العدد 20 - ثقافي
 

نشأة فلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي وجيل الانتفاضة

المؤلف: لايتيشيا بوكيه

منشورات مطبعة جامعة برنستون: نيوجيرزي، 2006.

عدد الصفحات: 200 صفحة.

عرض: آن م. ليخ

بدت اتفاقات أوسلو 1993 وكأنها الخطوة الأولى نحو نهاية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب على الرغم من التباين الهائل في القوة بينهما. وقد عكست ذلك الأمل بتحول جدي مؤلفات مثل كتاب غلن إي روبنسون "إقامة دولة فلسطينية: الثورة الناقصة (1997)، وكتاب آمال جمال "سياسة الإعلام والديمقراطية في فلسطين (2005)، وكتابه الآخر "الحركة الوطنية الفلسطينية" (2005)، وكذلك تحليل جهود إقامة الدولة التي قام بها ناثان جي براون في كتابه "السياسة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو" (2003). ويبقى جمال وبراون متفائلين بحذر، حتى بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 والانهيار الكامل للمفاوضات وعمليا، إعادة احتلال جميع المناطق عام 2002.

آخرون، مثل ركس براينن في كتابه "اقتصاد سياسي جدا" (2002)، يطلق تحذيرات عاجلة بأن إغلاق إسرائيل للمناطق، يضع العراقيل أمام حركة الناس داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، والمصادرة المتسارعة للأراضي لإقامة مستوطنات، تتعارض والافتراضات الأساسية التي قامت عليها اتفاقات أوسلو. لقد أصبحت الحياة بالنسبة للفلسطينيين أكثر قسوة وأكثر تقييداً وأقل قابلية للتحمل مما كانت عليه حين كانت السيطرة الإسرائيلية واضحة ومباشرة. (أولئك الذين قرأوا كتاب سارة روي الذي يتميز بالعمق "قطاع غزة: الاقتصاد السياسي لنزع التنمية" 2001، سوف يتذكرون أنه لم يكن يبدو أن الأوضاع ستكون أسوأ، ولكنها اليوم أسوأ بكثير حتى مما توقع براينن.)

على الرغم من إضافة تبصرات مهمة إلى التطورات الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية التي تلت أوسلو، فإن هذه الدراسات لا توفر إحساساً مباشراً بالحياة اليومية للناس في فلسطين. بالعكس من ذلك، فإن كتاب عميرة هيس "شرب بحر غزة: أيام وليال في أرض تحت الحصار" (1996) المنشور بالإنجليزية في العام 1999، وكتاب مايا روزنفيلد "مواجهة الاحتلال" (2004) يرويان بالتفصيل استراتيجيات التأقلم التي تبتكر بينما الأنشوطة تضيق على رقاب الفلسطينيين، الذين يعيشون في قطاع غزة وفي مخيم الدهيشة القريب من بيت لحم على التوالي. وقد أتيح أخيرا للفلسطينيين المناضلين ضد الاحتلال أن يرفعوا صوتهم للتعبير عن هذه الأوضاع في شهادات عيانية ظهرت أخيرا. (1)

تلعب الحقائق القاسية دورا مركزيا في كتاب لايتيشيا بوكيه الذي يرسم صورة صادمة، لشبان عاشوا خيبات الأمل والنكسات الحادة بين أواخر التسعينات وبدايات القرن الحادي والعشرين. وهي تركز على ثلاثة شبان من مخيم بلاطة للاجئين القريب من نابلس ،والذين تملكهم إحساس بالهدف وبالحماسة بوصفهم نشطاء في سن المراهقة خلال الانتفاضة الأولى، وصلبت أعوادهم بينما كانوا في السجن مع أسرى آخرين، وتحولوا إلى العنف المسلح في العام 1991، ليتم ترحيلهم في العام 1992. كانوا يؤيدون العملية السلمية، ولدى عودتهم إلى نابلس في أواخر العام 1995، سرعان ما تبددت أوهامهم مع إعادة تثبيت قوة الأسر النخبوية المدينية والفساد داخل السلطة الفلسطينية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي كأمر واقع، وقابليتهم الخاصة لعيش حيوات مهنية وأداء أدوار بناءة. ولافتقارهم للتعليم والصلات وعدم قدرتهم على تأسيس حياة أسرية مستقرة، فقد ظلوا يحنون إلى الانتفاضة، لذا لم يكن من المدهش أن يعودوا إلى العنف في انتفاضة العام 2000، على الرغم من حلمهم ب"وطن من دون حرب أو سلاح".(ص 112) وترسم بوكيه صورة نابضة لإحساسهم الحاد بأنهم وقعوا في الفخ من دون أن يكون لهم مستقبل في فلسطين، ولا طريق للخروج منها، لذا تحول الموت إلى طريق –ربما الطريق الوحيد- للهرب...من الألم والخيبة."(ص120) وعلى الرغم من ذلك فإنهم صدموا لرؤية أقاربهم الصغار وهم يفكرون بأن يكونوا "شهداء أبطالا."(ص139) لقد كان الأفق أمام هؤلاء الأخوة المراهقين أضيق، فهم لم يقيموا أي اتصالات إنسانية مع الإسرائيليين وليس لهم أمل في المستقبل. لذا فإن التضحية بالذات في صورة "قنابل بشرية" (ص134) يصبح وسيلتهم الوحيدة "لإعادة السيطرة على حيواتهم"(ص137).

ألفت بوكيه، وهي أستاذة مساعدة لعلم الاجتماع في جامعة بوردو الثانية كتاب "غزة: عنف السلام"(1998)، ونشرت الأصل الفرنسي لهذا الكتاب في العام 2002. وقد تم تحديث الكتاب قليلا لدى ترجمته إلى الإنجليزية. وعلى الرغم من أن تحليلاتها السوسيولوجية والسياسية لا تبلغ في فرادتها ما بلغته النبذ الشخصية، فإنها تعزز "الإحساس بالسجن والاختناق" (ص 87) في الأراضي التي يفترض أنها محررة، والتربح الذي يمارسه قادة السلطة الفلسطينية وسحق الاقتصاد وشله وإجبار الفلسطينيين على اللوذ بأنفسهم. ومن الواضح أنها ترسم صورة الصراعات الطبقية في المجتمع الفلسطيني- الذي كان واضحا منذ الانتفاضة الأولى- التي كانت قد تفاقمت مع أعمال النخبة السياسية من "العائدين"، ومع تحدي الإسلاميين ومع تمزق المناطق، "وقد تفاعلت هذه التقسيمات الأيديولوجية والاجتماعية الخاصة مع بعضها بعضا وأصبحت عصية أكثر فأكثر على الحل" (ص 57). وعلى الرغم من أن بوكيه ترى بعض الأمل في انتخاب محمود عباس رئيسا، واهتمامه بدمج الإسلاميين في الساحة السياسية"(ص 162) وما تلاه من موافقة مشروطة من جانب حماس والجهاد الإسلامي على وقف الهجمات على إسرائيل، فإن تحليلاتها عموما تعكس تشاؤما عميقا. وعلى السياسيين والمحللين الذين يتجاوزون تعبيرات مثل "إرهابيين" أن يتأملوا اكتشافات بوكيه حتى يتسنى لهم الإمساك بالحقائق النفسية والاجتماعية وتلك الخاصة بالمساحات، والتي تتحكم في فلسطين والشعب الفلسطيني.

إشارات:

1) مثلا، كتاب جوشوا هامر "موسم في بيت لحم" (2003)؛ وكتاب منى حمزة "لاجئون في أرضنا: وقائع من حياة الفلسطينيين في مخيم فلسطيني للاجئين في بيت لحم" (2001)؛ وكتاب وندي بيرلمان "أصوات محتلة: قصص من الحياة اليومية من الانتفاضة الثانية" (2003)؛ وكتاب نانسي ستولمان ولوريان علاء الدين (محرران) "بث حي من فلسطين" (2003). و"يوميات من الانتفاضة الأولى". وتتضمن، "احتلال الذاكرة: الانتفاضة وحالة الطواريء الفلسطينية" (2004) وكتاب هيلين ونترنتز "موسم من حجارة: الحياة في قرية فلسطينية." (1992)

بالتعاون مع مجلة International Journal of Middle East Studies

خيبة أمل الشبان تدفع نحو حلول «قصوى»
 
03-Apr-2008
 
العدد 20