الزين وتصميم رانيا قمحاوي وإخراج لينا التل، وهو عرض يطرح عدداً من القضايا الاجتماعية الراهنة، كالفقر واضطهاد الأطفال واللاعدالة الاجتماعية، كل ذلك عبر مخلوقات مسرحية تتناغم لتجسيد صعود الإنسان إلى الهاوية. ويشتمل المهرجان على عروض مسرحية أخرى من سويسرا وهولندا والعراق والأردن. أما "أيام عمان الشعرية" التي تشرف عليها جمانة مصطفى، فهي فكرة يراد منها تعزيز القيمة الثقافية والجمالية للمهرجان، وتحقيق مفهوم التكامل في الثقافة والإبداع. إذ تقام الأمسيات الشعرية عبر دمج الموسيقى والشعر والمسرح معاً، بعيداً عن الطريقة التقليدية (المنبرية) في تقديم الشعر للجمهور.. حتى إن أوراق الشعر نُشرت على حبل غسيل، وقام الشعراء بإشعال الشموع على خشبة المسرح خلال قراءاتهم "الممسرحة". وكانت الفعاليات الشعرية انطلقت في مركز الحسين الثقافي بأمسية شارك فيها: محمد علي شمس الدين (لبنان)، هالا محمد (سورية)، محمد مقدادي (الأردن)، تم تنفيذها بمساندة سينوغرافية وإخراجية من قبل نادر عمران وسوسن دروزة، وذلك بمصاحبة عزف على العود (أحمد بركات)، والساكسفون (إياس الغول).. وشارك في الأمسية الثانية: جيهان عمر (مصر)، خليل درويش (سورية)، وموسى حوامدة (الأردن). ويشرف على الأيام التشكيلية د.خالد خريس، ويتم خلالها عرض أعمال زهاء 30 فناناً يمثلون مختلف الأجيال، ويعبّرون عن مدارس فنية مختلفة، وذلك بقاعة المعارض في المركز الثقافي الملكي. أما "أيام عمان السينمائية" فتشرف عليها شيما التل، وتتضمن أفلاماً من إيران ومصر ولبنان والأردن ودول أخرى، يتم عرضها بقاعة المؤتمرات في المركز الثقافي الملكي. وإلى جانب كل هذه الفعاليات، تشتمل ورش العمل التي تعقَد على هامش العروض المسرحية، على ورشة تقنيات "المشي على العصي"، وورشة إعداد الممثل (في مركز الفنون الأدائية)، وورشة تقنيات الممثل التي تقام بقسم الدراما في جامعة اليرموك. |
|
|||||||||||||