العدد 3 - ثقافي | ||||||||||||||
القارّة السوداء، القارّة العذراء، أفريقيا لم تعد كذلك منذ أن اكتشفها الرجل الأبيض الذي يعبد المال والقوة.. بدأ غزو هذه القارة وانتهاكها واحتلال معظم أقطارها في موجة الاستعمار والاستيطان حيث احتلت الدول الأوروبية أجزاء من القارة واستوطنت أجزاء أخرى، ومن ثم أخذت بنهب ثروات هذه القارة الغنيّة.. وحيثما يظهر النفط أو الماس وفيما بعد المطاط والعاج، فإن الرجل الأبيض يقوم بإشعال الحروب ليتسنى له السيطرة على مجريات الأمور. تلك قصة قديمة تكررت في معظم أقطار القارة، والفيلم الذي نحن بصدد تناوله - فيلم «الماس الدامي» حديث الظهور تم انجازه قبل سنتين، يروي بشكل مشوق، عنيف، وبحرفية عالية قصة الحرب الأهليّة في سيراليون على الشاطىء الغربي لأفريقيا والتي وقعت في عام 1999 بين الحكومة وبين المعارضة المسلحة التي تقودها الجبهة الثورية المتحدة... حيث أسفرت هذه الحرب عن قتل مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وتشريد حوالي مليون، وضع معظمهم في معسكر شاسع في غينيا بإشراف الأمم المتحدة. يروي الفيلم وقائع تلك الحرب الأهلية المروعة بين حكومة فاسدة ومعارضة أشد سوءاً تنتهج مبدأ الإبادة والتدمير لكل ما تصادفه أثناء احتلالها للمواقع، سواء في العاصمة أو في الأرياف - وأسوأ ما في هذه المعارضة «الثورية» المزعومة انها تعمد إلى اختطاف الأطفال والأولاد من أحضان أمهاتهم ثم تذلهم في معسكرات تدريب خاصة، حيث يتم تعليمهم القتل بدم بارد وهم يضحكون، بعد أن يخضعوا لغسيل دماغ مصحوباً بالتخويف والترويع. أما الذي يقف وراء كل هذا الدمار الرهيب، فهو رجل أبيض يدّعى “فاندركاب” يمتلك جيشاً ومعاونين وطائرات حربية مثل أية دولة.. وهو الذي يمول هذه الحرب لاستمرارها معتمداً على الحكومة والمعارضة معاً، لتزويده بالماس المتوافر في سيراليون. الشخصيات الرئيسية في الفيلم هذا هو الإطار العام لأحداث الفيلم - أما الشخصيات الرئيسة فيه بالإضافة إلى “فاندركاب” ومساعده الكولونيل، فأولها الصحفية الأميركية الجريئة المغامرة صاحبة الضمير (ماري باون)، الموفدة من صحيفتها للعثور على القصة الخفية لهذه الحرب، (قامت بالدور الممثلة الإنجليزية ذات العينين الخضراوين المتقدتين جينفر كونولي) التي تلتقي بالمغامر الشاب الوسيم (داني ارتشر)، وقام بدوره النجم (ليونارد كابريو) الذي يعمل مهرباً للماس مع (ڤاندركاب) ومعاونه الكولونيل، حيث يقوم بتهريب الماس عبر الجبال في منطقة الحدود مع ليبريا المجاورة التي لا تمتلك أي ماس، ولكن مع ذلك، وضمن «لَفّة» طويلة متقنة تكون الهند إحدى حلقاتها، يصل الماس إلى لندن ويحفظ في خزانة ضخمة تحت الأرض، يتم إخراج الماس منها بقدر معلوم لدوام السيطرة على أسعاره المرتفعة. أمّا الشخصية الثالثة، فهي صياد السمك من سيراليون سولومون فاردي (لعب الدور دامون هونسو) والذي تقوده أقداره السيئة إلى الأسر، بواسطة «الجبهة الثورية المتحدة» حيث يشغّل بالسخرة للبحث عن الماس في أحد الأ نهار الضحلة. ومع ذلك فقد كان حظه حسناً، لأن معظم الرجال الأسرى تمّ قطع إحدى أيديهم ببلطة، إلاّ أن سولومون ينجو من هذا المصير في اللحظة الأخيرة بعد أن لاحظ ضابط الجبهة أنه يصلح للعمل. لكنه مع ذلك يفقد ابن (ديا) الذي تم ا نتزاعه من حضن أمه عنوة، بعد سقوط العاصمة في يد عصابات الجبهة. وكان الولد اليافع (ديا) مجتهداً لطيفاً يعد بمستقبل واعد، ولكنهم يحولونه إلى قاتل قاسي القلب يتنكر حتى لأبيه الصيّاد للوهلة الأولى بعد أن يعثر عليه في أحد المعسكرات بمعاونة الشاب المغامر المهرب (دي كابريو). تلتقي الصحفية الجريئة المغامرة،التي سبق أن غطت أحداثاً دامية في أفغانستان وكوسوفو، بالشاب المهرب، وتبدأ المناوشات والاحتكاكات حيث يعرف كل منهما هوية الآخر في أول لقاء وهما يشربان زجاجتين من البيرة في أحد المشارب على شاطئ البحر. إنهما نموذجان متناقضان تماماً - هي الصحفية التي تبحث عن سرَّ هذه الحرب لتكشفها بالأسماء والأرقام والتواريخ، وهو الشاب المتورط مع عصابة التهريب والمرتبط برئيس العصابة القابع في لندن. ولكننا نعرف فيما بعد أن هذا الشاب تم توريطه بعد أ ن اغتصبت والدته، وبعد أن قتل والده في إحدى الحروب في زيمبابوي حيث وُلِد. الماسة الوردية هائلة الحجم يعثر (سولومون) في أثناء بحثه عن الماس بإشراف أحد ضباط الجبهة الثورية على ماسة ضخمة بحجم بيضة الطائر، صافية ذات لون وردي تساوي بضعة ملايين من الجنيهات. يخفي الماسة تحت إبهام اصبعه ثم يطلب الإذن لقضاء الحاجة، ولكن الضابط الخبيث يراه وهو يحاول دفن الماسة. وفي هذه اللحظة فإن منطقة النهر بأسرها تتعرض لقصف طيران حكومي فيُصاب ضابط الجبهة وينجو (سولومون) بعد أن دفن الماسة الضخمة - ولكنهما يساقان إلى السجن. ومن ناحية أخرى، يتم ترحيل زوجته وإبنته إلى معسكر في غينيا، يضم مليون لاجئ مهجّر (تعلق الصحفية بأن الشعب الأميركي قد يرى صور اللاجئين في هذا المعسكر عبر قناة CNN بين برنامجي الرياضة والطقس). أمّا ابنه الواعد (ديا)، فيتم أسره وإعداده ليصبح قاتلاً محترفاً في صفوف الجبهة الثورية. ومنذ العثور على الماسة، فإنها تصبح محور الحدث كله.. إذ يعرف الشاب المهرب (ارتشر) بأمر الماسة أثناء وجوده في السجن بعد أن تم ضبطه وهو يهرب الماس في كيس صغير ثم تخييطه على ظهر خروف ضمن قطيع على الحدود مع ليبريا. وتتوالى الأحداث الداميّة حيث يتم تدمير الأخضر واليابس في البلاد، وبخاصة في العاصمة التي يتم تدميرها وقتل جميع من تصادف وجوده في الشارع ساعة اقتحام قوات الجبهة الثورية المؤلفة من الأولاد المدججين بالرشاشات وقذائف (الآر.بي.جي) وتسير حبكة الأحداث كما يلي: (ارتشر) «دي كابريو»، يريد الحصول على الماسة بأي ثمن، وهو يطارد صيّاد السمك سولومون بعد أن يخرجه من السجن، ويخبره بأنه إذا ساعده في الحصول عليها فإنه سيسترد أسرته، حيث أنه (أي سولومون) لن يستطيع أن يفعل أيّ شيء باعتباره ليس إلاّ رجلاً أفريقياً أسود لا قيمة له. ارتشر، بدوره لا يستطيع التقدم إلاّ بمساعدة الصحفية التي توافق على تقديم التسهيلات له بشرط أن يعطيها الأسماء وأرقام الحسابات والقصة كلها.. ولكن الماسة حيث دفنها (سولومون) أصبحت في مكان بعيد بحاجة إلى عملية عبور خطرة للوصول إليها.. ويتم عقد الصفقات ببطء بين الأطراف المعنيّة حيث يدرك كل طرف إنّه لا يستغني عن الآخر لتحقيق أهدافه، ولكن عليه أن يدفع الثمن. تتواصل الأحداث المروعة، حيث نجد جثثاً ملقاة في كل مكان على مدى حركة الأحداث.. وعبر الاحتكاك المتواصل والمساومات والكراهية بين الصحفية والمهرب يتسلل خيط من التعاطف بينهما، وبخاصة بعد أن عرفت أنه أيضاً ضحية ظروف قاهرة خسر فيها والديه بشكل مأساوي. وبعد سلسلة أحداث متلاحقة تشد الأنفاس ينتهي الفيلم نهاية سعيدة بالنسبة لـ(سولومون) الذي يحصل أخيراً على الماسة النادرة وعلى أسرته معاً. وكذلك الأمر بالنسبة للصحفية التي تحقق نصراً صحفياً مدوياً بعد أن زودها ارتشر بالقصة الكاملة، مدعومة بالأسماء والأرقام. أمّا المهرب، فيصاب بجراح بليغة ويلفظ أنفاسه على قمة أحد الجبال وهو يتصل بالصحفية التي اصبحت في لندن مصطحبة معها (سولومون) وعائلته بعد أن تم كشف القصة كلها. إنها الصحفية التي فجعت بنهايته المأساوية بعد أن أحبّته على الرغم من كل شيء. الفيلم مصنوع جيداً وبحرفية عالية وتشويق متواصل حيث يتابع المشاهد وقائع مروعة لا تصدق.. ولكن هناك بعض المبالغات بالطبع، وبخاصة فيما يتعلق بسولومون الذي ينجو من الموت المحقق أكثر من خمس مرات، وينجو أيضاً في اللحظة الأخيرة التي كاد فيها ضابط الجبهة الثورية أن يقطع إحدى يديه.. فكأن (سولومون) هذا بسبعة أرواح - كما أن أيّاً من أفراد أسرته لم يصب بأيّ أذى جسدي، على الرغم من جميع الأحداث العاصفة.. فكأن المخرج ادوارد زويك أراد بوعي وتصميم ان يضفي كتابة سعيدة لهذه الأسرة. أمّا الفيلم، فهو بدون شك فيلم نقدي إنساني يشكّل صرخة أخرى في وجه مصاصي دماء أفريقيا - وقد رشّح الفيلم لخمس جوائز أوسكار عندما عرض قبل حوالي سنتين. |
|
|||||||||||||