العدد 20 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر مات مشروع الكازينو في البحر الميت. لكن لا أحد يعرف كيف ولد، متى، على يد أي قابلة أو فيما إذا كان له أكثر من أب شرعي؟ نعي مولود السفاح جاء عبر تسريب لصحيفة «العرب اليوم»، أثار غضب الكثيرين، لجهة حجم التجاوزات والعواقب الكامنة وراء مشروع ملتو، كان يمكن أن يستنزف خزينة الدولة. وفي الذهن سلسلة هزات نقدّية وفضائح مصرفية منذ عام 1989، خسرّت هذا البلد محدود الموارد مئات ملايين الدنانير. تفيد المعلومات، غير المعلنة رسميا حتى الآن، بأن رئيس الوزراء نادر الذهبي ألغى، الأسبوع الماضي، عقدا كانت الحكومة السابقة أبرمته مع شركة استثمارية مسجلة في لندن، بمشاركة رجل أعمال بريطاني «كردي الأصل». لكن في تسريب معاكس إلى «زواريب» يومية «الغـد»، ردّت مصادر مقربة من الحكومة السابقة بأن قرار الإلغاء اتخذ في عهدها. تعدّدت التسريبات والتراشق باتهامات مبطنةّ حول المسؤولية عن هذا العقد المثير للجدل. وهو ليس الأول، وربما لن يكون الأخير في ظل آليات حكومية غير شفّافة وتعتيم متواصل. عقود مشبوهة ظلت طي الكتمان، حتى عن أعين وزراء رئيسيين في حكومات سابقة. شأنها شأن قرارات حسّاسة تطبخ خلف أبواب موصدة. تسريبات صحفية متضادة؛ تكشف خللا وثغرات في آليات صناعة القرار، بعيدا عن المكاشفة. يرفض مسؤولون سابقون ولاحقون التعليق على هذه القضية المثيرة للجدل. فهم يخفون كل الأوراق. ويظل دافع الضرائب في حيرة. من يصدق وإلى من يلجأ؟ إلغاء العقد الزئبقي، بحسب التسريبات، أنقذ خزينة الدولة من غرامات كان يمكن أن تصل إلى مليار دولار بسبب ثغرات قانونية، وحركات التفافية، قيل إن وزيرا سابقا نسجها بالسر. ثم مرّرت الحكومة السابقة ذلك العقد، في منتصف 2006، في غياب أكثر من وزير أحدهم يحمل حقيبة سيادية. أنجز العقد بعد أن أقدم وزير السياحة السابق على تعديل قانون المجلس الوطني للسياحة بحيث أدخل الكازينو ضمن فعاليات هذا المجلس. رئيس الوزراء السابق، الذي «لا يمكن الاتصال به»، أسر لمسؤول سابق بأن حكومته ألغت ذلك القرار بعد أسابيع من اتخاذه. ولم يشرح سبب الإقرار أو دوافع الإلغاء. قد يتناقش البعض في مبدأ ترخيص كازينو في دولة دينها «الإسلام» طبقا للبند الثاني من الدستور. وقد يتمحور الجدال حول قانونية إصدار تراخيص غير مدروسة في الخفاء، قبل سن قانون لتنظيم مثل هذا القطاع الطارئ، وإلا رتعت سوق سوداء بدءا من غسيل، تبييض و»دراي كلين» أموال إلى الجريمة المنظمة. إلا أن الخطر الأكبر يكمن في بنوده المجحفة بما في ذلك شرط التقاضي خارج الأردن. الأسوأ من ذلك طريقة تمرير مشروع بهذه الجدلية والمخاطر، في بلد لا يزيد عدد سكانه عن ستة ملايين نسمة. الشيء بالشيء يذكر. أدهشنا تصريح لرئيس منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة حسني أبو غيدا في معرض دفاعه عن شروط الاستثمار في المنطقة، التي تقول إنها استقطبت ثمانية مليارات دولار منذ عام 2001. فحين طلب منه التعليق على نبأ فتح تحقيق فلسطيني مع خالد سلام مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، حول شبهة استثماره 600 مليون دينار في منطقة العقبة، أجاب أبو غيدا بحزم أن المنطقة الخاصة لا تتدخل في تفاصيل أو تبحث عن جذور أموال الاستثمار. وزاد: «لسنا مسؤولين عن مصادر أموال المستثمرين ولا تاريخهم السياسي». هل هذا يعني أن العقبة مفتوحة أمام أي تاجر حرب في أميركا اللاتينية أو غاسل أموال من روسيا؟ قصة ميلاد ووفاة مشروع الكازينو ليست الأولى. ولن تكون الأخيرة إذا ظلّت العقلية الحكومية تتعامل مع مقدرات البلد بمنهج «الطبطبة» القريب من لعبة الثلاث ورقات. في الخلفية، مشاريع شبيهة ظلّت تفاصيلها طي الكتمان مثل محاولة بيع «تل الرمان» في أجواء من السرّية قبل أن تلفظ حكومة سابقة أنفاسها الأخيرة. منذ منتصف العقد الماضي، تكّثفت محاولات ترخيص كازينو في العقبة أو على شاطئ البحر الميت. صدرت رخصة قبل خمس سنوات لبناء كازينو في العقبة، دون الإعلان عن تفاصيلها. ستظل مقدرات الدولة والشعب في خطر بدون وجود صمامات أمان ومؤسسات رقابة مستقلة، فاعلة تعتمد المحاسبة والشفافية. |
|
|||||||||||||